سهام بوهلال كاتبة وشاعرة مغربية مقيمة بباريس وهي من مواليد مدينة الدارالبيضاء، وحاصلة على دكتوراه الادب العربي من جامعة باريس السوربون مع جمال الدين بنشيخ حول «أدب النديم : بغداد في القرن العاشر»، وصدرت لها العديد من الاعمال منها عدة دواوين :»القصائد الزرقاء» و»قبر الأشواك» و»جسد الضوء»، وكذلك أعمال سردية مثل «الاميرة الامازيغية» والعمل الأخير «ويتجسد غيابك». حاصلة على جائزة الاستحقاق النسائي سنة 2011 من الكي دورسي بفرنسا وهي جائزة تمنحها جمعية «فرنسا والاورومتوسط» على مجموع مسارها. n كيف كان رد فعلك سهام بوهلال بعد العمليات التي شهدتها باريس؟ p رد فعلي حول هذه العمليات التي ضربت باريس كان هو الرعب و الغضب، كان ابني محبوسا في ملعب «سطاد دوفرانس» مع الآخرين وكنت معنية بما وقع على أكثر من مستوى : سواء كأم، كمواطنة فرنسية وكإنسانة وكباحثة تنتمي لحضارة عريقة يخربها الظلاميون تخريبا. وأكثر من أي وقت آخر، على الجميع تحمل مسؤوليته وهذا الامر قلته عدة مرات،الأيديولوجيات والديانات تطرح مشاكل عدة ولكل منها نصيب من العنف. والديانة الإسلامية لا تخرج عن هذا الاطار. هناك شقوق في النصوص لا بد من ترميميها والتي من خلالها يتمكن المتطرفون من تصريف خطاب الكراهية الذي يروجون له و لا يقفون طبعا عند الخطابات. العمليات الإرهابية تتواكب لا ننسى هذا. ومهما قلنا فهم يعششون في هذه الشقوق التي ذكرت. وبات ضروريا إعادة النظر في بعض النصوص وجعلها ملائمة مع وضعنا الحالي اليوم، عند بداية الإسلام، تم القيام بهذا الأمر وهو ما كان يسمى بأسباب النزول. أي أية من الايات كان لها سبب، وكانت غالبا ما تعني وضعا بعينه وفي اطار محدد. والقرآن ليس نصا مغلقا. وكما هي باقي النصوص الدينية، هناك عنف في بعضها لكنه مرتبط بسياق تاريخي معين. و لا ننسى الناسخ والمنسوخ.آية تمحي أخرى... والله عز و جل هو أول مثال للتسامح والتساؤل المستمر وإعادة النظر...لكن من يفهم هذا الأمر نحن مع قوم لا يعرفون سوى كلمة واحدة التكفير وربما هذا ما يمنعهم من التفكير السليم. الإسلام أنقذ الفتيات اللواتي كان يتم وأدهن فقط لأنهن كن فتيات، بآية واحدة وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟...وفتح بذلك بابا نحو التغيير والتطور. هو إذن أنقذ الفتاة و كان أول من دافع عن حق المرأة في الحياة فلأمر ما، ورسالته بذلك لم تكن هي الرجوع الى الوراء بل يقول لنا المرأة عماد المجتمع. إنها قضية كبرى. ما نطرحه وما قلته هنا ليس كاف للإجابة على هذه الوضعية. يلزمنا تجديد العقليات والاخذ بعين الاعتبار العصر الذي نعيش فيه اليوم. خذ مثلا قضية الإرث،التي تعتبر منعرجا جد معقد ويكفي تغيير قانون الإرث وحتى لو أعلن العثور عن طريق ثالث لحل هذه القضية، هناك من سيطرح قضية القوامة وحتى ان كانت مرتبطة بمن يقوم بتحمل مصاريف الاسرة ، والعودة الى النص « الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا...»