لا أحد يعرف المصير الذي كان سيلقاه «مول الطيارة»، الشاب الذي صنع قبل أيام -وبإمكانيات بسيطة جدا- مجسما لطائرة بأحد دواوير إقليمبرشيد، لو لم يكن ما صنعته يداه مجرد «تخربيق» على حد وصف عامل الإقليم. فما إن أعلن الشاب محمد نحمد، البالغ من العمر 22 سنة، عن صنعه لطائرة، حتى تقاطر على القرية المهمشة مسؤولون كبار ضمنهم عامل المنطقة ولجنة مكونة من مفتش عن المديريّة العامة للطيران المدني ومهندس دولة من نفس المديرية، وممثلين عن وزارتي التجهيز والنقل وكذا الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة إضافة إلى عدد من المسؤولين الأمنيين، وذلك بهدف معاينة «الطائرة»، لكن الجميع ضرب أخماسا في أسداس بعد وقوفهم على مجسم لطائرة لا تقوى على الطيران. كان محمد، الذي أرغمه الفقر على مغادرة مقاعد الدراسة، يعتقد أن السلطات ستفرش له الزهور وتحتضن موهبته لتشجعه على استكمال اختراعه الذاتي وتحقيق طموحه بصناعة طائرة حقيقية بإمكانيات محلية.. لكن الشاب الشغوف بالطيران تلقى صفعتين. الأولى حين قوبل جهده بالجفاء وعدم التقدير، والثانية عندما اكتشف أن المغرب لا يشجع على الابتكار والاختراع. قلة اهتمام
أحمد زوكار، واحد من المخترعين المغاربة الذين أبهروا العالم بابتكاراتهم المتنوعة. عاد قبل أشهر من دولة الكويت ومعه ميدالية فضية فاز بها خلال الدورة الرابعة للمعرض الدولي للاختراعات بالشرق الأوسط عن اختراعه لنظام يحول قطرات الماء الصادرة عن مكيفات الهواء إلى بخار، ويعمل في نفس الوقت على تبريد المكيفات ويقتصد في الطاقة الكهربائية. لكن، وبقدر فرحة هذا الشاب بتتويجه بالميدالية الفضية بقدر تأسفه أيضا على قلة الاهتمام بابتكاراته في بلده. حيث اشتكى –في تصريحات صحفية- من قلة الدعم والاحتضان لأعماله، ما يجعله يتحمل بمفرده تكلفة أبحاثه وتنقلاته، وهو ما يؤثر على طريقة تقديمه لاختراعاته خلال المسابقات سواء كانت محلية أو دولية، حيث يقول إنه يضطر دائما إلى تقديم نماذج أولية لاختراعاته بالاعتماد على وسائل بسيطة نظرا لأن النماذج النهائية القابلة للاستعمال المباشر تتطلب منه استثمارات مالية فوق طاقته. وعن هذا الابتكار، الذي استطاع أن ينال به إعجاب لجنة التحكيم، يتحدث زوكار (43 سنة) قائلا: «إن هذا الجهاز يمثل حلا بيئيا لمشكل تساقط القطرات المائية، بتوجيهها لتبريد أنابيب المكثف المرتفعة الحرارة»، ويضيف شارحا: «إنه بفضل هذا التبادل الحراري، تبرد أنابيب المكثف الساخنة وتتبخر بذلك القطرات المائية، ليتم بذلك التخلص من هذه المياه والاستفادة في الوقت نفسه منها لتخفيض استهلاك الطاقة الكهربائية، إذ تعمل هذه القطرات على مد هذه المروحة بقوة إضافية لتبريد أنابيب المكثف الساخنة». لم تمنع إذن قلة الدعم أحمد من مواصلة الابتكار والاختراع متحديا كل الصعوبات والعوائق، وهكذا قاده طموحه الكبير إلى إحراز جوائز وطنية ودولية باختراعات أخرى مسجلة، من أهمها عصا بيضاء للمكفوفين مزودة بنظام استشعار يحدث رنينا بمجرد الاقتراب من مساحة مائية ما ويشعر المكفوف بالانتقال من مكان مظلم إلى آخر مضيء. اختراع كان قد حاز به على الجائزة الأولى في المباراة الوطنية للاختراع سنة 2008، وعلى ميداليتين فضيتين بالمعرض الدولي للاختراعات بجنيف 2009 وأخريين بالكويت سنة 2010 وجائزة ثانية في المباراة الوطنية سنة 2010. وتمكن هذا الشاب أيضا من اختراع فزاعة إلكترونية تعمل بالطاقة الشمسية وتصدر باستمرار أصواتا مزعجة وحركات مفاجئة لإفزاع الطيور حتى تبتعد عن المحاصيل الزراعية.
