مدينة أمزميز، إحدى الجماعات العشر التي تشكل دائرة امزميز باقليم الحوز ومركزها وهي جزء من قبيلة كدميوة، تتكون من 15دائرة انتخابية. هي المدينة العتيقة التي صنفها المؤرخ العربي محمد الحسن الوزان في القرن السادس عشر ضمن المدن القديمة، وهذا ما يدفع الكثير من الملاحظين لطرح تساؤل كلما قاموا بزيارتها ، بحيث تزداد ترييفا الى حد شكهم في ان تكون مدينة أم قرية. وهم يقاربون وصف الباحث الفرنسي ادمون دوتي الذي زارها كذلك في بداية التوغل الفرنسي بالمغرب (1911). لعل كل الاجوبة تكمن في العزلة المضروبة على هذه المدينة ونواحيها طيلة عقود من الزمن ضمن ما عُرف بالمغرب النافع و المغرب غير النافع، بالاضافة الى ان هذه المنطقة كانت مركزا للمقاومة وجيش التحرير، بحيث كانت توجد قِلَعُهُ في كل من اولاد مطاع ومغوسة، وعرفت في عهد الاستقلال عدة أحداث سياسية في إطار التنظيم الاتحادي في سنوات 1960، 1968 ، 1969، اقتيد خلالها كثير من المناضلين الاتحاديين لمعتقلات سياسية كدار المقري، ودرب مولاي الشريف، وبولمهارز، ذاقوا فيها أشرس أنواع التعذيب و التنكيل قبل المحاكم العسكرية و المدنية آخرها محاكمة مراكش الكبرى في سنة 1971، كما عانى مناضلون آخرون من الاعتقال و الطرد من العمل و التشريد و التضييق و الحرمان من الحقوق الدنيا طيلة عقود من الزمن . هل تكون هذه المواقف مصدر جعل هذه المدينة / القرية تئن تحت وطأة التهميش طيلة عقود من الزمن و البقية تأتي، أم سنحتاج الى عودة قراءة تأويل الاسطورة التي دونها عن سكان هذه المدينة أحد المراقبين المدنيين الفرنسيين الذي قضى بعض الوقت كمسؤول عن الامن في هذه المدينة في عهد الحماية؟ ينقل المراقب « بوسار» Boussart في كتاب له : «أسطورة سيدي احساين « la légende de sidi hsain حكاية من الموروث الشفوي يتداولها السكان. وهكذا تتضارب الأسباب و الرؤى بين ما هو أسطوري وخرافي وحقيقي وبالتالي يبقى الواقع الحالي للمدينة مأساويا. سكان امزميز مدنيون بطبعهم، ومقوماتهم الثقافية والحضرية و الفكرية نظرا لنسبتهم الكبيرة التي تعلمت بفضل وجود المدرسة الابتدائية الإسلامية انذاك ( مدرسة الاطلس حاليا ) منذ سنة 1926، تخرّج منها الآلاف من المواطنين الذين يشكلون حاليا أجيالا لمختلف الاختصاصات و التوجهات العلمية و السياسية . بالاضافة الى الدور الذي لعبه المسجد الكبير و العتيق في تثقيف خريجيه و تلقينهم العلوم الدينية و اللغوية، مما أهّل البعض للالتحاق بجامعة ابن يوسف بمراكش ومن ثم الالتحاق بالحركة الوطنية وولوج عدة وظائف ادارية وتعليمية وقضائية . وقد بدأت هذه المدينة تعرف تطورا متسارعا منذ سنوات الستينات بسبب ارتفاع حركية السكان، سواء على مستوى التوافد او النزوح ، مما يجعل هؤلاء يتكونون من خليط متعدد الاصول التحق بعضهم بمركز المدينة من الدواوير المجاورة من أجل الاقتراب من المرافق الحضرية كالمدرسة والمستشفى و الادارة ، ثم لممارسة بعض الحرف في الصناعة والتجارة والصناعة التقليدية وكل الاشغال اليومية. كما انضمت الى هذه الفئات من السكان افواج من الموظفين و الوافدين من المراكز الحضرية الكبيرة، بعضهم تقاعد واختار البقاء بهذه المدينة. أخيرا تلج جماعة أمزميز خانة المجالس الحضرية ويودع سكانها عقدة ترييفهم في عقر مدينة ذات مقومات عريقة ثقافيا وتاريخيا ، ومع الانتقال الانتخابي إلى المجلس الحضري يعود من المؤمل أن يكون ذلك بداية عهد جديد لسكان هذه المدينة التي باتت عقودا من الزمن تئن تحت وطأة التهميش، رغم ما يقطر لها من مظاهر التنمية كجرعات دواء لمرض مزمن. هكذا انطلق الاهتمام بهذه المنطقة في الأول من القرن الواحد و العشرين