ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من 'افهمتكوم ايوا افهمتكوم' إلى 'فهمتي ولا لا'
نشر في لكم يوم 12 - 06 - 2012


مدخل:
ينطلق هذا المقال من مسلمة تقول إن النظام المخزني قد نجح، إلى حدود الآن، في الإفلات من دفع مستحقات ربيع الأمة الديمقراطي.
تفرض علينا هذه المسلمة أن نقف عند نقطتين، واحدة تتعلق بمؤشرات هذا النجاح من جهة، وثانية تتعلق بالوقوف عند أدوات هذا النجاح.
قبل التطرق إلى هاتين النقطتين، نقف قليلا مع العنوان.
في دلالة العنوان:
لقد كسب التوانسة ثورة مجيدة، بدأ فصلها الأول لما نطق الديكتاتور: "افهمتكم ايوا افهمتكم"؛ لكن هذا الفهم، من جانب الديكتاتور، كان متأخرا. كنا، هنا في المغرب، قاب قوسين أو أدنى من سماع نفس العبارة " افهمتكم ايوا افهمتكم" سواء صدرت في وقتها، وهي مصحوبة بعملية إصلاح جذري، تقطع دابر الحكم الفردي، أو هي صادرة بعد انصرام وقت الإصلاح الحقيقي، وحلول وقت الثورة.
لكن الذي حدث في هذا البلدالمُبتلى، ليس فقط بمخزن متخلف ومستبد وتبعي، بل بأحزاب وقوى ينبني وجودها على حماية المخزن، أقول الذي حدث في هذا البلد هو أن رئيس حزب "العدالة والتنمية" تقدم ليقول لنا "فهمتيني و لا لا؟". حَرَمنا بنكيران من "افهمتكم" وهي تخرج من فم المخزن، وتقدم ليلعب دور الإطفائي، فلم يتوقف من حينها عن قول "فهمتيني ولا لا؟".
شتان بين العبارتين: الأولى تعلن أن الحكم الفردي صار إلى زوال، والثانية تعلن أن الحكم الفردي نجا من الزوال. لقد صارت "فهمتيني ولا لا؟" بارشوكا يمنع، وربما يؤجل فقط، "افهمتكم ايوا افهمتكم". فما هي مؤشرات إفلات الحكم الفردي من قول "افهمتكم"؟
مؤشرات إفلات المخزن:
دون الوقوف عند المؤشرات الدستورية، حيث لا زلنا نعيش في ظل ملكية تنفيذية تكرس الحكم الفردي، نقف عند مؤشرين إثنين هما المؤشر الحقوقي والمؤشر السياسي.
المؤشرات الحقوقية:
استمرار التعذيب( قلع أضراس مناضل إسلامي مؤخرا)
استمرار الاعتقال السياسي ( الاسلاميون من سلفية ومعتقلي ما يعرف بملف بليرج الذين أطلق سراح ما سمي بأمرائهم في حين بقي المأمورون- مناضلو 20 فبراير- مناضلو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)
استمرار قمع التظاهرات الاحتجاجية السلمية.
استمرار قمع الجهات (بني بوعياش نموذجا).
استمرار التعسف من خلال الإعتداء على حرمات وممتلكات الأفراد الخاصة ( تشميع منازل أعضاء العدل والاحسان)
التضييق على حرية التعبير( رسام الكاريكاتير كدار نموذجا).
الجرأة حد الاستهتار بأجواء ربيع الأمة الديمقراطي، من خلال طرح قانون الحصانة لبعض منتسبي سلك العسكرية، في الوقت الذي قام فيه الجيش التونسي، من تلقاء ذاته في لحظة صحو الضمير الديمقراطي الثوري، بعرض مبدأ إخضاع الجيش للرقابة البرلمانية.
المؤشرات السياسية:
يمكن الوقوف عند مؤشرات كثيرة، لكننا ارتأينا أن نختار منها مؤشرين دالين:
أولا: قانون الأحزاب:
من مؤشرات إفلات المخزن من دفع الحساب، استمرار تنظيم الحياة السياسية من خلال قانون أحزاب غير ديمقراطي. إنه قانون لا يليق بأي بنظام سياسي يريد أن ينتمي إلى نادي الدول الديمقراطية؛ فهذا القانون يرتكز على مبدأ الترخيص (التحكمي) بدل القيام على مبدأ التصريح؛ كما أنه يطلق يد وزارة الداخلية، العريقة في التزوير والضبط والقحط وتجفيف الحياة السياسية، أقول يطلق يد وزارة الداخلية لتقتل الحياة السياسية والأحزاب السياسية المستقلة، وهذا لأنه جعل حق رفع الأحزاب قيد التأسيس إلى القضاء بيدها، وهي الفاقدة للأهلية الديمقراطية التي تخول لها الإشراف على تنظيم الحياة السياسية.
