حوّل ثلة من الباحثين المرموقين على المستويين الوطني والدولي في مختلف أصناف المعرفة، القارة الإفريقية، التي «تعيش انتقالات تاريخية هامة، وتعتبر المحرك الآتي للنمو العالمي»، كما قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل الحجمري، إلى «أفق للنقاش» الغني والمثمر امتد لأربعة أيام. فبحضور باحثين وأكاديميين وعلماء اجتماع وجامعيين وعلماء دين وفقهاء قانونيين وحقوقيين وكتاب ودبلوماسيين، من كل من المغرب وعدد من البلدان العربية والغربية والإفريقية، شكلت ندوة «إفريقيا كأفق للتفكير» مدخلا للتفكير في إفريقيا المعاصرة، ومنطلقا للتساؤل حول امكانيات القارة السمراء كقارة ناهضة لها مكانتها في العالم، واقتراح تصورات وأفكار لمواجهة تحديات حاضرها من أجل استشراف مستقبلها. ويتضمن برنامج الدورة 43 لأكاديمية المملكة المغربية، التي تعرف حضور عدد مهم من المشاركين من بينهم 62 مشاركا من المغرب و 112 مشاركا أجنبيا من بلدان عربية وإفريقية وأوروبية، 12 جلسة عمل تناقش قضايا اقتصادية وسياسية ودينية واجتماعية تصب جميعها في موضوع الندوة. وهكذا، جعلت أكاديمية المملكة المغربية من العاصمة الرباط، فضاء علميا بأفق رحب، تناول منذ الثلاثاء الماضي بالنقاش مواضيع تهم «إفريقيا في مواجهة التحديات» و»لمحة في الإرث التاريخي» و»السياقات الجيو-استراتيجية» و»التفكير في التنمية بشكل مغاير» و»المغرب وإفريقيا» و»الديناميات الروحية» و»الواقع الإفريقي .. الرهانات الاجتماعية» و»الديمقراطية والعدالة الانتقالية» و»النخب والمجتمع المدني» و»التنوع الثقافي والديني» و»تجاوز العنف بالعودة إلى التنمية». تروم أكاديمية المملكة المغربية ونخبة الخبراء والأكاديميين والباحثين من إفريقيا وقارات أخرى من خلال عنوان ندوة «إفريقيا كأفق للتفكير» تجاوز النظريات والتصورات التي وضعت القارة الإفريقية في قوالب جاهزة، تصنفها حصريا في خانة الفقر وسوء التغذية والاضطرابات السياسية والصراعات الإثنية. وتشكل إفريقيا، بالنسبة للباحثين والمفكرين، مختبرا لدينامية المجتمعات والثقافات، بفعل التحول العميق الذي تعرفه القارة، وتنوع طبيعة العلاقات بين الأجيال، ووضع المرأة، وتأثير ظواهر العولمة، وتكنولوجيا الإعلام والتواصل وهجرة الأدمغة. وقد أوضح أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل الحجمري، في كلمة افتتاح الدورة الثالثة والأربعين للأكاديمية، أن التحولات التي تعيشها إفريقيا المعاصرة تفتح أفقا للتفكير، يتجاوز الصور النمطية والقوالب الجامدة التي ترادف بين إفريقيا وحالات العنف والصراعات الداخلية السياسية والإثنية الملفوفة بواقع الفقر والتخلف وانتشار الأمية والمجاعة والأمراض الفتّاكة. ولم يتردد عبد الجليل الحجمري في التأكيد على أن القرن ال21 سيكون قرن إفريقيا بامتياز، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق بمجرد «حلم يراودنا، بل باقتناع نبذل قصارى جهدنا لجعله واقعا ملموسا مستقبلا، وفي مستوى طموحات الأجيال الإفريقية الجديدة». وقال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة أن اختيار موضوع «إفريقيا كأفق للتفكير» يندرج في سياق الخطى الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، الذي فتح أوراشا واعدة للتعاون مع بلدان هذه القارة، كما أن كل التقارير الدولية الاستشرافية لا تخلو من التأكيد على الموقع الاستراتيجي لها حالا واستقبالا وعلى كافة الأصعدة. وسجل عبد الجليل الحجمري أن القارة الإفريقية تعتبر ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة والسكان، وتملك موارد طبيعية هائلة لم يتم استغلال معظمها بعد، وهو ما يؤهلها للإسهام في تطوير الاقتصاد العالمي خلال العقود الآتية ويجعل منها قارة المستقبل، مبرزا أن إفريقيا تنتشر بها أكثر من 1000 لغة، «فهي قارة التنوع»، مع وجود تعدد لا ينضب في عالم الأفكار والآراء. واعتبر أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة أن عصر الأكاديميات المغلقة ولى، وبات الرهان مجسدا في ربط الحق في التنمية بالحق في المعرفة المتميزة، واستغلال ما تتيحه التكنولوجيا اليوم، لتوفير خدمة ثقافية ليس للنخبة العلمية فحسب، ولكن للجمهور العريض أيضا، مؤكدا أنه أصبح من اللازم القيام بإعادة هيكلة هذه المؤسسة، وتحويلها إلى مستقطبة وحاضنة للمعرفة والإبداع وإعادة نشرهما على أوسع نطاق. وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة بإلقاء كلمة تأبين في حق الفقيد عبد اللطيف بربيش، أمين السر الدائم السابق للأكاديمية، تم فيها التأكيد على أن الراحل كان له الفضل في وضع أسس الأكاديمية وقيادتها منذ أن تأسست إلى أن وافته المنية. وجاء في الكلمة التي ألقاها عبد اللطيف بن عبد الجليل، نائب أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، أن بربيش الذي كان أيضا عميدا لكلية الطب بالرباط ورئيس قسم الطب الباطني بمستشفى ابن سينا، تميز بخصاله النبيلة وسمو أخلاقه وتواضعه، كما عُرف بالعلم والمهنية والكفاءة العالية، وبتشجيع البحث العلمي والمساهمة في تطوير العلاج وتكوين الكفاءات الطبية العالية.