استدراكا لما حرمت منه في عقود من زمن عهد الاستقلال باعتبار هذه المدينة كانت مركزا إداريا وثقافيا لمناطق شهدت أحداثا سياسية أيام الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار وفي عهد الاستقلال في الستينات و السبعينات فرض عليها الحصار السياسي و الاقتصادي.. ولم تستطع إلى اليوم قرارات هيئة الإنصاف المصالحة رفعه على غرار ما تم بالنسبة لمناطق أخرى شهدت نفس الحصار، أو أقل منه، رغم أرشيف هذه الهيئة ولجنة التحكيم قبلها تتوفر على ملفات هذه الأحداث. وقد سبق ذكرها بالتفصيل في عدد الجريدة الصادر يوم 18 نونبر 2008 تحت عنوان «متى تشمل قرارات هيئة الإنصاف و المصالحة منطقة امزميز؟»، و التي تتطلب العمل على جبر الأضرار الجماعية لتستدرك المنطقة بعضا مما ضاع منها طيلة ما يسمى بسنوات الرصاص، ويبدأ العهد الجديد لهذه المدينة في سياق تكاثر انتظارات السكان في مختلف المجالات في مقدمتها المسألة الاجتماعية، وفي انتظار ذلك لاشك أن المجلس الحضري المعني سينكب في بداية ولايته على تركيز البنيات الأساسية لجعل المدينة تواكب التطورات التي يتطلبها التمدن ، بدءا برفع الخناق الذي يعرفه وسط المدينة وتوسيع فضاءاته مستندا إلى القوانين المعمول بها لفائدة المصلحة العامة بعيدا عن النظرة الانتخابية الضيقة التي كانت قيودا للمسؤولين الجماعيين السابقين وعائقا لتحرك الساكنة و المدينة تحتاج إلى متنفس في مستوى تطور عدد سكان المدينة و الوافدين عليها يوميا من المناطق المجاورة باعتبارها مركزا تجاريا و إداريا لمجموع مناطق دائرة امزميز. أضف إلى ذلك انعقاد اكبر سوق أسبوعي فيها والذي تسلل في الأسابيع الأخيرة إلى أزقة حي أمدل يدق أبواب منازل ساكنة هذا الحي، كما «سرح» مع الحقول المجاورة و ملعب كرة القدم ومدرسة البنات وسيمتد إلى ابعد من ذلك مع بداية بناء المؤسسة الإعدادية للتعليم المبرمجة مع مشروع السوق التجاري المقبل على الانجاز، الشيء الذي جعل السكان في يوم السوق حاليا يختلطون مع السيارات و البهائم و المتاجر لأن كل الطرق و الأزقة تحولت إلى مرافق للسوق . وسجل المواطنون المتتبعون للشأن المحلي بجماعة امزميز القرار الذي اتخذه المجلس في دورته الأولى المنعقدة في شهر يوليوز الماضي، يقضي بإلغاء ترخيصات الاحتلال المؤقت للملك العام التي تم تسليمها في إطار التمهيد للحملة الانتخابية للجماعات المحلية الأخيرة، استجابة لرسالة عامل إقليمالحوز، إلا أن احتلال الملك العمومي في جماعة امزميز وفي إطار الزبونية الانتخابية السابقة قديم جدا. وهذه الرخص التي بدأت تسلم منذ عدة ولايات جماعية لا تقتصر على ذلك، فقد يتم احتلال الملك العمومي بشكل سافر. حيث يمتزج ذلك مع حالة الطرق غير المعبدة أو التي تلاشى تعبيدها ، والذي يعود إلى عقود من الزمن لم يتم تغييره ولا ترميمه، كما هو شأن شارع درع السوق وهو الأكبر في مدينة امزميز، تحول إلى طريق ثلاثية غير معبدة وسط شعبة تمر منها مياه الأمطار وفيضانات قنوات المياه و السيول التي تنتج عن ذلك ، كما يتطلب الوادي تهيئة تحتفظ على منظره حيث تحول إلى مزبلة لا تساعد حالته على استغلال منظره الطبيعي. إن تأهيل المدينة يتطلب إعادة النظر في عدد من البنيات التحتية الأساسية و العمل على مراقبة وظائفها كالطرقات و الإنارة الكهربائية و الماء الشروب التي دخلت في «تقليد» الانقطاعات المتكررة بسبب عدم مواكبة تجهيزاتها لتزايد الكثافة السكانية و العمران وتنفيذ البرنامج الوطني للكهرباء القروية الذي يقترب تعميمه على جميع مناطق امزميز، حيث لا يزال تشغيل المصلحة المعنية حسب الطاقة الاستيعابية لساكنة يعود عددها إلى عقود ماضية، فالمجالس السابقة لم