وضع الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء حدا لكل التكهنات والدعاية المغرضة للجزائر وصنيعتها البوليساريو بوجود مقترح ثالث يخص قضية الصحراء ، إذ شدد جلالة الملك على أن الحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن الحوار حول تنزيله ، وكان للخطاب دلالة قوية من حيث رمزية المكان إذ بُث من العيون عاصمة الصحراء . كما تميز الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ، باهتمام الملك محمد السادس البالغ بالقارة السمراء ، حيث تم ذكرها أكثر من مرة في هذا الخطاب الذي ألقاء جلالة الملك من مدينة العيون البوابة المفتوحة على هذه القارة . و برز البعد الاستراتيجي للمملكة المغربية من خلال الالتزام بجعل الصحراء المغربية مركزا للتبادل ومحورا للتواصل بين شمال المغرب والدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء ، علما بأن الأقاليم الجنوبية المغربية كانت من زمن طويل همزة وصل مع إفريقيا، ومعبرا آمنا لقوافل التجارة بين المنطقتين . فمعظم المشاريع الكبرى التي أعلن الملك في العيون عن قرب انطلاقها بالأقاليم الجنوبية ، مثل ميناء الداخلة الأطلسي ومشاريع الطاقات المتجددة الشمسية والريحية ، والكهرباء والطرق ، تهدف إلى ربط المغرب بعمقه الإفريقي فالنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية ، الذي قدم أمام الملك في العيون ، يهدف إلى تحويل هذه الأقاليم إلى قطب تجاري ولوجيستكي مع إفريقيا ، وذلك من خلال بنيات تحتية هامة : أكبر محطة طرقية بالقارة في العيون التي ستجعل أسواق أبيدجان ولاغوس في متناول حاويات ميناء طنجة المتوسط في الاتجاهين ، وكذلك موانئ الداخلة وبوجدور وكلميم والتي ستسهل الاندماج الاقتصادي مع البلدان المجاورة . وفي هذا الإطار كذلك، تندرج الطريق الوطنية تزنيتالداخلة التي سيكون لها تأثير هام على المستوى الجهوي ، كما سيكون لها بعد إفريقي يندرج ضمن سياسة المغرب الهادفة إلى إطلاق دينامية قارية مساعدة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية . بالإضافة إلى أن مشروع تأهيل جزء من هذه الطريق، يمكن أن يطلق في المستقبل، عمليات مهيكلة تهدف إلى تسهيل التبادل التجاري والبشري مع بلدان الجنوب . والواقع أن اهتمام الملك المتزايد ، منذ اعتلائه العرش ، بالقارة الإفريقية يعكس انخراطه التام في الدفاع عن قضايا التنمية بالقارة السمراء، وقد تجلى هذا الاهتمام في الزيارات الملكية المتكررة لعدد من البلدان الإفريقية والتي جعلت المغرب يقيم مع هذه القارة مثالا فريدا للتعاون جنوب-جنوب، من خلال التوقيع على اتفاقيات ثنائية، وإطلاق مشاريع تعاون تهم التنمية البشرية، وتبادل الخبرات وتعزيز الشراكة الاقتصادية مع هذه الدول.