أقرت 195 دولة مساء السبت اتفاقا تاريخيا غير مسبوق في باريس لمكافحة الاحتباس الحراري الذي تهدد تداعياته كوكب الأرض بكوارث مناخية، وذلك بعد سنوات عدة من المفاوضات الشاقة. وأعلن رئيس قمة المناخ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وهو شديد التأثر "لا اسمع اعتراضا (..) تم تبني اتفاق باريس حول (تغير) المناخ". وتحية "للحدث التاريخي" استمر التصفيق دقائق عدة في قاعة المؤتمر وسط تبادل التهاني، بعد ست سنوات على فشل مؤتمر كوبنهاغن الذي عجز عن التوصل إلى اتفاق مشابه. وصعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى المنصة وأمسك بيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وفابيوس في حين تعانقت مسؤولة المناخ في الأممالمتحدة كريستيانا فيغيريس طويلا مع كبيرة المفاوضين الفرنسية لورانس توبيان. وللحد من تغير المناخ (تواتر موجات الحر والجفاف والذوبان المتسارع لكتل الجليد)، اقر الاتفاق الهدف الطموح جدا باحتواء ارتفاع درجة حرارة الأرض "أدنى بكثير من درجتين مئويتين". بل إنه يدعو إلى "مواصلة الجهود للحد من ارتفاعها عند 1,5 درجة مئوية" قياسا بما قبل عهد الصناعة, وهو ما تطالب به الدول الأشد هشاشة. وكان الهدف درجتين مئويتين حتى الآن. وأصبحت المساعدة السنوية للدول النامية وقيمتها مئة مليار دولار بداية من 2020 فقط "حد أدنى" . وسيتم اقتراح هدف مرقم جديد أعلى في 2025. وشكل ذلك طلبا ملحا لدول الجنوب. وفي الجلسة العلنية رحب الخطباء بالاتفاق ووحدها نيكاراغوا أبدت تحفظات. ووصفت وزيرة البيئة في جنوب إفريقيا ايدنا موليوا التي ترأس بلادها مجموعة ال 77 مع الصين (134 دولة), تبني الاتفاق بأنه "لحظة تاريخية". ومتحدثة باسم الدول المتقدمة أعربت الوزيرة الاسترالية جوليا بيشوب عن شكرها لفابيوس "رئيسنا" وقالت "يمكننا العودة إلى ديارنا لتنفيذ هذا الاتفاق التاريخي". وقال طارق ابراهيم وزير البيئة المالديفي ورئيس مجموعة دول الجزر الصغيرة "إن التاريخ سيحكم على النتيجة وليس على أساس الاتفاق اليوم, بل على أساس ما سنقوم به ابتداء من اليوم". ودعا إلى "تمكين كل فرد في كل قارة من حيازة الطاقات المتجددة". من جهته قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري "أعرف أننا جميعا سنعيش بشكل أفضل بفضل الاتفاق الذي أبرمناه اليوم". ورأت منظمة غرينبيس كعدة منظمات غير حكومية قبل إقرار الاتفاق إنه يشكل "منعطفا" ويضع مصادر الطاقة الأحفورية "في الجانب الخاطئ من التاريخ". وهدف التوصل في 2015 إلى اتفاق عالمي ملزم حدد في 2011 في دربان (جنوب إفريقيا). والمفاوضات التي أطلقت في السنوات الأخيرة بلغت ذروتها خلال أسبوعين في لوبورجيه شمال باريس. وعند افتتاح مؤتمر الأممالمتحدة الحادي والعشرين للمناخ، حضر رؤساء 150 دولة لتأكيد ضرورة التحرك في مواجهة الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى تفاقم الظواهر الطبيعية من موجات الحر والجفاف إلى الفيضانات... ويهدد الإنتاج الزراعي واحتياطات المياه في عدد كبير من المناطق. ويهدد ارتفاع مستوى مياه المحيطات جزرا مثل كيريباتي وتجمعات سكنية ساحلية مثل بنغلادش. ويفترض أن يسرع هذا الاتفاق الذي سيدخل حيز التنفيذ في 2020 العمل لخفض استخدام الطاقة الأحفورية مثل النفط والفحم والغاز ويشجع على اللجوء إلى مصادر للطاقة المتجددة ويغير أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية. والتعهدات التي قطعتها الدول حتى الآن لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تسمح بألا يتجاوز ارتفاع الحرارة ثلاث درجات عما كان عليه قبل الثورة الصناعية, بعيدا عن 2 بالمئة يعتبرها العلماء أساسية للحد من الاضطرابات المناخية. والاتفاق يضع آلية تفرض مراجعتها كل خمس سنوات اعتبارا من 2025 وهو تاريخ اعتبرته المنظمات غير الحكومية متأخرا. وكانت نقاط الخلاف الأساسية تتعلق بدرجة الحرارة التي يجب اعتبارها عتبة للاحترار وعدم تجاوزها و"التمييز" بين دول الشمال والجنوب في الجهود لمكافحة الاحتباس الحراري مما يعني ضرورة تحرك الدول المتطورة أولا باسم مسؤوليتها التاريخية في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهذا بعد تم أخذه بعين الاعتبار في الاتفاق.