لقد كان الأولى، لو لم يفلت النظام المخزني من مستحقات ربيع الامة الديمقراطي، أن يجري تأسيس الاحزاب بمنطق التصريح، وألا يكون لوزارة الداخلية الشهيرة أي إشراف إلا الإشراف التقني "الورقي"، على أن يكون الإشراف القضائي (رفعا وحكما) بيد القضاء.
إن التطبيق الفعلي والوجه العملي البشع لهذا القانون، الذي هو إدانة للنظام الذي وضعه، وإدانة للأحزاب التي وافقت عليه، أقول إن الوجه البشع لهذا القانون هو قيام الوزارة الشهيرة بإحالة ملف تأسيس حزب الأمة على القضاء بحجج واهية، لا يُلتفت إليها عادة في مجالات عدة من مجالات الحياة العامة للمواطنين.( ليس هنا مكان التفصيل في هذه الفضيحة السياسية للوزارة الشهيرة بل وللنظام الشهير).
لماذا أعتبرت أن اضطهاد حزب الأمة مؤشر من مؤشرات إفلات المخزن من مستحقات الربيع؟
إن ذلك مؤشر على أن المخزن وثق في نفسه، وتأكد لديه أن مخاطر الربيع قد زالت، وإلا لما تعامل مع حزب الأمة بهذا الشكل.
لماذا التركيز على حالة هذا الحزب؟ أركز على محنة هذا الحزب لأنه يذكرني بالقمع الذي سلطه بنعلي على النهضة. فبعدما كانت النهضة ترغب وتعلن عن خيارها في العمل السياسي من داخل المؤسسات، لم تنل حقها المشروع إلا بعدما صرح بنعلي "افهمتكوم" لكن لات حين مناص.
إن من علامات إفلات النظام المخزني من مستحقات التغيير، هو الاستمرار في منع الأحزاب كما لو أن بنعلي لم يهرب ويلجأ إلى بلد هو عاصمة التدين البدوي الذي كان بنعلي يقدم نفسه نقيضا له، أو كأنما القذافي لم يقتل في قادوس مثل الجرد، أو أن مبارك لم يصدر في حقه حكم بالمؤبد لم يرض به الشعب الطامح إلى إعدام "الريس"، أو كأنما علي صالح لم يرحل محروقا، أو كأن بشار لا زال امامه الوقت والفرص، كي لا يرحل بدل أن يقع في يد الثوار فيتمنى حينها ألف سنة سجنا في لاهاي، على أن يقف أمام محكمة في بابا عمرو أو في "حماة الثأر" ... يتصرف النظام المخزني بطمأنينة وكأن لا شيئ في عالمنا تغير.
ثانيا– إرهاصات تحريف النضال السياسي:
أقصد بتحريف النضال السياسي، القيام بتغيير البوصلة النضالية التي أفرزها ربيع الأمة الديمقراطي. تغيير هذه البوصلة هو نقل النضال من نضال يعتبر أن أزمة المغرب أزمة نظام، إلى نضال يعتبر أن ازمة المغرب أزمة حكومة.
لا أتوجه بهذا التحذير إلى الاحزاب والقوى التي شكلت لمدة طويلة فريق عمل المخزن، تزكيه وتدافع عن مشاريعه، بل وعن وجوده. ألم يقل أحدهم إن المخزن قد مات؟ ألم تصبح لازمة رئيس الحكومة هي الإعلان بمناسبة وبدونها أن الملك يفعل..ويفعل ..ويفعل؟ لا أتوجه بكلامي لفريق الردة السياسية (الاتحاد الاشتراكي) وفريق الثورة المضادة (العدالة والتنمية).
أتوجه بحديثي إلى القوى الداعمة لحركة 20 فبراير، أي قوى الثورة والتغيير.
كنا في المغرب، طيلة ستة أشهر الأولى من انطلاق الربيع المغربي، نعيش حَرَاكا سياسيا، ببوصلة تعتبر أن أزمة المغرب أزمة نظام ( والمخزن يطلع برا).
