قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) لقد اتفق العلماء على ان هده الطائفة تعني اهل الحديث ويطلق عليها الفرقة المنصورة او الناجية وهي التي تحظى بنصر من الله و اما الناجية فهي الناجية من البدع في الدنيا وفي الاخرة من النار . وهم اهل السنة والجماعة ومذهبهم قديم معروف قبل ان يخلق الله ابا حنيفة ومالكا والشافعي واحمد . ومذهبهم مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ومن خالف دلك كان مبتدعا عند اهل السنة وعرفوا البدعة بأنها ما لم يكن عليه الرسول ص من قول وفعل وتقرير لقوله ص ( من عمل بعمل ليس به امرنا فهو رد ) اي غير موافق للسنة وغير مقبول شرعا لقوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ( فما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوه ) اما فالأصول المعتمد عليها في العقيدة هي الكتاب والسنة والإجماع , ومما لا جدال فيه ان القران هو اول مصدر لمعرفة العقيدة بالأدلة مصداقا لقوله سبحانه وتعالى ( ومن اصدق من الله قيلا ) اية 122 من سورة النساء وقوله في نفس السورة الاية 87 ( ومن اصدق من الله حديثا ) واعتبر القران الموصل لنا للأمور الغيبية التي لاتطلع عليها العقول كالاعتقاد بذات الله او فيما يتعلق بالأصول الايمانية الستة . وتاتي السنة النبوية في الدرجة الثانية لان الرسول (ص) لا يمكن ا ن ياتي بشيء عن هواه وإنما يأتي مبلغا عن ربه ( ان هو إلا وحي يوحى ) اية 4 من سورة النجم اما بالنسبة لأهل السنة والجماعة فإنهم ياخدون عقيدتهم على ضوء فهم اصحاب الرسول لكتاب الله وسنة رسوله لأنهم عاصرو التنزيل وادرى بمقاصد الشرع . وفي هدا الصدد جاء عن الامام احمد قوله ( لست بصاحب كلام ولا ارى الكلام في شيء من هدا إلا ما كان في كتاب او حديث او عن اصحابه اما غير دلك فان الكلام فيه غير محمود و المقصود بهده الطائفة الواردة في هدا الحديث هي الفرقة الناجية, ووجه دلك قوله ص ( ستتفرق هده الامة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي ) وفي حديث اخر جاء فيه والذين يلونهم والذين يلونهم) وهو ما تأكد بالفعل في الظرف الراهن ذلك انه كلما بعد العهد إلا وبعد المسلمون عما كان عليه الرسول وأصحابه من التمسك بأحكام الشريعة وسوء الفهم للدين واستغلاله في السياسة في اغلب الحالات من الجماعات التي تنتسب للإسلام ولا علاقة لما تقوم به بالدين والحال ان العقيدة تابثة لا تتغير على مر العصور والدهور ولا تتعارض مع العقل السليم مبرهنة في جزئياتها بالنص او السنة وتتميز بالوضوح مبينة لجميع الناس طبقا لما جاء عن النبي ص ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك ) وهي ايضا شاملة لجميع جوانب حياة الانسان في العبادات والمعاملات وكانت النهج الذي سار عليه السلف في تحكيم الكتاب والسنة في جميع القضايا الخاصة به مصداقا لقوله سبحانه ( فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) اية 65 من سورة النساء اما بالنسبة للجماعة فان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على لزوم السنة والجماعة بقوله ( من احب منكم ان ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فان الشيطان مع الواحد ) حسنه الحاكم وصححه الألباني كما ان ابي الحصين اخبر عن