«المحفظة الرقمية الشمسية»؟ يتعلق الأمر في الحقيقة بطقمين، طقم للمدرس وآخر للتلميذ. الأول يشتمل على لوحة إلكترونية تسمح له بتتبع حركات وسكنات كل تلميذ من قسمه وممارسة سلطته ومراقبته كمدرس. أما التلميذ، بالثانوي، فهو مجهز ب»طقم خاص بالتلميذ» ببطارية شحن (يدوم يوماً واحداً) وبلوحة إلكترونية ومصباح شمسي للإضاءة الليلية، سواء كان التلميذ يعيش بالعالم القروي أو الحضري أو بضواحي المدن (في غياب التجهيز بالكهرباء)... يمكن له تصفح الكتب، مراجعة وتحضير دروسه وتمارينه على «دفاتر إلكترونية»، التوفر على علبة رسائل إلكترونية، التردد على «المكتب الإلكتروني» لأستاذه، ترتيب أغراضه وأدواته في «خزانة إلكترونية» الخ. تم الكشف أخيراً عن هذا الاختراع الهام الذي نعت ب»الدرة الحقيقية» بالنسبة للهدف/الشعار العالمي «التربية للجميع» وتسليط ضوء الإعلام الكاشف عليه الشهر الماضي في فرنسا من طرف مخترعه الطوغولي «د. فيكتور كوسيكوما أغبنيينو»، بعد أن كرس له أكثر من عشر سنوات من البحث. يتطلع هذا الرجل الخمسيني البيطري من حيث التكوين والمتخرج من أكاديمية موسكو ومن المدرسة العليا ل»ميزون-ألفور» بفرنسا، المعروف بتحفظه ومثابرته في العمل، دائماً من خلال عدد من ابتكاراته إلى التقليص من «الفجوة الرقمية». ليس فقط، وأولاً، في إفريقيا، ولكن كذلك في كل بقاع العالم، في الشمال كما في الجنوب، هناك حيث يقطن سكان معوزون على هامش الولوج إلى التربية، الإعلام والاتصالات والطب... بعد إيداع أربع براءات اختراع في المجال الطبي، واجه «الفجوة الرقمية» للوصول اليوم إلى محفظة رقمية وشمسية، إثر عدة أعوام من البحث والتجارب. بمعية فريق من الزملاء الأفارقة، أقام لهذا الغرض، في قبو عمارة باريسية، برنامج بحث أُطلِق عليه اسم «شبكة الطاقة، التكنولوجيا، الإعلام والاتصال»(RETICE) بمثل أعلى أو مبدأ هو التشارك ضمن الإنصاف. حيث صرح لصحيفة "لوموند" الفرنسية أن "هذا الحل المعلوماتي يمكن تطبيقه بشكل منصف في كل التراب الوطني، بدون تمييز، وسيجد فيه العالم التربوي بأسره ضالته"... ولا ينحصر في خصائص القارة الإفريقية التي يعتبر فيها الكهرباء ترفاً، بل يمتد إلى حيث يوجد الخصاص في الكهرباء في قارات أخرى. إضافة إلى إصرار، بل عناد، نادر في السعي وراء هذا الهدف، يتحلى الدكتور "كوسيكوما أغبنيينو" بنوع من "الوطنية التكنولوجية" التي استطاع بفضلها أن يصمد أمام عروض خيالية لكبرى المجموعات الصناعية الأمريكية، السويسرية والبريطانية التي أرادت شراء ابتكاره الهام الذي سمح له اليوم بمنحنا هذه "المحفظة الرقمية"، وهي بمثابة نظام للولوج إلى الإنترنيت دون سلك، باستعمال تكنولوجيا معروفة باسم "ذات خط الرؤية". هكذا، طور الدكتور "فيكتور"، منذ 2004، نظامه المسمى "نظام الاتصال اللاسلكي المتعدد الأغراض" (PWCS) الذي يمَكن المستعملين في المناطق النائية والأكثر خصاصاً من حيث البنيات التحتية من خدمات الهاتف والإنترنيت والصور، دون اللجوء إلى أي