بعد التصويت على الدستور الالتفافي، وبعد سماح النظام بفوز حزب "العدالة والتنمية" بالرتبة الاولى في الانتخابات البرلمانية، بدأت دفة البوصلة تنحرف شيئا فشيئا، وبدأ البعض يعتبر، رويدا رويدا، أن أزمة المغرب أزمة حكومة.(وبنكيران يطلع برا).
ظهرت تحليلات، قد تصبح اختيارات، تجعل المعركة تركز شيئا فشيئا على البارشوك السياسي (العدالة والتنمية) بدل التركيز على السائق. نعم، يمكن أن تتوجه المعركة نحو الحكومة، لكن في إطار تصور شمولي يعتبر أن النسق الذي يؤطر هذه الحكومة هو النسق المخزني. لكن أن يتم التركيز على الحكومة، وإعفاء النظام السياسي، الذي أفرز هذه الحكومة للتهرب من مستحقات ربيع الأمة الديمقراطي، من المساءلة، فذلك يعني ببساطة تحريف النضال السياسي.
سننتقل مع هذا التحريف من مواجهة المخزن كنسق شامل، إلى مواجهة الحكومة التي ليست إلا إفراز من إفرازات المخزن. سننتقل من مطلب تغيير النظام إلى مطلب تغيير الحكومة. سننتقل من النضال في الشارع إلى النضال في المؤسسات المسيجة والمحفوظة، سننتقل من المطالبة بدستور ديمقراطي شعبي إلى المطالبة بانتخابات بلدية نزيهة (وهو مطلب سليم إن اندرج في إطار تصور شمولي يهدف إلى إسقاط المخزن).
ما هي تجليات هذا التحريف السياسي؟
أولى علامات هذا الانحراف السياسي، هو مشاركة قوى داعمة لحركة 20 فبراير، في ما سمي بمسيرة الكرامةبالدارالبيضاء.
ليس المشكل في المشاركة في مسيرة تدعو إليها نقابات ما. المشكل في طرف داعي إلى المسيرة، وفي شعار سياسي تم إطلاقه بالمناسبة.
أن تدعو قوة نقابية تَحَمل الحزبُ المقربُ منها مسؤولية قتل الامل لدى المغاربة خلال التسعينات، هو أمر يثير الحنق والغضب. كيف لقوة سياسية صرح أحد رموزها أن المخزن مات، وكانت معارضة لحركة 20 فبراير، كيف لقوة كهذه أن تتحدث مرة أخرى عن الكرامة؟
أما الشعار الذي جاء على شكل كلمة في هذه المسيرة، فهو قول أحدهم إن العد العكسي لحكومة بنكيران قد بدأ. يا سلام... في الوقت الذي قالت وتقول الشعوب الحية إن العد العكسي للطغاة قد بدأ، يأتينا نحن من يصور لنا المعركة على أنها معركة كراسي برلمانية تقود إلى حكومة تحكم وملك يتحكم. هل تعتقدون أن لدينا رئيس حكومة؟ هل تعتقدون أن إزاحة هذه الحكومة والحلول محلها سيعطيك السلطة كاملة ؟ أبدا. في المغرب ليس لدينا رئيس حكومة، بل لدينا كبير الموظفين فقط. ومن يخالفني القول، أتحداه أن يوقف موظفة بسيطة في قناة تلفزيونية تافهة عند حدها.
من حق أي نقابة أن تدعو إلى مسيرة ذات مطالب اجتماعية. من حقها أن تدعو إلى مسيرة ذات مطالب سياسية، لكن هنا من حقنا أن نسائل طبيعة هذه المطالب السياسية. هل المطلب السياسي يتقدم بنا على خط الوضوح السياسي، أم أنه يشوش الرؤية؟
ورغم كل ذلك، فيمكن التسليم بحق أي كان أن يقول ما يشاء، لكن ما يفرض علينا وقفة مساءلة هو حضور القوى الداعمة لحركة 20 فبراير في هذه التظاهرة. ما ذا تفعل القوى الديمقراطية الجذرية في مسيرة اختلطت بها روائح الردة السياسية (عرابي التناوب المخزني) وروائح G8 .
إن من مخاطر هذا الحضور، هو تقوية تيار المشاركة داخل هذه القوى. وبدون شك سيضغط هذا التيار بقوة، مستعملا "رضاعة" (على وزن فزاعة) التحالف مع الحزب الاشتراكي الكبير الذي، حسب المناضلين الطيبين، عاد إلى قواعده اليسارية المعارضة. لكن هيهات...فهذا الجزب اختار معسكره بعيدا عن اليسار المناضل، مثلما اختارت العدالة والتنمية معسكرها بعيدا عن الاسلاميين الديمقراطيين المرتبطين بالمستضعفين والمعارضين للاستبداد.