ابي وائل عن عبد الله قال ( خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال ( هدا سبيل الله مستقيما ) ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال ( هده السبل ليس منها سبيل إلا عليه الشيطان يدعو اليه ثم قرأ ( هدا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بينكم ) اية 152 من سورة الانعام اما ابا همام السكوني فقد جاء عنه قوله ( حدتني ابي وقال سمعت سفيان يقول ( لا يقبل قول إلا بعمل ولا يستقيم قول ولا عمل إلا بنية ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة مصداقا لقوله ص ( كل ما ليس فيه امرنا فهو رد ) ويبدو مما سبق ذكره ان المقومات التي بنى عليها الدين الاسلامي وأحكام الشريعة مستمدة من المصادر المشار اليها والمتعلقة بالعقيدة فالإسلام احترم الانسان كمخلوق ممتاز وكرمه من حيث هو انسان يقطع النظر عن جنسه ولونه ودينه ولغته ووطنه وقوميته ومركزه الاجتماعي وجعله سيدا على الكوكب الارضي واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه من اجل ان يكون هدا التكريم حقيقة واقعة وأسلوبا في الحياة . كفل الاسلام جميع حقوق الانسان وأوجب حمايتها وصيانتها سواء اكانت حقوقا دينية او مدنية او سياسية وعلى رأسها الحق في الحياة ولكل فرد حق صيانة نفسه وحماية ذاته فلا يحل الاعتداء عليه إلا ادا قتل وافسد في الارض فسادا يستوجب القتل تم حق صيانة المال فكما ان النفس معصومة فكذلك المال فلا يحق اخد مال الغير بأية وسيلة من الوسائل الغير المشروعة مصداقا لقوله ص ( من اخد مال اخيه بيمينه اوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ) وكذلك الشأن بالنسبة للعرض فلا يحل انتهاك العرض حتى ولو بكلمة نابية .هدا ولو يكتف الاسلام بتقرير صيانة الانفس والمال والأعراض بل اقر حرية العبادة وحرية الفكر وحق اختيار ممثله في مؤسسات المجتمع الذي يعيش فيه اختيارا حرا بإرادة سليمة لا تخضع لأي تأثير كيفما كان نوعه ومصدره وأوجب الاسلام بالأساس على الدولة المحافظة على هده الحقوق جميعها ولا تنتهي عند هدا الحد بل هناك حقوق اخرى كالحق في المأوى والرأي والتعبير كما اقر الاسلام حق الجائع في ان يطعم والعاري في ان يكسى والمريض ان يعالج والخائف ان يؤمن ودون تمييز بين لون ولون ودين و دين وهده الحقوق هي التي تمنح الانسان الافاق الواسعة ليبلغ كماله ويحصل على ارتقائه المقدر له سواء كان ماديا او دينيا ومن تم فان اي تفويت او اهدار او تنقيص لحق من هده الحقوق يعتبر جريمة من الجرائم , وهدا هو السبب في منع الاسلام للحرب ايا كان نوعها باعتباره اعتداء على الحياة وهي حق مقدس فهي تدمير لما تصلح به الحياة كما منع حرب التوسع وبسط النفوذ وسيادة التو ثر مصداقا لقوله تعالى ( تلك الدار الاخرة نجعلها للدين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) اية 83 سورة القصص ومنع العدوان والانتقام لقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونوا على الاثم والعدوان ) اية 2 سورة المائدة تم منع التخريب والتدمير لقوله تعالى ( لا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ) اية 56 من الاعراف وقد اشرت الى ان الاسلام قد منع الحرب إلا انه يجيزه في حالتين : الاولى حالة الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن عند الاعتداء والثانية حالة الدفاع عن الدعوة الى الله ادا وقف احد في سبيلها بتعذيب من امن بها . هدا بالنسبة للفرد اما الاحكام والأوامر فقد اوجب العدل وحرم الظلم وقد سبق لي ان نشرت مقالين حولهما الاول تحت عنوان العلاقة بين العدل والظلم في استقرار الامم طبقا لمقولة ابن تيمية ( ان الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ، والثاني تحت عنوان العدل قوام العالمين ، والظلم فسادهم ، وبذلك فقد جعل الاسلام من تعاليمه السامية وقيمته الرفيعة من المودة والرحمة ، وهو بعد ذلك كله يحترم العقل الانساني ويقدر الفكر البشري ولم يقف الاسلام عند حد الاشادة بالعلاقات الانسانية والمتعلقة بالإفراد بل حرص ايضا على سلامة العلاقة بين الجماعات وبين الدول ، علاقة سلام وأمان يستوي فيه علاقة المسلمين بعضهم ببعض ، وعلاقة المسلمين بغيرهم فقد اثرت ان اتناول هذا الموضوع الحساس ذو أبعاد خطيرة ، نظرا لما الت اليه الاوضاع في بلداننا العربية والإسلامية في كل من اليمن – سوريا – مصر وليبيا ، تلك الاوضاع التي تتسم بالاقتتال بين الجماعات التي تنتسب للإسلام وأثارها المتعلق بتشريد شعوبها وتهجيرها بسبب انعدام الامن والاستقرار ، فإذا كانت الشيعة حاضرة في الصراع وتأجيجه فهذا امر طبيعي وعلى اهل السنة ان يعرفوه لمواجهة المد الشيعي ، الذي اصبح متوغلا في احشاء مجتمعاتها بقوة لمعاداتها لأهل السنة منذ فجر الاسلام ، بدءا من الخوارج الى ظهور الطائفة الامامية الرافضة بالخصوص. وقد سبق لي ان اعددت ثلاث حلقات في شأنها حول اصولها ومعتقداتها وتحريفها للقران والحديث وكانت هذه الطائفة ومازالت في نهجها الرامي الى تكفير عائشة زوجة الرسول (ص) والخلفاء الراشدين وسب الصحابة ، وأصبحت الشيعة في الظرف الراهن تهدد الامة في عقيدتها التي تم بها استهلال المقال لا سيما ان امريكا شرعت في التقرب اليها والتخلي عن حلفائها التقليديين في الخليج ، انما الشيء الغير المستساغ منطقيا هو مشاركة الجماعات الغير الشيعية في الاقتتال كداعش والنصرة وخرسان والمغرب الاسلامي وغيرها والتي تدعي الانتساب لأهل السنة والجماعة بعدما اصبحت حسب ما قيل في شأنها من طرف الرسول (ص) الصادق المهدي غثاء كغثاء السيل بقلة ايمانها وكثرتها عدديا وتداعى عليها الامم حيث اصابها الوهن اي حب الدنيا والخوف من الموت ، وهي في حاجة ماسة في الظرف الراهن قبل اي وقت مضى الى لم الشمل والوحدة ، وهنا يأتي السؤال الجوهري والمشروع ويتعلق الامر بمقارنة موضوعية بين ما كانت الامة وما الت اليه الان ، من حالة الذل والمهانة ، كانت الامة الاسلامية قائمة على التعايش والتضامن والتكافل والإخوة منذ فجر الاسلام الى عصر الانحطاط وأنتجت خلال هذه الفترة الزمنية فطاحل من العلماء من مختلف التخصصات منها العلوم الشرعية والفقهية والرياضيات والفيزياء والعلوم التجريبية وغيرها وأسست حضارة يشهد بها العلماء المسلمون والمستشرقون ومنها استمد الغرب حضارته في اقامة دول عصرية، مكنها من الامن والاستقرار واحترام الحقوق وسيادة القانون وأصبحت قوية بالتكنولوجيا وعريقة في الديمقراطية بعدما تخلصت من الكنيسة والأنظمة الديكتاتورية ، وأقامت نظاما دوليا جديدا لا يمكن ان يندمج فيه