من الصعب على كل من يحاول المساهمة في قراءة وتحليل المشهد السياسي المغربي اليوم وبعد الانتخابات الجماعية و الجهوية الأخيرة أن يتجاوز في قراءته وتحليله حركة 20 فبراير وما رفعته من مطالب وما جددته بها من قيم، فمعلوم أن ما عرفه المغرب من تعديلات سياسية و دستورية ما هو إلا إجابة على جزء من الأسئلة التي طرحها الشعب المغربي من خلال مظاهراته سنة 2011 استمرارا لمطالب الصف الديمقراطي بالبلد، لتكون هذه الأسئلة و تلك المطالب و الانتظارات قاعدة على أساسها يصح تقييم كل التعديلات وتستقيم بها كل التحاليل و القراءات وغير هذا فكل محاولة لتحليل الواقع السياسي المغربي لن تخرج عن دائرة التمويه و الالتفاف و الاستمرار في مسلسل الدفاع عن بنية ونسق الدولة العتيقة التي تقوم على تغييب إرادة الشعب أو توجيهها في أحسن الأحوال ضدا على مصالحها. لقد رفعت حركة 20 فبراير مجموعة من المطالب خلفيتها قيم و مبادئ تؤسس لدولة ديمقراطية تحترم فيها الإرادة الشعبية، مطالب تصب كلها في خانة تخليق الحياة السياسية على قاعدة التأهيل وربط المسؤولية بالمحاسبة ، ولعل أي متتبع للطريقة التي تم بها تدبير ملف الاستحقاقات الأخيرة سواء على المستوى القانوني أو السياسي سيكون متفقا على أن كل التدابير و بالرغم من الصخب الذي صاحبها لم ترتقي لمستوى تأهيل و تخليق الممارسة السياسية في شقها المتعلق بالانتخابات و بالتالي فهي لم تجسد غير حلقة أخرى من حلقات النكوص و الردة و الالتفاف على مطالب الحركة ومعها كل الأصوات المنادية بالديمقراطية. حدثت هذه الردة و هذا الالتفاف وسط إجماع الكل، حكومة و أحزابا سياسية حول ضرورة محاربة الفساد و المفسدين في إعلان تام على استمرار استغلال مطالب الحركة ،حتى تلك الأسماء التي رُفعت صورها خلال المظاهرات الشعبية كرموز للفساد لم تجد حرجا اليوم في رفع شعار إسقاط الفساد بل توجت فائزة خلال انتخابات الرابع من شتنبر لتتحمل مسؤولية جماعية اليوم. هذا هو مغرب ما بعد حركة 20 فبراير و ما بعد دستور فاتح يوليوز، هذا هو مغرب الانتقال نحو الديمقراطية ، انتقال عرف فوز حزب العدالة و التنمية في التشريعيات « المزوزية « سنة 2011 وهو الحزب الذي كان ضد مطالب الحركة و بالتالي ضد مطالب جزء كبير من الشعب ليعاود التتويج خلال الانتخابات الجماعية بمعية الحزب الذي أنشئ خلسة و تم تضخيمه في غفلة من الكل ليكتسح اليوم أمام ذهول خففت منه المعطيات و المؤشرات و القوانين . فكيف تمت عملية قرصنة مطالب و آمال الحركة ؟ كيف استطاع حزب الأصالة و المعاصرة الاستمرار في أجندته بالرغم من كل الأصوات التي تنبهت ونبهت إليه؟ كيف اختار الشعب التصويت لصالح العدالة و التنمية و معها أحزاب الأغلبية بالرغم من فشل الحكومة الظاهر في تدبيرها لمجموعة من الملفات؟ إن تركيز الديمقراطيين بعد دستور فاتح يوليوز في الحديث عن الفساد و تمثلاته و رموزه دون التركيز على الإفساد و مظاهره ومناهضته لم يكن مجديا ، ولا حديثهم عن ضرورة دمقرطة الدولة دون وجود إرادة حقيقية فيها كان مقنعا، ولا اقتناعهم بضرورة فتح نقاش مجتمعي دون تقعيده و محاولة إفهام العوام بضرورته و صحته كان منتجا، أمام استمرار مسلسل صنع الرأي العام و بالتالي التحكم فيه و توجيهه نحو اختيار مناهضة التغيير و روّاده من خلال نفس الآليات الكلاسيكية التي تقوم على صنع انطباع عام سمته الخوف و التوجس و التشكيك، انطباع غذّته الظروف الإقليمية الدامية و أطروحة الاستقرار و الاستثناء على حساب هوامش الديمقراطية. لقد تعددت الآليات و العوامل التي أفرزت الخريطة السياسية بعد انتخابات الرابع من شتنبر والتي عرفت استمرار تراجع و انكسار القوى الديمقراطية و الوطنية في مقابل توهج أحزاب الإدارة الملبسة بلبوسات إديلوجية مشبوهة ، آليات نجحت إلى حد كبير في الاستحواذ على وعي جزء من المغاربة مستغلة يأس و نفور الجزء الأكبر منهم من كل تمثلات السياسية الرسمية في البلد، استحواذ ساهمت فيه هذه القوى الديمقراطية أيضا عبر ابتعادها عن أداء مهامها و طرح القضايا المهمة في عملية البناء الديمقراطي ولعب فيه خدّام الدولة العتيقة و المستفيدين من استمرار نسقها اللاديمقراطي الكلاسيكي دورا مهما من خلال خلق إعلام و إعلاميين مرتبطة مصالحهم المادية بهم ، إعلام أبدع لسنوات في تسفيه المشهد السياسي و أفرغ تدافعاته من محتواها الفكري وركز على تبخيس التجارب الديمقراطية الداخلية للأحزاب ذات الشرعية الشعبية جاعلا إياها فضاءات لصراع النزعات الشخصية و مغيّبا صراع الأفكار فيها و في المقابل اجتهد في تلميع شخصيات سياسية جديدة على المغرب و المغاربة راسما لها حدودا خارقة في الحركة و الاقتراح و الإبداع و المحاججة ،و ساهم في تسويق أخبار منمّقة و مغلوطة عن الديمقراطية الداخلية لإطاراتها جاعلا إياها الحامل الشرعي لمطالب التغيير و الديمقراطية. خدّام الدولة العتيقة و المستفيدين من استمرار نسقها اللاديمقراطي الكلاسيكي ولأنهم واعون جدا بزوال مشروعهم مع وجود ديمقراطية حقيقية و لأنهم مدركون بأن الديمقراطية تفقد معناها و جوهرها بغياب تربية حقيقية عليها فقد تنبهوا وعملوا لسنوات من أجل كبح جماهيرية الديمقراطيين و اليساريين على الخصوص على تعطيل كل ما من شأنه الدفع بتعلم الديمقراطية و على الإستيلاء على العقيدة الدينية للمغاربة وجعلها سلاحا في أيديهم و أيدي أذرعهم من الإسلامويين باعتبارهم أعداء طبيعيين لليسار و للديمقراطية و ذلك لاستغلالها في معاركهم السياسية و الانتخابية وذلك بتقسيم الفاعلين السياسيين إلى كفرة و مؤمنين و بالتالي مشاريعهم إلى مشاريع كفرة و مشاريع مسلمين. كل هذه الآليات لم تكفيهم لضمان استمرار وجودهم ، لهذا فقد اجتهدوا في خلق ترسانة قانونية لتنظيم العملية الانتخابية الأخيرة بشكل يضمن تقنين استعمال الإطارات السياسية التي تشكل امتدادا لهم للمال الحرام ولتصبح عملية شراء الأصوات بشكل غير مباشر و بقانون يسمح للمرشح بتوظيف ألاف العاملين في حملته الانتخابية وليضمن هكذا قاعدة أولية للتصويت لصالحه. هكذا رسمت الخريطة السياسية للمغرب قبل يوم 04 شتنبر ، وهكذا تم إفساد العملية الانتخابية قبل إجرائها، و هكذا جُعل التنافس من أجل الديمقراطية تنافسا لا ديمقراطيا ، وهكذا هم ماضون في تبخيس الممارسة السياسية في البلد و في جعل حركة 20 فبراير لحظة سياسية عابرة و في دستور فاتح يوليوز وثيقة للاستئناس و في المفسدين مناضلين ضد الفساد. * عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية