لماذا اختارت سهام بوهلال السرد في هذا النص «الأميرة الامازيغية» Princesse Amazigh . هل لأن السرد يعطي امكانية أكبر للتعبير أم أن الشكل كاللغة يفرض نفسه على الكاتب؟ كما قلت في حوارات أخرى، اللغة، أي لغة، هي وسيلة مثل أخرى للقول والإبداع. كشأن الألوان التي يخطلها الفنان كل مرة بشكل مختلف. هل نعرف لغة تتلاءم أكثر مع الفلسفة ، الشعر أو مع الرواية؟ الكاتب وحده هو من يحدد قدرة اللغة التي يستعملها. الألمانية في شعر ريلكه ليست هي نفسها بريشة زويك وهما معا جديران بالإعجاب. لنعد إلى مسألة السرد ، في أغلب الأحيان يصعب في هذه الحالة أيضا شرح لماذا هذا الشكل أو ذاك من الكتابة، وأحيانا تأخذنا الدهشة عندما ننتقل إلى إطار آخر لم نكن قد فكرنا فيه بتاتا. أعمل أساسا في الترجمة، وخاصة ترجمة نصوص القرون الوسطى، التي تخلط بين الشعر والنثر، كما هي العادة في الأدب العربي القديم، حيث يتنقل فيها المؤلف دون المس بالإنسجام أو المعنى سواء بالنسبة للتعبير الشعري أو النثري. مع «الأميرة الأمازيغية « أجد نفسي في هذا الإنزلاق من دون أن أفهم أو أتساءل عن شكل الكتابة. هل النثر يعطي حرية تعبير أكبر؟ لا أعتقد ذلك، الحرية التي نحصل عليها تتجاوز الأشكال التعبيرية ويمكن قولها من خلال كلمتين أو من خلال ألف كلمة.. أعتقد أن الشعر يجب أن يحكي قصة مختصرة وقوية، كما لا أحس أنني وصلت إلى وضع مختلف في العمل النثري. اذا كانت «الأميرة الأمازيغية» ليست سردا لحياتك أو سيرتك، فهل هي سرد لحياة نساء التقيتهن أو عايشتهن؟ يتعلق الأمر بقصة تختلط فيها عدة قصص مستقلة ومصائر متباعدة عن بعضها البعض، لكن في نفس الوقت مشتبكة برابط جوهري وهو رابط الحياة و الموت، العنف أو الضعف، الحب والحرمان. وهناك رابط آخر هو رابط يومي وبسيط، غير معظم، رغم أنه في حد ذاته معجزة. الأميرة تحكي قصص نساء طيبات أو خبيثات، عاشقات او خطيرات. قصص رجال كذلك قاسين أو لطفاء، أقوياء أو مهزومين. دون تمجيد مطلق للمرأة أو إدانة مطلقة للرجل. لكن برؤية خاصة وهي نظرة الروح وليست رؤية الجنس. هل هو سرد لحياتي؟ لا، أقولها على الفور، رغم أنني أحكي أشياء عاينتها، نساء عرفتهن، وهذا بديهي، لأنه لا يمكننا الكتابة خارج واقع ما حتى الكتابات الخيالية، وهذا لا يمكنه أن يكون سرد امرأة واحدة لأن كل امرأة مختلفة عن الأخريات، مثل جميع الرجال. أحاول أن أقاوم الفكرة الشائعة أن المرأة جنس خاص وعليها أن تتمتع بوضع خاص. أعتقد أن البعض حين يدافع عن حقوق المرأة يدفعها في الوقت نفسه تدريجيا نحو الغيتو أي العزلة. إن زمن فصل الجنسين قد انتهى لنعمل من أجل امرأة يتم إختبارها من خلال مزاياها وقيمة عملها الشخصي ... وليس من خلال ما يميزها كجنس. هل كتابك الاخير هو ذكريات طفولتك ونظرتك للحب والعلاقة بين النساء والرجال، والنساء والدين؟ يظل الحب عقدة القصة، كل القصص. بحث دائم يلزم الروح والجسد، يمزقهما، يجمعهما، يدفع بهما نحو الصحاري البعيدة أو القريبة. من ابن زيدون إلى المجنون، إلى محمد شكري، مرورا بخير الدين والقاسمي وكل من لم أذكرأسماءهم. الحاجة الحمداوية هي خبيرة مبكرة ورائدة في هذا المجال، طريقتها العنيفة والقريبة من الواقع في وصف الحب ترافق هنا العشق العربي القديم، أو «عندما لا يبقى لنا إلا الحب» لجاك بريل أو «الموت من الحب « لجون فيرا الذي توفى للأسف في شهر مارس. الجسم الهش لطفلة صغيرة هزه قلب مضطرب بالحب على غفلة منه، يجد نفسه في النص قرب جسد امرأة شابة تخفق في سرير وتطبق حرفيا طريقة التقبيل التي و صفها ابن الجوزي المشرع الصارم القادم من القرون البعيدة. الدارالبيضاء، رانس وباريس هل هي فضاءات تركت أثرا في حياتك؟ لسنا بصدد الحديث عن حياتي في هذا النص كما سبق لي أن قلت لك، أليس كذلك؟ لكن يمكننا القول أن «الأميرة الأمازيغية» تتجول من دون جواز بين المغرب وفرنسا، من الحافلة المريضة التي تربط بين الرباط والهرهورة، إلى الخط رقم 6 الذي يربط بين ناسيون وشارل دوغول، صمت القلوب هو نفسه. غياب الآخر هو نفسه. الزحام هو نفسه. الألسن المغتابة تتصرف بنفس الطريقة . كنيسة رانس شامخة بجمالها، ذكريات جامع قرطبة غير بعيدة ، لا أتحدث من وجهة نظر معمارية، بل أتحدث عن قوة قدسية، عن أذكار و صلوات مكثفة عبر القرون علقت بالأمكنة وسكنتها. مؤكد أنني عشت بمدينة رانس وولدت بمدينة الدارالبيضاء، كيف يمكنهما أن تكونا غائبتين عما أكتب؟ لي مع باريس رابط شعري لا أستطيع شرحه. الدارالبيضاء مكان أرتاح فيه من معركة، كمحاربة تنسحب مع بحر البيضاء حين ارتداده. صرحت أن الكاتب الفرنسي كامي يخلق لديك «ارتجافا كبيرا في جميع الاتجاهات». لماذا كامي ؟ ولماذا لا فيكتور هيغو، جون جوني أو جون بول سارتر، هل التزامهم السياسي يحول دون خلق الارتجاف لديك؟ لا أذكر أنني قلت ذلك وبهذه الطريقة، ومع ذلك فإننا لا نقرر مسبقا ما سيخلق لدينا طاقة، إنفعال أو قوة إبداعية، ولا أحد يمكنه أن يقرر مكاننا أو يحكم به علينا. قيمة هذا الكاتب أو ذاك لا تحدد ذلك أيضا. ما قلته هو أن هناك كامي وبعده الآخرين، رغم أن قولي لن يروق الشغوفين بسارتر. بالإضافة إلى القيمة الكبيرة لكامي وعبقريته التي لا جدل فيها وقدرته الكبيرة على الكتابة بشكل مثير، فأنا لست مختصة في كامي ولا أدخل في الخلافات التي كانت له مع سارتر، والخصومة لا تعنيني، بل وحدها عملية الكتابة تشدني. لم أقرأ بعد جون جوني وأحس أنني مرتبطة بكامي أكثر من أي كاتب آخر كما أنني أحس أنني قريبة من مارغريت دوراس. يحركني الحس في اختيار ما أقرؤه، أنا أقرأ لأقنع نفسي أنني لا أكتب بعد. أعيد قراءة «الأجنبي» ، اقرأ «السقوط «La chute...» أن تحصن جسم امرأة، هو أن تعانق بجسدك هذه الفرحة الغريبة التي تنزل من السماء في اتجاه البحر» هذا ما قاله في كتابه «عرس»Noces ولن أضيف أكثر. هل تهتمين بشعر اراغون وايلوار، الشاعران الملتزمان والغنائيان في نفس الوقت، واللذان تغنيا بالحب والقوة الإبداعية للمرأة. هل هناك رابط حميمي بين الاثنين؟ إنني مهووسة بهما وبشار، وليس التزامهما ومعاركهما هو ما يربطني بهم، بل التزامهم الشعري والتزامهم بالكتابة، لأن الالتزام بهذه القضية أو تلك يمكن أن يختلف أو يتوقف مع الزمن. هناك ماركسيون لم يعودوا كذلك. بارث في بدايته ليس هو بارث في الأخير... لكن الكتابة الشعرية عند هؤلاء الكتاب الكبار تظل قوة رائعة تخترق الزمن، إنها كتابة تدوم و تعطي للزمن كل ثقله. لا أعرف هل تتوفر المرأة على قوة إبداعية في المطلق خاصة بها. أعتقد ان الكاتب المتميز ليس له جنس ولا يمكنني تعويض كاتب مثل محمد خير الدين بامرأة لأنها تكتب ولأنها امرأة، أنا لست في هذه المعركة فيما يخص الكتابة. الالتزام يمكنه أن يكون دافعا إضافيا بالنسبة لشاعر أو لكاتب موهوب، لكن الالتزام في حد ذاته ليس قوة دافعة للإبداع . أؤمن بالحب وبالحرية وعالمي يدور حتما حول هذين الموضوعين. هل هناك شاعر لا يعتقد في ذلك، حتى الملتزم بقضية سياسية؟ إنها الرغبة المطلقة في الحرية وعنف الثورة التي تميز العمل. في المغرب يمكنني أن أذكر لك شاعرين لهما هذه القوة في الكتابة هما محمد حمودان ورشيدة مدني. لماذا اختيار هذا العنوان» الأميرة الأمازيغية»؟ ليست هذه أول مرة أستعمل «أمازيغ» أو «بربري» في عناوين كتبي. «أمازيغ ، أو سفر في الزمن البربري» الذي تم بتعاون مع كارلوس فريري وادريس بنزكري، كان تغنيا بالثقافة الأمازيغية من خلال الصورة والشعر، و» أحلام ليلة بربرية أو قبر الشوك» كان موجها إلى أمازيغي كما تعرف. هذه المرة الأشياء ليست جد مختلفة .إنها الثقافة الأمازيغية في شموليتها. إنني هلالية من أصل فاسي ورباطي، مزدادة بالدارالبيضاء. عاشقة بدون اجتثات لأمازيغيتي، أقصد أصلي الغير مباشر. مولعة بخير الدين الذي لم يكتب قط بالأمازيغية ولا بد من التذكير بذلك. معجبة أنا بالشعر الأمازيغي من خلال الترجمة فقط، ومن خلال لقائي الجد مبكر مع مدينة تافراوت، بناسها وتقاليدها. أحداث الطفولة تبقى كالختم على الصدر. إلى كل هذه الاشياء وإلى الثقافة الأمازيغية الأصلية في بلدنا وكمكون أساسي لهويتنا المغربية، أعبر عن وفائي وعن تعلقي. ما هو عملك المقبل؟ صدر في شهر ماي عن دار المنار الفرنسية ديوان جديد «موت لا يندمل» ، يعني موت ظل مفتوحا كالجرح ، وهو عمل يتضمن شعرا ونثرا. العنوان يعطي للنص إيقاعه الخاص. إنه عبارة عن لقاء وجها لوجه مع الموت و صرخة عارمة، ثائرة اتجاه فقدان الحبيب و في نفس الوقت استسلام و انهزام يدفعان حتما نحو الحياة، البديل الوحيد. يشتمل الديوان على ثلاث فصول ، كتاب إدريس، الرجل الباطن و نزهة باريزية. و لنا إليه عودة إن شئت.