تكن دائما تضطلع بمجموعة مهامها في الشرطة الإدارية حفاظا على مصالح الساكنة كالأمن و الوقاية من الأمراض بسبب النفايات وجريان المياه الحارة في الطرقات والأزقة و الدواوير، وتنظيم الحرف ومقرات البيع والشراء، و لا بد أن يعي المجلس الجديد بأن المدينة تفقد عددا من البنيات الاقتصادية و الاجتماعية الواحدة تلو الأخرى، حسب مسلسل انطلق منذ النصف الأول من الستينات ولا يزال نذكر منها تعاونية الزيتون ، كانت تضمن منتوجات الفلاحين في مختلف مناطق دائرة امزميز إلى بداية الستينات تضم كذلك قبائل مغوسسة و كندافة، كانت تشغل العشرات من المواطنين لفترة ستة أشهر من السنة. ومن هذه المؤسسات كذلك مركز التكوين الفلاحي، التابع لوزارة الفلاحة امزميز، وما احوج هذه المنطقة إلى إعادة فتحه ليستوعب تلاميذ لتكوينهم في المجال الفلاحي في أفق تحسين المردودية الفلاحية وخاصة مع التقصير الذي يعرفه الإرشاد الفلاحي بهذه المنطقة. وارتباطا كذلك تم حذف شعب التعليم المهني بمدرسة الأطلس بأمزميز المتمثل في الفلاحة و النجارة والفخارة، هذا التعليم الذي إلى غاية منتصف الستينات، كان يساعد في التحاق عدد من التلاميذ بالمدارس الفلاحية تخرجوا منها أطرا تقنية وظفتهم الدولة في مصالح وزارة الفلاحة و الشركات الوطنية التي أسست على الأراضي المسترجعة كالصوديا والصوجيطا و الكوماكري، وكانت المدينة منذ منتصف الأربعينات تتوفر على ملعب لكرة القدم أضيفت له في وقت ما بعض الملاعب للرياضات الأخرى تلاشت وتتطلب الإصلاح و التطوير، الشيء الذي سيفتح مجالا لتشجيع ممارسة الرياضات الأخرى ، بالإضافة إلى كرة القدم التي يؤطرها فريق فتي تستوجب وضعيته الدعم المادي و المعنوي حتى يستطيع متابعة المنافسة في قسم الهواة ضمن عصبة الجنوب . ومع تحويلها في نهاية سنة 2009 إلى بلدية لم تكد تتخلص من تبعات التقسيم الجماعي لسنة 1992 الذي أبقاها كجماعة قروية بالرغم من توفرها على نفس مقومات اليوم، لم تكد تتخلص من ذلك حتى قام التقسيم الجماعي الأخير ببتر أطرافها و إلحاقها بجماعات أخرى. ما أحوج هذه المدينة المركز إلى فضاءات هذه المناطق كسيدي احساين على سبيل المثال، و الذي يعتبر المتنفس الوحيد الذي تنفتح عليه المدينة، المؤهل لاستقطاب استثمارات سياحية وثقافية للمساهمة في تنمية المدينة. وتجد المدينة من جراء هذا التقسيم نفسها مطوقة، مجردة من المجالات الطبيعية تحافظ على رونق المدينة، والسبب أن التعديل الحاصل في هذا التقسيم الجماعي الأخير لم يأخذ بعين الاعتبار تساوي الجماعات و الفضاءات الطبيعية و الاقتصادية كالغابات و الجبال و السهول حتى يكون هناك توازن في خصوصيات المناطق الطبيعية و الاقتصادية و الثقافية . أما القرار الذي اتخذه المجلس في الدورة المذكورة القاضي بنقل الاعتماد المالي الذي كانت الجماعة قد خصصته لتمويل مهرجان امزميز الثقافي، و الذي دأبت المدينة على تنظيمه منذ بضع سنوات، وهو مجال لإبراز مقومات وخصوصيات المنطقة الثقافية و الحضارية و الاقتصادية، و في بدايته يتطلب تطوير برامجه وتوسيع إشعاعه تنظيميا وإعلاميا ، عوض التخلي عن دوراته و تمويله، الشيء الذي يتنافى مع بعض بنود القانون الجماعي الذي يكرس مشاركة الجماعة في التنشيط الاجتماعي و الثقافي و الرياضي والمساهمة في الحفاظ على خصوصيات التراث الثقافي المحلي و إنعاشه، و يمثل مثل هذا المهرجان أحد أوجه هذا الحفاظ ووسيلة لترويجه بمختلف تنوعاته كالرقص و الغناء و الشعر و التقاليد و العادات، أضف إلى ذلك مختلف المنتوجات الفلاحية و الحرفية كالصناعة التقليدية المحلية التي تستثمر المواد الخام للمنطقة كالصوف و الخشب و الخزف و الطرز و المعادن و