في الحوار التالي، يتذكر الشاعر والمترجم مراد الخطيبي منجزه الورقي في مجال النشر خلال الموسم المنصرم، ويكشف عن مشاريعه المستقبلية، كما يتناول أسباب إصراره على النشر رغم المشاكل التي يعاني منها المجال وعلاقته المتوترة مع النشر الإلكتروني (المحرر الثقافي). p ما المنجز الورقي لك خلال السنة الماضية؟ n صدر لي سنة 2014 عن دار سليكي أخوين بطنجة المؤلفان التاليان: "هسيس الذاكرة"، وهو ديوان شعري يضم 29 نصا شعريا، ومؤلف "ولدت غدا: تحية لعبد الكبير الخطيبي "، الذي هو كتاب جماعي أشرفت على إنجازه وتقديمه تكريما لعبد الكبير الخطيبي، هذا الأديب والمفكر الكوني الذي يصعب تصنيفه في مجال فكري معين. يتضمَّن الكتاب دراسات علمية وشهادات باللغات العربية، الفرنسية، والإنجليزية، ساهم فيها باحثون ومفكِّرون مرموقون وأدباء متميِّزون. من بينهم الفيلسوف الأمريكي صمويل وييبر، الباحثة الأمريكية أليسون رايس، الشاعر المتميز محمد بنيس، الأديب والناقد نور الدين محقق، الكاتب العراقي علي القاسمي، الباحث ألفونسو دي تورو، الكاتب والباحث عبد المجيد بنجلون، الكاتب والصحافي سعيد عاهد، الباحث الأمريكي كين هاروو، الباحثة السويدية منى مارتنسن، الباحث جان زكانياريس، الشاعر والباحث كاتب هذه السطور مراد الخطيبي. الشعر حاضر أيضاً في الكتاب -خاصة أن عبد الكبير الخطيبي بدأ مساره الإبداعي شاعراً- وذلك من خلال مساهمة الشاعر رضوان الطويل والشاعرة مارية زكي بقصيدتين باللغة الفرنسية أهدياهما إلى الراحل. وحيث إن الكتاب كان يستهدف أيضاً الجانب الإنساني لعبد الكبير الخطيبي، فقد آثر المشرف على الكتاب أن ينقل ويوثِّق شهادات مؤثّرة لبعض أفراد عائلة الراحل. بالإضافة إلى الدراسات، الشهادات والشعر، فقد ضمّ الكتاب حوارين واحداً باللغة العربية سبق أن أجراه الصحافي سعيد عاهد والباحث مصطفى النحال في شهر أكتوبر من سنة 2008 مع الراحل، أي قبل شهور قليلة من وفاته، وحواراً آخر باللغة الفرنسية سبق أن أجراه الكاتب التونسي ناصر بنشيخ مع الراحل سنة 1984. كما يحمل الكتاب جرداً لمؤلَّفات عبد الكبير الخطيبي، التي تجاوزت ثلاثين مؤلفاً ما بين دراسات سوسيولوجية، سيميائية، فنية، أدبية... الخ، وأعمال إبداعية مختلفة شعراً ورواية ومسرحاً، ويعرض الكتاب أيضاً لائحة مفصَّلة لترجمات بعض مؤلفاته إلى اللغة العربية. p ما مؤلفاتك التي هي قيد الطبع وما مشاريع الكتب التي تشتغل عليها حاليا ؟ n انتهيت حاليا من ترجمة مجموعتين شعريتين لشاعرين مغربيين من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية وستصدران قريبا. وفي ما يخص المجال الإبداعي، فما زلت أقوم بمراجعة وتصحيح رواية باللغة العربية أنهيتها منذ سنتين. ومن جهة أخرى سيصدر لي الجزء الثاني من المؤلف الجماعي "ولدت غدا: تحية لعبد الكبير الخطيبي" سنة 2016 وسيشمل مقالات حول مجالات فكرية وفنية وأدبية اشتغل عليها عبد الكبير الخطيبي ولم يتناولها الجزء الأول من الكتاب، على غرار اهتمامات الراحل بمجالات الفن التشكيلي، السينما، وكذا رؤية عبد الكبير الخطيبي للقضية الفلسطينية وغيرها من المواضيع، ويساهم فيه باحثون وكتاب مغاربة وعالميون . p لماذا يصر الكتاب المغاربة، وأنت واحد منهم، على النشر رغم أزمة القراءة وانحسارها؟ n الكتابة بالنسبة لي غذاء لروحي وتمرين دائم على مواجهة مشاكل الحياة والعيش والتشبث بالأمل وعدم مفارقة الابتسامة، رغم الألم والمعاناة التي قد تعترضني في بعض الأحيان. أكتب لكي أحيى من جديد. أكتب لكي أقاوم كل أشكال القهر. أكتب لكي أصرخ. لكي أحس بكينونتي. أكتب لكي أبقى وحيدا مع ذاتي. أكتب لكي أخلخل ذاتي، وفكري ومخيلتي. أكتب لكي أتجاوز الرتابة وأرتقي بذاتي إلى أعلى. أكتب لكي أكون سعيدا رغم الألم والحزن ولون السواد الكثيف. رغم العزوف عن القراءة فإنني أصر على النشر حتى أتقاسم ما أخطه مع قراء حتى ولو كانوا قلة، وربما سيأتي زمن ولو بعد سنين وتكون كتبي مركز اهتمام قراء آخرين. لهذا فالإحباط ربما يؤدي إلى حرمان قراء مفترضين لا ينتمون بالضرورة إلى هذا الزمن الذي نعيش فيه مما نبدعه ونكتبه نحن ككتاب ومبدعين ومفكرين. صحيح أن الإكراهات كثيرة ومنها على الخصوص أزمة القراءة وغياب سياسة ثقافية واضحة تشجع على النشر وتحمي مصالح الكتاب، ولكن الحكمة تقتضي من الكاتب التواجد الدائم والحضور لأن دوره يتجاوز دور إنسان عادي، بل هو دور مثقف سيتم استيعاب مكانته الاعتبارية والتاريخية ولو مستقبلا. p هل يمكن، بناء على ما سلف، اعتبار أن النشر الإلكتروني هو بديل لأزمة القراءة والنشر الورقي في المغرب؟ n لا يمكن للنشر الإلكتروني أن يكون بديلا لأزمة القراءة والنشر الورقي في المغرب، نظرا للقيمة الجمالية العظيمة للكتاب الورقي ورمزيته العميقة، سواء على مستوى المضمون الذي يحمله أو على مستوى الشكل. لمس الورق يتجاوز حدود القراءة والمراجعة والاستفادة من محتواه، بل يصبح آلية مهمة في تفكيك الذاكرة وفي الرجوع إليها كلما دعت الضرورة إلى ذلك. رائحة الورق هي بمفعول السحر تحيل هي أيضا إلى هذا التواصل الحسي مع الذاكرة. الكتاب الإلكتروني محدود في الزمان، وربما تتم الاستفادة منه وتنتهي صلاحيته في الحين، أما الكتاب الورقي فهو أبدي ويستدعي تواصلا مختلفا في كل مرة يتم اللجوء إليه. وبالتالي فالتشجيع على القراءة يتطلب تشجيع الجمعيات الجادة التي تقوم بدور التحسيس، وأيضا تسهيل عملية النشر لفائدة الكتاب والمبدعين وتحسين ظروف تواصلهم مع المؤسسات التعليمية وفق برنامج محدد قد يكون حافزا مهما بالنسبة للتلاميذ والطلبة ليكونوا صداقة مع الكتاب والكتاب.