اختراعات غزيرة
استطاع الشاب يوسف آيت علي أن يصنع لنفسه مكانة بارزة وسط المخترعين، سواء في الداخل أو الخارج، وذلك بفضل الابتكارات التي جادت بها قريحته الغزيرة بالعطاء. قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية الأخيرة، أعلن المخترع يوسف أيت علي (32 سنة) عن ابتكاره لصندوق اقتراع بمميزات تسهل عملية التصويت في ظروف سليمة. وتتمثل مميزات هذا الصندوق، كما شرحها مبتكره ل»أخبار اليوم»، في إتاحته «كشف عملية التصويت ومراقبتها تفاديا لأي تزوير محتمل». ويستطرد موضحا: «عند انطفاء الضوء في قاعة التصويت تكون هناك إضاءة تلقائية داخل الصندوق يمكن المراقبين وأعضاء مكتب التصويت من تتبع عملية الاقتراع. أما إذا فتح الصندوق قبل وقت فرز الأصوات، فيحدث صوتا قويا للفت المراقبين بأن الصندوق فُتح». ويتوفر الصندوق على شاشة صغيرة تتولى عد الأصوات الموجودة بداخله بصفة أوتوماتيكية، كما يتوفر على رقم سري يُفتح به ويقرره رئيس مكتب التصويت. كان هذا الشاب يأمل من وزارة الداخلية أن تتبنى فكرته هاته وتقوم بتوظيف هذا الصندوق في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 من شهر نونبر المنصرم، إسهاما في تعزيز الديمقراطية ونزاهة العملية الانتخابية كما يقول، لكن رغبته لم تتحقق، بالرغم من الترحيب الذي لقيه اختراعه من قبل عدد من السياسيين إبان إعلانه. ليس هذا فحسب، بل إن أغلب الأحد عشر اختراعا التي أبدعها يوسف لقيت المصير ذاته: الإهمال واللامبالاة. والسبب كما يقول هو «غياب مؤسسات أو هيئات تحضن المخترعين المغاربة». ويركز هذا المخترع في اختراعاته على أن تكون ذات جدوى ومصلحة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تمكن مثلا من اختراع ساعة تساعد الأشخاص المكفوفين على قطع الطريق بمعرفة إشارات المرور. وابتكر جهازا عالميا يساعد الأشخاص الصم والبكم على التواصل، وهو عبارة عن ساعة يدوية أطلق عليها اسم «إيكو»، وبواسطتها يستطيع الشخص الأصم التأكد من أن أحدهم يطرق عليه الباب، وذلك لأن الساعة تبدأ في الاهتزاز وترسل وميضا بمجرد أن تستقبل الإشارة القادمة من جهاز صغير يثبت على جرس الباب. واخترع هذا المبتكر أيضا جهاز «سوريو»، وهو عبارة عن «فأرة حاسوب» موجهة للأشخاص الذين يعانون شللا نصفيا أو لا يملكون الأطراف العلوية، حيث يمكن الاعتماد عليه في استخدام جهاز الحاسوب من خلال وضعه تحت طاولة الحاسوب والتحكم فيه بواسطة إحدى الرجلين. عن هذه الاختراعات يقول إن معظمها تم تجريبه ولقي نجاحا كبيرا. وأضاف «لكن المشكلة التي واجهتني هي في تسويق هذه الابتكارات». وأوضح أنه واجه صعوبات في التسويق لأن الشركات المعنية ترفض احتضان تلك المشاريع الموجهة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لكون هذه الشركات ترى أن المنتوج لن يلقى رواجا من طرف هذه الفئة». وفي مجالات أخرى، تمكن أيت علي من اختراع جهاز ينتج الطاقة عن طريق استغلال المياه العادمة، كما ابتكر بساطا إلكترونيا يعوض البساط الذي يتم فرشه أمام أبواب المؤسسات والمنازل من أجل الحفاظ على نظافة الباب، بالإضافة إلى ابتكار جهاز صغير يثبت على حزام السروال ويمكن من شحن بطارية الهاتف النقال بالطاقة الشمسية.. وغيرها من الإبداعات التي جلبت لهذا المخترع الشاب عدة شواهد تقديرية اعترافا بطاقاته المتميزة في مجال الاختراع، ومن ضمنها شهادة لشركة عالمية للاختراع بالولايات المتحدةالأمريكية، وشهادة التكوين من المكتب العالمي للملكية الفكرية بجنيف وغيرهما.