إن تحريف البوصلة يبدأ من استبدال مواجهة حكومة البارشوك السياسي بالمخزن المتخلف والمستبد. تغيير البوصلة وتحريفها سيمس الموقف من العملية السياسية ككل. ستظهر دعوات للمشاركة في الانتخابات البلدية. سيدفع الخط التحريفي بحجة رفض سياسة الكرسي الفارغ، مثلما سيدفع بحجة مزاحمة "الاسلاميين" (كذا) في المؤسسات. هنا سيبتلع هذا الخط التحريفي الطعم،ويدخل في صراع ديكة مع إفرازات المخزن بدل تزخيم دينامية ال فبراير لدحر الاستبداد المخزني.
إن العرض السياسي الذي تقدم به المخزن هو عرض كلي يتكون من حلقات، تبدأ بالدستور الممنوح، وتنتقل إلى الانتخابات التشريعية وتنتهي بالانتخابات البلدية. لا يمكن فصل حلقة عن أخرى. فمن يقاطع حلقة ويشارك في التالية، فهو كالتي نقضت غزلها، أو الجمل الذي يدك كل ما قام بحرثه.
إن أول إعلان بالمشاركة في الانتخابات البلدية تتقدم به قوة سياسية من القوى الداعمة ل20 فبراير، هو إعلان، من طرف هذه القوة، بأن المخزن أفلت من التغيير الذي جاء به الربيع، وأنه لم يعد هناك إلا العودة إلى "الحظيرة" بتعبير أحمد مطر، لمصارعة حكومة كبير الموظفين من أجل منصب "الوظيفة الأولى".
إن الإبداع السياسي هو أن تواجه حكومة البارشوك دون أن تمنح وقتا للراحة للمخزن، وأن تواجه المخزن دون أن تترك وقتا تستريح فيه حكومة البارشوك. إن القحط في الخيال والعياء في الإرادة، هو أن تهادن المخزن وتزاحم حكومة البارشوك على وظيفة مطفئ الحرائق. إن العطب في الرؤية وتهور الإرادة هو أن تواجه المخزن وتهادن أدوات عمله.
إن الجمع بين "الحسنيين" يكون بالنضال في مواجهة المخزن ومواجهة حكومته، لكن خارج مؤسسات هذا المركب المخزني الذي ليست الحكومة إلا الجزء الظاهر منه، أي في الشارع.
هذا هو درس ربيع الأمة الديمقراطي، وهذا هو المكسب الذي خلقته حركة 20 فبراير، التي يجب علينا جميعا أن ندعمها لتنطلق بسرعة أعلى، فعلى الأبواب ظروف وشروط إقليمية وعربية بدأت تتشكل.
ثانيا: قانون الأحزاب:
من مؤشرات إفلات المخزن من دفع الحساب، استمرار تنظيم الحياة السياسية من خلال قانون أحزاب غير ديمقراطي. إنه قانون لا يليق بأي بنظام سياسي يريد أن ينتمي إلى نادي الدول الديمقراطية؛ فهذا القانون يرتكز على مبدأ الترخيص (التحكمي) بدل القيام على مبدأ التصريح؛ كما أنه يطلق يد وزارة الداخلية، العريقة في التزوير والضبط والقحط وتجفيف الحياة السياسية، أقول يطلق يد وزارة الداخلية لتقتل الحياة السياسية والأحزاب السياسية المستقلة، وهذا لأنه جعل حق رفع الأحزاب قيد التأسيس إلى القضاء بيدها، وهي الفاقدة للأهلية الديمقراطية التي تخول لها الإشراف على تنظيم الحياة السياسية.
لقد كان الأولى، لو لم يفلت النظام المخزني من مستحقات ربيع الامة الديمقراطي، أن يجري تأسيس الاحزاب بمنطق التصريح، وألا يكون لوزارة الداخلية الشهيرة أي إشراف إلا الإشراف التقني "الورقي"، على أن يكون الإشراف القضائي (رفعا وحكما) بيد القضاء.
إن التطبيق الفعلي والوجه العملي البشع لهذا القانون، الذي هو إدانة للنظام الذي وضعه، وإدانة للأحزاب التي وافقت عليه، أقول إن الوجه البشع لهذا القانون هو قيام الوزارة الشهيرة بإحالة ملف تأسيس حزب الأمة على القضاء بحجج واهية، لا يُلتفت إليها عادة في مجالات عدة من مجالات الحياة العامة للمواطنين.( ليس هنا مكان التفصيل في هذه الفضيحة السياسية للوزارة الشهيرة بل وللنظام الشهير).