أسلاك، مما يسمح في الأساس من توفير الهاتف للجميع وفي كل مكان بأثمان منخفضة وأحياناً بالمجان عندما تكون المكالمة محلية. يعتمد هذا النظام الذي سجل الدكتور «فيكتور»، منذ أكتوبر 2002، براءة اختراعه لدى المنظمة الدولية للملكية الفكرية (125 بلد عضو)، كما يقول مخترعه، على «تكنولوجيا بدون سلك تنقل المعطيات والصورة والصوت بصبيب عال للمعطيات، دون الاعتماد على أي أسلاك للشبكة، لكن باستخدام نظام الأقمار الاصطناعية». إذ يشتغل هذا النظام بين مرسِل ومستقبِل، باستعمال هوائية لكل واحد منهما، مع دافعات (Relais) صغيرة في حالة وجود حواجز، لكنها لا تحتاج إلى أبراج، قبل ربط نهائي بجهاز فك الترميز الخاص بالمستعمل والذي يتيح الولوج إلى عرض «ثلاثي التشغيل» (Triple play). وبإمكان كل مستقبِل أن يتحول بدوره إلى مرسِل-دافع، مما يسمح بوضع شبكة كثيفة حتى آخر كيلومتر، الذي يعتبر ربطه عبر الألياف البصرية باهظ التكلفة". ويضيف المخترع الطوغولي قائلاً إن "تكلفة هذا النظام للاتصالات اللاسلكية ستكون مُرضية جداً لأنه لا يستعمل الألياف البصرية الباهظة الثمن في إفريقيا"، وهذا أمر، كما فكر فيه "د. فيكتور" ينطبق أيضاً على مناطق أخرى من العالم حيث يعيش سكان دون كهرباء. قليلة هي الدول الإفريقية التي قدرت هذه "الثورة التكنولوجية" حق قدرها، فبعض الخبراء يرون أن نظام الدكتور "فيكتور كوسيكوما أغبنيينو" متقدم تكنولوجياً بثلاثين سنة على التكنولوجيات الحالية... وهو، الذي يقدر بعشرة ملايين دولار أمريكي ثمن إطلاق تصنيع هذه التكنولوجيا، أجرى اختبارات ناجحة. «بوكو محافظ» في نيجيريا هكذا، استطاع اليوم، رفقة فريقه، وضع عدة تجهيزات عملية بباريس ونجح في تجارب التجميع بلومي، عاصمة بلده الأصلي. انطلق في الترحال عبر إفريقيا ونجح أخيراً في إثارة اهتمام محاوريه/أصحاب القرار السياسي الأفارقة حتى يسايروه في مبادرته لمنح القارة هذا البديل التكنولوجي، «الأقل تكلفة لرأب الفجوة الرقمية»، كما علق أحد المختصين. وفعلاً، انصب اهتمام محاوري الدكتور «كوسيكوما» على محفظته الرقمية الشمسية. من ثم، وبعد تجارب في الضاحية الباريسية وفي مدرستين بداكار، نجح الدكتور «فيكتور» في تجربة أولى لتفعيل هذه المحفظة الأولى من نوعها، في نيجيريا. وهذا في حد ذاته رمز ذو قيمة معنوية كبرى في هذا البلد الذي يعتبر مقبرة للتلاميذ !... حيث بفضله زُود 1500 تلميذ وتلميذة من ثانوية «Governor's College Kofar Nassarawa» بمدينة كانو، خلال سنة 2015 الجارية، ب»طقم تلميذ» لكل واحد وواحدة منهم، موزعة على ما يقارب أربعين قسماً. ويلي هذا التواجد الفعلي في طليعة «التربية النقالة» (Mobile education) بإفريقيا التقديم الرسمي للطقمين (للأستاذ وللتلميذ)، من طرف مخترعهما، أمام اجتماع جمعية تنمية التربية بإفريقيا (ADEA) الذي يعقد كل ثلاث سنوات، وأمام ممثلين عن 16 وكالة من وكالات التنمية المتخصصة في التعاون الدولي، كالبنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية (BAD) واليونسكو...