شباب مبتكر
اخترع عبد الرحيم بومديان، رئيس جمعية المخترعين المغاربة للإبداع والبحث العلمي والتنمية البشرية، غسالة فريدة من نوعها وغريبة أيضا، حيث تزيل جميع الأوساخ والبقع من الملابس بدون استخدام مياه ولا مساحيق غسيل نهائيا، وحاز عنها المخترع عدة جوائز تقديرية في عدة معارض وطنية ودولية، لكن عدم احتضان مشروعه دفع بهذا المبتكر إلى بيع براءة اختراعه إلى شركة بجنوب إفريقيا، حيث يتم بمقتضى عقد البيع تصنيع الآلة وإنتاج المادة لطرحهما في الأسواق العالمية. عن هذا الابتكار يقول بومديان، الحاصل على الإجازة في العلوم الفيزيائية، إنه كان يبحث كثيرا من أجل إزالة البقع الصعبة التي لا تنفع معها كل أنواع المساحيق المستهلكة حاليا، إلى أن قاده البحث في النهاية إلى اكتشاف مواد مستخلصة من بعض الأعشاب ومن تركيبها مع بعضها حصل على المادة التي تحل محل المسحوق، مشيرا إلى أن هذا الأخير ذا فعالية وجودة أحسن إضافة إلى أنه ذا تكلفة أقل. وقد طور بومديان الآلة الجديدة في صورة غسالة تختلف في طريقة عملها وبنيتها التقنية عن الغسالات المتداولة. حيث تم الاستغناء في تصميم الآلة الجديدة عن مجرى المياه وتعويضه بمصفاة ومضخة. وتستخدم الآلة المبتكرة عوضاً عن مساحيق التنظيف الصناعية مادة تنظيف طبيعية بكمية تبلغ نحو عشر لترات وتكفي لمدة شهر كامل. وتوصل مخترع آخر هو إبراهيم زريبة إلى ابتكار أول جهاز في العالم لمحاربة الأمية عن بعد، ويعمل بتكنولوجيا رقمية متقدمة تمكن المعلم والمتلقي وأيضا الوسيط من العمل جميعا عن بعد عبر الشبكة العنكبوتية. ويقول إبراهيم إن إنجازه يسمح لمستعمله الأمي بتعلم القراءة والكتابة والحساب بطريقة ذاتية وشخصية في اتصال سمعي ومرئي مباشر مع المدرس الوسيط وزملائه المتعلمين. بدوره، استطاع المخترع مصطفى زهوان ابتكار جهاز يعيد استهلاك الزيوت المستعملة من طرف المحركات، كما ابتكر أيضا طريقة لتحويل بعض النفايات المنزلية إلى مواد قادرة على عزل الصوت والحرارة والبرد. وهناك اختراعات أخرى تظل حبيسة التداول بين مخترعيها وأسرهم ومعارفهم وأصدقائهم، فلا يتم تسجيلها في مؤسسة الملكية الصناعية والتجارية لنيل شهادة براءة الاختراع، وذلك لعدة أسباب منها الجهل القانوني أو لصعوبات مادية.
مشاكل مُعيقة
«لا توجد مشكلة تواجه المخترعين المغاربة أكبر من غياب الدعم والاحتضان»، الكلام للمخترع يوسف أيت علي، رئيس جمعية الشباب والتوعية بالرباط، مشيرا إلى أن هذا الغياب يقف حاجزا أمام الكثير من المخترعين بسبب التكلفة العالية التي يتطلبها الاختراع. ويضيف أن «هناك مؤسسات مثل أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، بها مسؤولين عيّنهم الملك لكنهم لا ينفتحون على المخترعين. كلما طرقنا أبوابهم لا نجد مجيبا لأنهم مرتبطون بمهام أخرى..». هنا يستطرد المخترع الشاب قائلا بحسرة: «الدولة تخصص ميزانية كبيرة للاختراع والبحث العلمي، لكن الأموال تضيع من دون جدوى». ويكاد جميع المخترعين المغاربة يتقاسمون هذا التجاهل من طرف المسؤولين اتجاه ابتكاراتهم، بالرغم من المستوى التقني والفني الرفيع لاختراعاتهم وحصول بعضها على أرفع الجوائز في مختلف المعارض الدولية. زوكار، أيت علي، بومديان، زريبة وزهوان.. هؤلاء وعشرات غيرهم استطاعوا أن ينجزوا اختراعات متفاوتة القيمة والفعالية والجودة، لكنهم جميعا يتميزون بالقدرة على الإبداع والابتكار.. وكلهم يحدوهم الأمل بأن يُلتفت إلى إبداعاتهم يوما حتى لا يبقوا مجرد عقول ضائعة.