الان الا من كان قويا ، في مجال الاقتصاد والسياسة والديمقراطية ، ولا يمكن استبعاد عودة هذه الدول الى احتلال الدول العربية الاسلامية ، بعد انهيار انظمتها وتنهكها الحروب ، اما بالنسبة للأوضاع المقلقة والسيئة التي تعرفها بلداننا العربية والإسلامية من الشرق الى العرب الا ما استثني يتعين البحث عن مخرج للخروج منها لا سيما ان التدخل الاجنبي لم يزد ازمتها إلا تعقيدا وتعميقا ، وفي هذا الصدد فقد تعددت الاراء واختلفت التحليلات فيرى البعض ان السبب يرجع الى ابتعاد المسلمين عن الدين وعن العقيدة ، كما هو الشأن بالنسبة للألباني الذي فسر في كتيب صغير تحت عنوان التصفية والتربية حديثا نبويا مفاده (اذا تبايعتم بالعينة واخدتم بأذناب البقر ، الى قوله وتركتم الجهاد اي الدين سلط عليكم دلالا ينزعه منكم حتى ترجعوا الى دينكم ) ، ذلك ان بعض الجماعات من الحركات الوهابية التي لم تحسن توظيف الدين في السياسة وفتحت المجال امام الجماعات الاصولية والإرهابية المتعصبة لانتشار فكرها بواسطة جهال لا يفقهون في الدين يكفرون من يخالفهم الرأي ويبيحون الجهاد فيهم وعلى رأسها السلفية الجهادية ، وساهمت في هذا التوجه انتشار ما يسمى بعلماء الصحوة الاسلامية والحال انهم بدورهم لم يعوا ان وراء هذا الخطاب الاصولي اعداء الاسلام ويتعلق الامر باليهود والأمريكان والتشيع الرافضة وان لكل منها عقيدته الدينية المعادية للإسلام وهذا التيار ومثيله يرى ان الحل يكمن في العودة الى الدين اخذا بالرأي القائل بأنه لا يصلح اخر هذه الامة إلا بما صلح به اولها ، ويقصد به ما كان عليه الصحابة والسلف الصالح اما الرأي الاخر فيرى ان الوضع كان نتيجة الظلم والاستبداد والإجهاز على الحقوق والحريات ، ونتج عنه التطرف الفكري والديني وهو عبارة عن حالة اضطراب نفسي ووجداني يغذيها الاحساس بالغبن والمهانة كنتيجة للظلم المسلط ، وأما الاحساس بالاحتقار والازدراء ، وأما التعصب الايديولوجي والسياسي المقصي للأخر ، وأما الاحساس بالهلع والرهبة والرعب من عدو مخيف. الملفت للانتباه ان هذا الواضع انشىء على اثر وصول الاحزاب الدينية في بعض البلدان العربية الى السلطة نتيجة حراك الشارع الذي اطلق عليه * الربيع العربي * وعليه بات عدد من الشعارات التي ظل يرفعها الاسلاميون طيلة العقود الماضية على محك التجربة والمراجعة . وأصبحت معه تلك الشعارات عارية امام الواقع السياسي لتلك الدول وبعدئذ تأكد انها مجرد يافطة جوفاء لاثباث الحضور في العراك الحضاري للمسلمين وترتبت عنها نار الفتنة والاقتتال بين الجماعات والتنظيمات التابعة لتلك الاحزاب لذلك جاء شعارها * الاسلام هو الحل * خاصة عندما طرح مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر الذي تم نقله لاحقا الى مناطق اخرى . وقد كان شعارها سياسيا ارادت منه الجماعة تمييز نفسها من جهة وتأكيد نوع من العلاقة مع زمن السلف الصالح من جهة ثانية لم يعكس اي حالة من التطور الفكري والإنتاج الثقافي والسياسي والتجديد الفقهي والفهم الصحيح للدين وكذلك كيفية تنزيله في الاحداث . وبلا شك لم يعد من الممكن تأجيج المشاعر الدينية للمواطن العربي المقهور من المحيط الى الخليج واستبعاد المجتمع من صيرورة التغيير بهدف الركوب عليها للوصول الى مقعد الحكم .