سوف نتوقف عند ذلك. وسيكون لصالح الرجال في ما يخص « ولما فضل الله بعضكم فوق بعض درجات..» وهنا أشياء كثيرة يمكن قولها حول الموضوع، وما علينا إلا تنظيم لقاء آخر حول هذا الموضوع بالذات. n عند قراءة نصك «ويتجسد غيابك» يجد القارئ نفسه في متاهة، هل هذا الامر كان مقصودا؟ p الحياة متاهة في حد ذاتها و هذا ربما أجمل ما فيها، والكتاب هو كذلك، مادام يعتمد كل أشكال التعبير على الحياة. إذا أردت أن تتحدث عن غنى وتنوع المواضيع التي تم التطرق إليها، ربما هو متاهة. ويتعلق الامر عمليا بكتاب « ويتجسد غيابك» الذي يحكي قصة حبي مع ادريس بنزكري، أحكيها له، وأتوجه إليه، كما كنا نتحدث الى بعضنا، نتناقش، نقتسم. في هذا المعنى يمكن اعتباره متاهة، لان نقاشاتنا كانت مثل متاهة. ويتعلق الامر بالنسبة لي وبالنسبة لراوية تفهم بعد 8 سنوات على غياب حبيبها وما عاشته بعد ذلك.وكيف عاشته وتفكك كرة من الصوف المكومة. تكتشف قصتها من خلال حكيها الى حبيبها. من الممكن أن هذا الكتاب يوجد ما بين الشعر، النص والحكي، لا أعرف، كل ما أعرفه أنني كتبته كرواية. n في هذا العمل الجديد «ويتجسد غيابك» قضية الفقدان، الغياب والموت حاضران باستمرار؟هل يعتبر ذلك هاجسا يستحوذ عليك؟ p هل تقصد بذلك أغلب المواضيع التي تتجسد في مختلف أعمالي؟ ليس ذلك هاجسا دائما بل يتعلق الامر بحكاية، قصة، لغياب مؤلم، لموت، لفراق لا يمكن تعويضه مع محبوب لي وهو ادريس بنزكري. أكثر مما يتعلق الأمر بوصف لهذا الفقدان، لهذا الغياب بل من أجل فهمه. وقبول هذه الحقيقة وهي انه رحل وكيف يمكن إرجاعه. وقد رفضت لسنوات الحزن، الواقع وانتظرت عودته.ومرت 8 سنوات على ذلك وأعرف الآن أنه لم يغادر قلبي أو روحي وأن جسدي هو ويمكنني أن أكون وعاء له. وهذا الغياب الذي يتحول الى حضور من خلال جسدي انا، من خلال جسد اللغة، من خلال كلماتي التي تحتفظ بذاكرته دائما حاضرة ومتجددة. n هل انتصرت على الموت؟ تقولين في نصوصك إنه عليك «الذهاب الى نهاية الموت، في الموت...؟ p من يقدر على ذلك؟ الانتصار على الموت ؟ نعم لقد حاولت، ولم أنتصر عليها إلا بقبولها ومن خلال تنقيل ذاكرة ادريس بنزكري الى ذاكرتي ومن خلال القول دائما، والكتابة دائما، واحكي له قصتنا، قصته ومن خلال اقتسام الحب الذي أكنه له ومعه. حب الأرض الحمراء لأيت واحي، حب هذا البلد. كان يحب البلد أكثر من نفسه، كما كان يحب الملك محمد السادس.وأعطى نفسه للوطن ولجلالة الملك. وعلمني أيضا كيف أحب بلدي وملكي. وكيف أجمع بين الأصدقاء والأعداء من أجل مصلحة الوطن. لهذا فإنني أقوم بإحياء ذكرى ادريس بنزكري من خلال هذه الرواية، من خلال اقتسام قصتنا مع الاخرين، سواء كانوا مغاربة أو غير مغاربة. لأنه قبل كل شيء يتعلق الامر بقصة حب حقيقية، قوية. معركة ضد مرض السرطان، صراع رجل من دون صفته كرجل عمومي. هنا ادريس رجل بسيط يحب ويحارب الموت. والذي انزلق تدريجيا نحو الضفة التي سوف يعرفها الجميع، في وحدة مطلقة وهي الموت. n الراحل جمال الدين بن الشيخ قال عن «سهام بوهلال» «هي شاعرة وممررة للثقافات، شعرها يرتعد مثل الأعشاب البحرية التي تنطلق لتنغمس في مستنقع سري» هل تجدين نفسك دائما في هذه الوصفة الشعرية؟ p لا أعرف، وهل توجد حالة شعرية؟ هناك الشعر، هناك القصيدة ولدي دائما حماس لكتابة القصيدة وانتظارها. ونفس الرغبة لكتابة الشعر ولقوله، وأحس بنفس الرغبة في كتابة النثر، وعليك أن تعلم أن « ويتجسد غيابك» ليست إلا قصيدة طويلة. وفي حدود معينة لا أقول لا. n عملك حول النصوص العربية القديمة الوسيطة والمتنورة هل هو مسعى للبحث عن الهوية ونقلها الى الأجيال القادمة؟ p لا أعرف، لكني أعرف من أنا.أنا أنا عندما أكتب،عندما أتكلم عندما أمشي عندما آكل. ولا أبحث عن هوية، والكتابة هي فضاء جد واسع حتى لا ينغلق الكاتب في هوية واحدة. أن تكون حرباء ليس دائما شيئا سلبيا. لكن عملي حول النصوص العربية الوسيطة له أهمية خاصة اليوم، أو الهدف منه. أن نفهم من أين أتينا هو ضرورة اليوم خاصة أن الجميع يريد أن يقول لنا كيف نعيش أو لا نعيش ويدفع بنا الى الظلامية التي يتم بيعها لنا على أساس انها الجنة. هل تعرف أنه في القرآن ان الله نور، وأنا لا أرى مكانا لظلامية المتطرفين او لهؤلاء القتلة الذين يسمون داعش في ديننا، في حياتنا أو على هذه الأرض. من هذا المنطلق، أعتبر أن مساهمتي في الثقافة العربية الوسيطة مهمة و هذا شأني من سنوات قبل ظهور هؤلاء المجرمين بصفتهم الحالية، و أحاول من سنوات إشعال شمعة صغيرة في هذا الزمن المظلم ربما تملأ علينا بيتنا الكبير و أشير بهذا لقصة قديمة ربما تعرفها. في هذه الرواية الأخيرة لا أقوم بشيء سوى الحب «ويتجسد غيابك» هي نشيد للحب، بكل أشكاله، وهي اغنية للحب والحرية والتي أهديها الى كل النساء، خاصة لنساء الجبال الجميلات المنسيات ببلادي. *هل مازلت تقومين بترجمة نصوص وسيطة من التراث العربي مثل الموشى الذي نشرته منشورات «غاليمار» سنة 2004 وفن المعايشة عند «اكت سيد» سنة 2009 أو تخصصين وقتك لعمل آخر؟ أشتغل دائما على نصوص مشابهة، أشتغل حاليا على نص حول العطور القديمة، كما أشتغل على إعادة الاهتمام بكتاب الموشى، الذي أصبح جد مرتبط بما يقع اليوم. كما أنني أقوم بإتمام ترجمة عمل «محاولة حياة» للرائع محمد زفزاف الذي يعتبر كتابا في صميم ما يعيشه المغرب وعلى كل مغربي قراءته وإعطاؤه أهميته. لدي أيضا مشروع رواية جديدة، لكن ما يشغلني هو أن تنجح روايتي الأخيرة... أن تنجح مع دار نشر شابة بجنوب فرنسا التي أشرفت على هذا العمل.. يهمني جدا ولأول مرة أدافع عن كتاب لي وهو أحب إلي و أقرب إلي. ادريس بنزكري كان يعطي الفرصة للشباب ويثق فيهم، أريد لهذا الكتاب لأن يشبهه في أدق التفاصيل ولو أن الأمر مستحيل. لا أحد يشبه ادريس بن زكري، ولكن أتمنى من كل قلبي أن يقرأ المغاربة هذا العمل «ويتجسد غيابك» ويفتحون قلوبهم له.