ويشَبه مقال على موقعhttp://afrique.lepoint.fr (بقلم «فيفيان فورسون») الدكتور «فيكتور» في محاربته للفجوة الرقمية بالشخصية الخيالية «زورو» الذي يحارب الظلم. سواء هذه المنظمات ذات الانشغالات والأهداف العالمية أو العديد من مستثمري وصناعيي عالم الاتصالات السلكية واللاسلكية يفكرون جميعهم في الرهانات الاقتصادية الهائلة التي يمكن لهذا النوع من الابتكارات أن يؤثر فيها أو عليها، ليس بالضرورة لصالح السياسات المبذِرة، بل المؤدية إلى الإفلاس، ولكن كذلك من حيث آجال الإنجاز التي لا تستطيع أن تتحملها فئات من الساكنة المعزولة والمهمشة مقارنة بمسيرة تكنولوجيا العالم. ويمكن للغة الأرقام أن تبين هنا هذه الرهانات ذات الصلة بإشكالية الولوج إلى تكنولوجيات الإعلام والاتصال. لنستعرْ من «فيفيان فورسون» استدلالها ذي الطابع التوقعي على أساس بعض أرقام الواقع الحالي: «ما تغير في إفريقيا اليوم هو الولوج إلى الهاتف النقال. فإذا كانت نسبة تغلغل الهاتف النقال تسجل تأخراً يصل إلى 20 نقطة بالمقارنة مع النسبة الملاحظة في مجموع الدول النامية (70 بالمائة مقابل 90 بالمائة سنة 2014)، فإن القارة الإفريقية تحتوي على 650 مليون شخص يملك الهاتف النقال، أي أكثر من الولاياتالمتحدة وأوروبا (أرقام الاتحاد الدولي للاتصالات لسنة 2013). وتظل نقطة ضعف القارة هي المناطق القروية التي لا تغطيها شبكة الهاتف النقال وغير المجهزة به. لكن هذه المناطق «البيضاء» تتوفر على كثافة سكانية قليلة، مع قدرة شرائية ضعيفة وانعدام الكهرباء، إضافة إلى تكلفة كبيرة للسوقيات. لذا فهي مناطق لا تهم متعهدي الاتصالات إلا قليلاً. في هذا السياق، يشكل استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال في التربية رهاناً بالغ الأهمية. ويقدر مكتب «GSMA&Mckinsey&Company» رقم معاملات متعهدي الهاتف النقال بما يبلغ 70 مليار دولار، 38 مليار بالنسبة لمنتجات وخدمات التربية النقالة و 32 مليار دولار للهواتف الذكية واللوحات الالكترونية بحلول سنوات 2020. ومن المحتمل أن يكون هذا النمو أكبر في الدول النامية، لأنه من المتوقع أن يعرف سوق التربية النقالة ارتفاعاً بين 50 و 55 بالمائة في تلك الفترة، سواء في أمريكا اللاتينية، آسيا المحيط الهادي، إفريقيا أو الشرق الأوسط». بفضل عبقرية إفريقية خلاقة من قبيل عبقرية الدكتور «فيكتور» وفريقه، يمكننا القول ليس فقط إن مستقبل إفريقيا هو في إفريقيا (من خلال تَمَلٌك البحث والاختراع –أخيراً !-)، ولكن أيضاً إن مستقبل تكنولوجيات الإعلام والاتصال هو في إفريقيا ! مثله مثل مستقبل التعلم، أي التربية ومهنها الآنية والمستقبلية... إذاً، هل ستفوت بلادنا هذا السبيل نحو المستقبل المفتوح على مصراعيه في عقر دارها، إفريقيا؟ هل ستترك «المحفظة الرقمية الشمسية» للدكتور «فيكتور كوسيكوما أغبنيينو» تفلت من بين يديها؟ ولكم مني يا من تعقلون وتفقهون، أفارقة بلدنا، تحية رقمية خالصة،