تعريفات كثيرة قدمت لمفهوم الآخر في الثقافة والاجتماع والسياسة، لكنها بمجملها تعني وجود المقابل المختلف الذي به ومن خلاله تدرك أنك الآخر، أو أنه هو الآخر الذي يختلف عنك، وفي هذه العلاقة ليس ثمة مشكلة، لأنها دليل على وجود التنوع والثراء الثقافي. أحلام وأوهام كثيرة راودت أباطرة وملوكا وأديانا في الماضي لتوحيد العالم تحت رايتهم، كما فعل الإسكندر المقدوني، لكن كل ذلك كان ينتهي بالفشل. وتعتبر ظاهرة الاستعمار الغربي لبلدان العالم النامي في العصر الحديث، هي المثال الأحدث على محاولات إلغاء هوية الآخر تحت ستار دعاوى التحضر والمدنية. لكن الغرب الذي لم يستطع أن ينظر إلى العالم من خلال تعدديته الثقافية والروحية، عانى هو الآخر من محاولات القضاء على الآخر الأوروبي سواء من الناحية المذهبية، أو العرقية، عبر صراعات وحروب طاحنة دينية وقومية، كلفته الملايين من الضحايا، حتى اعترف بالتنوع والتعددية، لكنه لم يستطع أن يتجاوز ذلك على صعيد علاقته بالآخر المختلف ثقافيا وعرقيا، إلا على صعيد المصالح الاقتصادية والسياسية والنفوذ. والغريب أن هذه المفارقة لا تقف عند هذا الحد، بل هي تتجاوزه إلى الحديث عما حققته وسائل التواصل الحديثة وهجرة رؤوس الأموال العابرة للحدود، من تحويل العالم إلى قرية صغيرة، في حين أن تنامي التوتر والكراهية عند قوى التطرف في العالم، لا يزال يتصاعد، بسبب عجز ثقافة الديمقراطية والحرية عن التحول إلى قيمة كونية، والاعتراف بالتنوع والهويات الخاصة بالمجتمعات إلى معيار، لعلاقات الشعوب والأمم مع بعضها البعض. إن مفهوم الهوية المغلق والاستعلائي عند تيار اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، والذي تقابله عندنا أيديولوجيا الحركات الأصولية المتطرفة، هو الأساس في توليد نزعة العداء والكراهية للآخر، وهي نزعة لم تتخلص من موروثها التاريخي والثقافي، الذي طالما تأسس على مقولات بعض كتاب الغرب، بأن الغرب غرب والشرق شرق ولا يلتقيان أبدا. لذلك فإن ما نحتاجه هو وعي إنساني مختلف متحرر من كل موروث، ومنزوع من نزعات الاستعلاء والتعصب، يؤمن بأن القيمة في الاختلاف والتنوع وليست في أي شيء آخر ديني أو دنيوي، لكي لا نظل محكومين بإرث الماضي، ولا بثقافة الكراهية. قد يكون في هذا التصور شيء من المثالية، لأن تاريخ العالم ظل محكوما بعلاقات القوة التي تجعل هناك طرفين تقوم العلاقة في ما بينهما على التقابل والاختلاف، إلا أن ذلك لا يمنع من أن تعمل الثقافة الإنسانية ورموزها المؤمنون بالسلام وقيم المحبة والتنوع على تعديل ميزان هذه العلاقة بما يحقق مزيدا من الانفتاح والتفاعل والتمازج بين الشعوب والثقافات.