«يجب أن نعترف أن هناك تقصيرا من لدن الجميع في ما يتعلق بصيانة وتجهيز المقابر... إن عددا كبيرا من المقابر ليس فيها أدنى احترام للأموات».. إنها خلاصة تدخل لوزير الداخلية محمد حصاد مجيبا عن سؤال ، خلال جلسة الأسئلة الشفوية في مجلس النواب يوم الثلاثاء 24 نونبر 2015 ، مذكرا خلاله بأن «التكفل بالمقابر يدخل في إطار اختصاصات الجماعات المحلية «، معلنا استعداد الوزارة « للمساهمة بنصف تكلفة أي إصلاحات تهم المقابر كيفما كانت قيمتها»، داعيا « رؤساء الجماعات الترابية إلى وضع برامج لصيانتها «، علما بأن عددها يتجاوز 1250 مقبرة بالمدن فقط. وبخصوص إحالة الوزير على مهام الجماعات المتعلقة بصيانة المقابر، فإن الأمر تجسده المادة 83 من الفصل الثاني المعنون ب «المرافق والتجهيزات العمومية الجماعية» الوارد ضمن القسم الثاني الموصوف ب» اختصاصات الجماعة» ، كما نص عليها «مشروع قانون تنظيمي رقم 113.14 « يتعلق بالجماعات. ففي هذه المادة نجد الإشارة إلى « نقل الأموات والدفن و إحداث وصيانة المقابر». إقرار وزير الداخلية ب» الأوضاع غير المشرفة» التي تسم «جغرافية المقابر» بمعظم جهات البلاد، وتحت قبة البرلمان، بما لها من «رمزية»، يعني أن صرخات المواطنين، في هذه المدينة أو تلك، هذا الإقليم أو ذاك، ونواقيس التنبيه التي طالما دقتها بعض الجمعيات، التي أدرجت ضمن انشغالاتها الاجتماعية، موضوع «الاهتمام والحفاظ على حرمة المقابر»، قد وصلت أصداؤها أخيرا إلى مسامع «أصحاب القرار»، علما بأن تهميش «مراقد أموات المسلمين»، سبق أن كان موضوع أحد الاستطلاعات المنجزة لفائدة موقع القناة «العربية»، في بحر سنة 2014، حيث تمت الإشارة إلى العديد من النقائص من ضمنها: «الاكتظاظ ، اقتحامها من قبل الغرباء، من منحرفين ومعربدين ولصوص... قلة المساحات المخصصة لدفن الموتى، كما هو الحال في العديد من المدن الكبرى» . وفي هذا السياق كانت «الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر»، قد أشارت إلى «أن ثلاثة أرباع المقابر بالبلاد تعيش وضعية متردية تتسم بكثير من الإهمال» وأن «الحاجة تبقى ماسة لتوفير 80 هكتارا يتم تخصيصها للمقابر كل سنة، جراء الاكتظاظ الموجود حاليا». وبلغت درجة «اللاتوقير» الذي تعاني منه المقابر، أن أضحت عرضة للانتهاك قصد الاستغلال الفلاحي أوغيره من «الأنشطة الدنيوية» التي لا تقيم وزنا لحرمة الأموات ، كما وقع مؤخرا بمركز سبت عين لحناش التابع لجماعة تزكيت بإقليم إفران ، حيث احتج السكان - وفق خبر نشره أحد المواقع الإلكترونية – على «عملية حرث مقبرة بدوار أيت بن السبع، قرب المرجة ،على مستوى الطريق الإقليمية رقم 7048»، في اتجاه العاصمة الاسماعيلية مكناس! واحتجاج هؤلاء السكان ليس جديدا، حيث سبق أن طفت على السطح نزاعات مماثلة في أكثر من منطقة استحال بعضها إلى ملفات تنظر فيها المحاكم، بتعلة أن «المقبرة منسية ويعود تاريخ إحداثها إلى سنوات خلت»، دون أدنى اعتبار لحرمتها وما تشكله من «رمزية استثنائية» في «الوجدان الجمعي» لمنطقة معينة، حيث يحاول البعض استغلال غياب الأسوار الحامية لمدافن المسلمين في العديد من الجهات، كما هي وضعية مقابر غالبية القبائل المشكلة للنفوذ الترابي لتارودانت، إذ يشتكي بعض المنحدرين من دواوير هذه المناطق من كونهم يجدون صعوبة في التعرف على مراقد أجدادهم خلال زيارتهم لمسقط الرأس، بعد أن فعلت سنوات الإهمال فعلها ومحت الأعشاب المتراكمة أي أثر يمكن أن يقود لتحديد «هوية» المدفون في هذا القبر أو ذاك! تمظهرات «اللا احترام» تجاه المقابر ترتدي أكثر من لبوس، فهذه واحدة تنتهك حرمتها ليلا من قبل سكارى لا عنوان لهم، فقدوا بوصلة السلوك الرزين لدرجة لم يعودوا يميزون بين القبر و»البار»، وأخرى تحولت إلى ملاذ للصوص والمنحرفين الذين يتخفون في عباءة «طالبي الصدقة « مستغلين أدنى فرصة للقيام بأعمالهم الإجرامية، وثالثة أضحت مكانا لرمي الأزبال وشتى أصناف القمامة ورعي المواشي... دون إغفال ظاهرة نبش القبور «بحثا عن الكنوز»، كما يروج محترفو الدجل والاحتيال، أو بدافع ممارسة طقوس السحر والشعوذة، وفق معتقدات الجهل والظلام! إنها، إذن، عناوين متعددة تشهد على غياب الصيانة وعدم إيلاء «الحفاظ على حرمة المقبرة» الأهمية اللازمة ضمن أجندة أولويات السلطات الجماعية المختصة - اللهم بعض الجهود الاستثنائية المبذولة هنا وهناك، كما هو الأمر بمقبرتي الغفران والرحمة بالدارالبيضاء الكبري - يبقى الأمل أن يشكل «الاعتراف الرسمي» بوجود تقصير كبير ، بداية لتحرك جدي ومستعجل في أفق «إكرام الموتى» وعدم إيذائهم حقيقة وسلوكا، مع العمل على تذليل العراقيل أمام المبادرات الجمعوية النبيلة التي تطوع أصحابها، في أكثر من مدينة، من أجل محو بعض آثار التردي والإهمال المحزنة،