الحب حين يهشم المرض مساراته ومجراته. والموت حين يضع حدا لوجود ممتزج بالآخر. والقبر الذي يؤشر على أن الحداد صفحة لا تنتهي تنكتب بالدموع والألم والجسد. وغياب رفيق الحياة الذي يجعل الذات غريبة عن ذاتها وغائبة عن نبضها. وانتصار المرض على سعة المقاومة، مقاومة المصاب ورفيقة حياته. وبشكل مفارق: الأمل أيضا. أوليس الفرق بين الأمل والألم سوى الترتيب المغاير للحروف المكونة؟ هي ذي التوابل الكونية التي توظفها الكاتبة والباحثة والشاعرة والمترجمة المغربية المقيمة في فرنسا سهام بوهلال في عملها السردي الجديد «ويتجسد غيابك»، الصادر ضمن منشورات دار نشر فرنسية جديدة «يوفانا»، دار يديرها شابان راهنت على أن يكون مؤلف صاحبة «الموشَّى» للبغدادي أبو الطيب الوشاء أول إصداراتها. «إنه رهان على دار نشر شابة. دعم للشباب»، تعترف سهام التي سبق لها أن نشرت مؤلفها الأساسي السالف الذكر لدى إحدى أعرق دور النشر الفرنسية: «غاليمار». الصفحة التاسعة من الكتاب تكشف ميثاق كتابته الذي عقدته سهام بوهلال مع نفسها لصياغته. تزين الصفحة هذه صورة للمؤلفة مع الراحل إدريس بنزكري، تحمل التعليق/التوضيح التالي: «إليك، إدريس بنزكري، هذه قصتنا وقد اتخذت شكلا روائيا أو شكل حلم». هل نحن أمام نص سردي فقط وليس رواية؟ الإبحار بين ثنايا المؤلف، وسبر أغوار معماره، والتلذذ بلغته التي تعج بالشاعرية، وتعدد شخصياته التي منها المتخيلة مؤشرات دالة تجعل «ويتجسد حضورك» ينتمي بالفعل لجنس الرواية، وذلك رغم أن عتبته الغلاف لا تتضمن هذا التجنيس. ولعل هذه هي المرة الثانية التي يتم خلالها تصنيف مؤلف لسهام بوهلال كعمل سردي رغم أنه يمتلك، بتفوق، كل مقومات العمل الروائي، إذ سبق أن حصل الأمر ذاته مع مؤلفها الموسوم ب «أميرة الأمازيغ» الصادرة عن دار النشر الفرنسية»المنار». لكن رواية «ويتجسد غيابك» تمتح أيضا من بعض محطات سيرة موقعته ومسارها، ومن تأملاتها الذاتية حول الغياب الذي محركه الموت، مثلما نلحظ ذلك أيضا في ديوانها «قبر». ولذا، فالرواية الجديدة لا تخلو من نفحات التخييل الذاتي. يحضر ضمن صفحات المؤلف شغف صاحبته بالنص التراثي واشتغالها عليه ترجمة ودراسة، لكنه حضور يتميز بالسلاسة والطبيعية، ولا ينم عن أي إقحام لا مبرر له ضمن مسارات السرد. رغم المرارة والانكسارات ورفض العودة إلى روتينية المعيش، مع الإصرار على مقاومة النسيان، المهيمنة على المؤلف، ف «ويتجسد غيابك» مشرع على الأمل. وهو ما اكتشفه بكل تأكيد القارئ المغربي في مراكش وطنجة بمناسبة استضافة المدينتين لسهام بوهلال قصد تقديم مولودها الجديد، وما سيقف عنده أيضا رواد الدورة القادمة من معرض البيضاء للكتاب الذي لا بد أن تكون سهام من أبرز ضيفاته.