لماذا أعتبرت أن اضطهاد حزب الأمة مؤشر من مؤشرات إفلات المخزن من مستحقات الربيع؟
إن ذلك مؤشر على أن المخزن وثق في نفسه، وتأكد لديه أن مخاطر الربيع قد زالت، وإلا لما تعامل مع حزب الأمة بهذا الشكل.
لماذا التركيز على حالة هذا الحزب؟ أركز على محنة هذا الحزب لأنه يذكرني بالقمع الذي سلطه بنعلي على النهضة.فبعدما كانت النهضة ترغب وتعلن عن خيارها في العمل السياسي من داخل المؤسسات، لم تنل حقها المشروع إلا بعدما صرح بنعلي "افهمتكوم" لكن لات حين مناص.
إن من علامات إفلات النظام المخزني من مستحقات التغيير، هو الاستمرار في منع الأحزاب كما لو أن بنعلي لم يهرب ويلجأ إلى بلد هو عاصمة التدين البدوي الذي كان بنعلي يقدم نفسه نقيضا له، أو كأنما القذافي لم يقتل في قادوس مثل الجرد، أو أن مبارك لم يصدر في حقه حكم بالمؤبد لم يرض به الشعب الطامح إلى إعدام "الريس"، أو كأنما علي صالح لم يرحل محروقا، أو كأن بشار لا زال امامه الوقت والفرص، كي لا يرحل بدل أن يقع في يد الثوار فيتمنى حينها ألف سنة سجنا في لاهاي، على أن يقف أماممحكمة في بابا عمرو أو في "حماة الثأر" ... يتصرف النظام المخزني بطمأنينة وكأن لا شيئ في عالمنا تغير.
أدوات الإفلات:
إستعمل النظام المخزني، للإفلات من مستحقات ربيع الأمة الديمقراطي، أداتين هماالاداة السياسية والأداة الاقتصادية.
على المستوى السياسي، قدم المخزن عرضا له ركنان: ركن دستوري أخذ شكل تعديل دستوري مخدوم. وركن انتخابي، أقدم فيه المخزن على شرب "السم " بحثا عن الحد الأدنى من "الضرر السياسي". وقد انتهى هذا المسار الدستوري/ السياسي بتشكيل حكومة جديدة، في انتخابات سابقة لأوانها، برئاسة حزب "العدالة والتنمية" الذي قبل بأن يلعب دور "بارشوك سياسي" يرد عن المخزن الضربات.
وأخطر ما يمكن أن يفرزه هذا الالتفاف السياسي، هو أن تبلع القوى الداعمة الطعم، فتجعل معركتها مع البارشوك في ملعب الانتخابات البلدية، تحت شعار مزاحمة الفساد، بدل ان تكون معركتها مع الاستبداد المخزني الراعي الأوحد للفساد، في الملعب الذي حددته حركة العشرين، على أرضية كنس الاستبداد ودحره، من خلال الانتقال بدينامية الحركة إلى سرعات أعلى.
على المستوى الاقتصادي، لجأ المخزن، وبسرعة قياسية غير معهودة، إلى إقرار زيادة في الأجور بمقدار 600 درهم. وقد كان واضحا أن المقصود بهذه الزيادة هو شراء صمت النقابات، هذا علما أن نقاباتنا غير مستعدة أصلا لمجاراة دينامية الربيع المغربي كما فعل الاتحاد التونسي للشغل. نقاباتنا تمارس نضالا نقابيا صرفا، لا يسعى إلى خلخلة أو تغيير العلاقات الاستغلالية.
مجمل القول إن المخزن قد وظف أدوات سياسية وأخرى اقتصادية للإفلات من التغيير. وقد استعان في ذلك بفريق عمل سياسي يتكون من أحزاب "التناوب" وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، وحزب "العدالة والتنمية". كما استعان المخزن، موضوعيا، بالنقابات التي لا ندري متى ستَحُلُ، بالنسبة لها،فرصة تحطيم العلاقات الاستغلالية. هل تنتظر فصلا أفضل من هذا الربيع، أم أن التغيير بالنسبة لها سيكون شهرين قبل يوم القيامة.
بدون ذلك سنسمع طويلا "افهمتي ولا لا " ولن نسمع ابدا "افهمتكوم ايوا افهمتكوم".
الأحد 10 يونيو 2012 –


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.