في صمت وتواضع، رحلت الأستاذة فاطمة المرنيسي، الكاتبة الرائدة في قضايا المرأة والسياسة والتراث والمجتمع، التي جعلت من السوسيولوجيا أداة للتغيير، ووظفت أدوات ومناهج البحث العلمي، لتفكيك الخطاب الرجعي حول النساء، وفضح الإيديولوجيا الذكورية السائدة، في التراث الثقافي. بالإضافة إلى تدريسها في الجامعة، لمادة علم الاجتماع، وبالخصوص لمناهج البحث العلمي، في هذا التخصص، فإن فاطمة المرنيسي أبدعت في تصريف هذه المعارف النظرية، وتفعيلها في العمل الميداني، من خلال الأبحاث والدراسات القيمة التي أنجزتها حول وضعية النساء في المغرب، وفي التراث الثقافي. ويمكن القول، إن من بين النظريات الكبرى التي طورت البحث فيها، دراستها لحقيقة وخلفيات المفهوم السائد في التراث الثقافي الإسلامي، حول المنظور للجنس. فقد ذهبت العديد من الدراسات والأبحاث، في هذا المجال، إلى اعتبار أن التراث الإسلامي، لم ينظر إلى الجنس كخطيئة، كما هو الشأن في الثقافة المسيحية، بل على العكس، تعامل مع هذا الموضوع بانفتاح وبدون عُقَد. غير أن الفقيدة فاطمة المرنيسي، أثبتت في كتبها العديدة، حول هذا الموضوع، أن انفتاح التراث الثقافي الإسلامي على مسألة الجنس، كان في اتجاه واحد، فقط، أي لصالح الذكور، بينما وضعت النساء في مرتبة «الحريم». وقد أفردت لهذه الموضوع عدة دراسات، عادت فيها إلى التراث، سواء الديني أو الشعبي، وحللت مختلف الخطابات السائدة في ثقافتنا، لتنتقل من انعكاساتها في تقاليد العبودية و في العلاقات الاجتماعية، إلى مجالات السياسة، وموقع النساء فيها. وقد اشتغلت الأستاذة فاطمة المرنيسي، على نظرية «الحريم»، في العديد من جوانبها، معتبرة أن هذا المفهوم الذكوري، للعلاقات مع المرأة، تتقاسمه ثقافات أخرى، كما يجسده تراثنا الثقافي أحسن تجسيد، في شخصيتي شهرزاد و شهريار في حكاية ألف ليلة وليلة. وبالإضافة إلى هذه القضية الكبرى، اهتمت الفقيدة بالعديد من تجارب النساء في تدبير شؤون الحياة، من خلال دراسات و أبحاث حول التعاونيات وحول النضال اليومي للمرأة في المجتمع المدني، في إطار موقفها من إمكانية التغيير، عبر هذه القنوات المجتمعية. لقد عاشت حياتها مؤمنة بما نذرت نفسها له، موظفة سلاح السوسيولوجيا والبحث العلمي، لتغيير الثقافة السائدة في التراث والمجتمع، من أجل تمنيعهما ضد فيروس «الحريم»، وهو عنوان أحد إصداراتها، الذي خصصته لنقد منظور الأوروبيين للمرأة، «الذين يحلمون بالحريم، كما يحلم به أفظع المستبدين في العصر الحجري».