عندما يقود الابتكار إلى السجن
آدم الزراري شاب لا يتعدى عمره 17 سنة، كان يأمل أن يصبح مهندسا، لكن حلمه تم إجهاضه، فبدل أن يتوجه لأداء امتحانات البكالوريا الماضية تم اقتياده إلى السجن، والتهمة ليست جناية ولا جنحة. هو الآن محكوم بالحبس لمدة ثلاث سنوات، خلف أسوار سجن سلا 2 الخاص بالمعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب. كان التلميذ آدم من المتفوقين دراسيا، إذ حصل على 17,75 في شعبة علوم وتكنولوجيات الكهرباء بالثانوية التقنية بسطات، وكان يعتزم صنع صاروخ تحت مائي «طوربيد» ورادار، لكن النيابة العامة أجهضت فكرته وأمرت باعتقاله بتهمة «تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية». النيابة العامة استندت في اتهامها للشاب، على زياراته المستمرة لمواقع تتضمن مخططات لكيفية صنع أسلحة، إضافة إلى «التواصل مع مواقع أخرى تابعة لتنظيم القاعدة والمتعاطفين معها»... محمد زيان، المحامي المعروف الذي تولى الدفاع عن هذا القاصر المعتقل منذ 11 أبريل الماضي، قال في تصريحات إعلامية، إن «هذه المحاكمة من الناحية الأمنية استباقية بشكل مبالغ فيه، لأن الملف ليس فيه دلائل ملموسة على إقدام الزراري على ارتكاب أعمال إرهابية». من جانبه، اعتبر آدم في بيان له من داخل السجن، أن اعتقاله لمجرد تفكيره في ابتكار صاروخ ورادار «دعوة واضحة لكل المبتكرين المغاربة لكي يهاجروا إلى الخارج». وقال الشاب إن لديه مشروعا علميا طموحا «يجعل المغرب مصدرا للطاقة بأقل تكلفة من مشروع ورزازات»، وذلك في حالة ما إذا حظي بلقاء الملك محمد السادس، نافيا استخدام طاقته الإبداعية لارتكاب أعمال إرهابية ومشددا على تخصيصها فقط «لفائدة الوطن».
كيف تحصل على براءة الاختراع؟
يشترط المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، لمنح البراءة لأي اختراع، أن تتوفر فيه ثلاثة معايير أساسية، وفق منشور للمكتب على موقعه على الإنترنيت: أن يكون اختراعا جديدا. لذلك يوصي المكتب أي مخترع بالقيام بأبحاث ببليوغرافية كي يتأكد أنه لم يصف شخص آخر اختراعه قبله. كما يوصي أيضا بالعمل على المحافظة على سرية الاختراع للمحافظة على طابعه المتجدد. يجب أن يشمل الاختراع نشاطا إبداعيا. يجب أن يكون الاختراع قابلا للتطبيق الصناعي. ويعتبر الاختراع قابلا للتطبيق الصناعي عندما يمثل منفعة محددة، ضرورية وصادقة. ويتعين على المخترع، الذي يتوفر على هذه المعايير، تقديم طلب البراءة في مقر المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية بالدار البيضاء، عن طريق أداء الرسوم المستحقة ثم كتابة مذكرة وصفية للبراءة، تشمل وصفا للاختراع، ميدانه، حالة التقنية السابقة، وصف للمشكل التقني وللحل الذي يقدمه الاختراع، الأنظمة الصناعية الممكنة.
كما يرفق الطلب بملخص المضمون التقني للاختراع، ضمنها الرسوم الضرورية لفهم للاختراع. وفي حالة قبول طلب براءة، حسب القانون الجاري به العمل، يقوم المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية باستصدار البراءة بعد انقضاء مدة 18 شهرا بعد تاريخ الإيداع أو تاريخ الأسبقية. وتمنح البراءات في المغرب للمودع الأول حتى وإن لم يكن هو المخترع. وعندما يكون المخترع مستخدما ويكون اختراعه قد تم في إطار مهمة كلفته بها مقاولته، فإن الاختراع يكون في ملكية المقاولة. وتنفع البراءة المخترعين في تسويق منتجاتهم وتحميهم من مخاطر التزييف، كما تشكل حافزا لإقناع المستثمرين بالطابع المتجدد للمنتوج المخترَع. لكن في حالة ما إذا فوّت المخترع منتوجه المستفيد من البراءة لفائدة شخص آخر أو مقاولة، فإن من حقه الحصول على تعويض يناسب قيمة الاختراع، لكنه في المقابل يفقد جميع حقوقه بشان البراءة، لفائدة المالك الجديد الذي فوتت له البراءة.