الحجر و الدوم و القصب، لأن ذلك سيساهم في تحفيز عدد من الشباب و الشابات لولوج هذه الحرف ودفع المؤسسات إلى فتح مراكز التكوين المهني لكل هذه المجالات دون إغفال مجال الطبخ المتنوع كذلك و الغني بالمنطقة كالكسكس و الجمار بداز و العصيدة وتونيرت التي أصبحت الأكلة الثمينة في اكبر الفنادق بالمغرب و الزميطة وتوميت و الطاجين و ... كما يمكن أن يكون مناسبة لإظهار الطاقات الرياضية في مختلف المجالات الرياضية مهما كانت خلفيات حلقاته الأولى لأن المهرجان أصبح مكسبا لمجموع السكان لا يجب أن تتخلله الصراعات السياسية و الذاتية، وقد أصبحت الضرورة تقتضي البحث عن بديل لموسم سيدي احساين بالنسبة لجماعة امزميز التي اقتطع المكان الذي ينعقد فيه بهذه الجماعة، وتم ضمه إلى جماعة امغراس في إطار التعديل الذي عرفه التقسيم الجماعي الأخير. ومن مهام المجلس الحالي كذلك إعادة النظر في تدبير مردودية الموارد البشرية بتحديد مهام كل فئة و تأطيرها و تكوينها للنهوض بمردوديتها الإدارية متوازية مع ثقل ميزانية التسيير التي تمثل فيها أجور الموظفين ما يفوق 60% بالإضافة إلى تعويضات الأعضاء عن المهام و التنقل التي عرفت ارتفاعا ملحوظا بالنسبة إلى السنوات الماضية. وفي ظل استمرار هذه الوضعية، نتساءل كيف سيتعامل المجلس مع أجور الموظفين بقدر الميزانية الحالية، في السنوات المقبلة عندما يدخل حذف السلالم الصغرى بالنسبة لموظفي الجماعات و التي تجري في شأنه مفاوضات في إطار الحوار الاجتماعي المنطلق حاليا ، وماذا يتبقى لمواجهة مطالب السكان في الإنارة وصيانة البنيات التحتية و أداء قروض الجماعة، اضف الى ذلك قرار تشغيل العمال العرضيين الذي يتطلب مبلغ 80 الف درهم سنويا ، وهو مبلغ كبير جدا؟ فلو فكر المجلس البلدي في توزيع ايام العمل العرضي على مجموع الدوائر الانتخابية بالتساوي لمكن عددا من العمال في التشغيل بالتناوب، فإذا قسمنا 80 الف درهم على 70 درهما لاجر يومي لكل عامل سيكون المجلس قد وفر ألف يوم من العمل، اي ما يساوي 60 يوما من العمل لكل دائرة انتخابية تشغل جزءا من عاطليها، وبذلك يكون العمل العرضي ينجز بشكل تتكافأ فيه الفرص، وكما كان الاشتغال بأوراش الانعاش الوطني في الستينات و السبعينات من القرن العشرين لمحاربة البطالة . حسنا أن يبادر المجلس في دورة استثنائية في شهر يونيو الاخير بإقرار تأهيل المدينة وتهيئتها، الا ان هذا العمل لا يمكن ان يتم دون اشراك كل الفاعلين في مجال التنمية عن قطاعات عمومية وفاعلين جمعويين ومستثمرين في اطار الشراكات التي ينص عليها الميثاق الجماعي و الاخذ بعين الاعتبار بأن اي تأهيل يجب ان يمر عبر التنمية الاجتماعية كأولوية لدى السكان الذين عانوا من تهميش دام عقودا من الزمن. ان التأهيل يجب ان يكون واقعا ملموسا وان لا يبقى حلما دائما ، ولن يتم كل ذلك دون وضع مخطط مندمج لهذا التنمية تتبناه كل الاطراف المعنية، لأن الاعتماد على الميزانيات لا يمكن ان يلبي مطالب السكان المفقودة منذ عقود من الزمن، و يظهر ذلك من خلال ميزانة المجلس الحضري المحدث منذ سنة كاملة، ان مواردها تعادل مصاريفها، فالفائض الحقيقي لميزانية 2011 على سبيل المثال، لن يتعدى ثلاثين الف درهم، لان الجزء الكبير من الفائض التقديري يدخل ضمن مصاريف الجماعة في اداء القروض وبعض الاصلاحات المخصصة لتأهيل مكاتب الجماعة، مع العلم أن المجلس سبق له ان قرر في ميزانية 2010 اعتمادا لتأهيل المراكز الحضرية للمدينة، الا ان شيئا لم يحصل من ذلك، فالمدينة وخاصة منذ انتقالها الى الجماعة الحضرية، لم تزدد أوضاعها إلا استفحالا في التردي و الترييف و افتقاد المقومات الحضرية الواحدة تلو الاخرى .