ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين المغرب وإيران .; تدافع مصالح قوي من الخليج حتى دول الساحل
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 09 - 2015

قد لا يبالغ الواحد منا، حين يجزم (دون أن نحمل معنى الجزم هنا، ما هو قطعي) أن "اتفاق فيينا" ليوم 14 يوليوز 2015، بين إيران والقوى الوازنة عالميا (مجموعة الدول الخمس الدائمي العضوية بمجلس الأمن، زائد القوة المالية الأولى بأروبا: ألمانيا)، سيؤرخ له كتدشين لانعطافة غير مسبوقة في وجود العالمين العربي والإسلامي، هو الذي سيدخل حيز التطبيق 90 يوما بعد أن صادق عليه مجلس الأمن يوم 20 يوليوز 2015. لأنه، بكل مقاييس التحليل السياسية والإستراتيجية، اتفاق سيكون له ما قبله وما بعده، في الوجودين العربي والإسلامي بالقرن 21 كله. أكثر من ذلك، يمكننا الذهاب أبعد، ونتساءل إن لم يكن "عالم عربي وإسلامي جديد" قد ولد بعد "اتفاق فيينا" وليس فقط "إيران جديدة"؟. لأن من يعتقد، أن ما تم التوقيع عليه، مجرد رسم لخرائط الذراع العسكرية النووية الإيرانية، هو مخطئ. أعمق من ذلك، إن ما تم إنهاء خطاطته في فيينا، بعد جولات عدة، في عدد من مدن أروبا، منذ 2003، بين خبراء البلدين، إنما هو ترسيم شمولي لخريطة مصالح "أوراسية" جديدة تهم قرننا الجديد بكامله، لطهران دور محوري فيه. هل تم ذلك مرة أخرى على حساب "العرب"؟. الحقيقة إن الجواب الأسلم، هو أن ذلك تم على حساب من لم يبلور قوة للدولة الحديثة، دولة المؤسسات (لا منطق العشائر والطوائف).
السؤال الأهم، الذي يعنينا هنا، بخصوص "إيران الجديدة"، هو: كيف هي علاقتنا مغربيا بطهران، وكيف يجب أن تكون؟ (وهو سؤال سابق، ولاحق، على عدم شمول جولة وزير خارجية إيران الداهية محمد جواد ظريف المغاربية للرباط). لا يمكن مرة أخرى، أن نسقط درس التاريخ، في محاولة الجواب على هذا السؤال. وأول دروسه أن تراكم منطق الدولة عندنا وعندهم قديم، ربما بسبب أننا بقينا دوما بلاد أطراف بعيدة عن مركز الحكم في دمشق وبغداد والحجاز، مما أنضج إنسية حضارية مسلمة مختلفة هنا وهناك. دون إغفال أن العنصر العربي وافد اجتماعيا وتاريخيا على الجغرافيتين معا، وأن انصهاره في بوثقة الخصوصية الفارسية شرقا والخصوصية الأمازيغية غربا، قد تم باختلافات حكمها منطق الصراعات الجيو ستراتيجية لكل مجموعة بشرية منهما. فالمجموعة الفارسية في علاقتها كوسيط بين الإسلام والهندوسية (كبوابة لطريق الحرير القديمة بين الشرق والغرب)، قد تشكلت حضاريا بشكل يوازي شكل تشكل المجموعة المغربية، التي تكونت أيضا من خلال لعبها دور الوسيط بين قارتين (إفريقيا وأروبا) وبين حضارتين (الإسلام والمسيحية)، وأن الدولة المغربية تبلورت دوما كقنطرة بين ذهب تمبوكتو والسودان القديمة جنوبا وبين موانئ جنوة ومارسيليا وأمستردام وليفربول ولشبونة وبرشلونة شمالا. بالتالي فأسباب تبلور الهوية الفارسية تتقاطع مع أسباب تبلور الهوية المغربية، لهذه الأسباب التاريخية. والمشترك بينهما، هو تبلور منطق للدولة مستقل (نفس الأمر تحقق مع المجموعة الثالثة، المسلمة غير العربية، في بلاد الأناضول بين قارتي آسيا وأروبا. أي تركيا اليوم).
لو انطلقنا، من جملة قفل في كتاب علمي دقيق، مثل كتاب المؤرخ والباحث الأنثربولوجي الإيراني يرفند إبراهيميان، الأستاذ الباحث بجامعة برينستون الأمريكية "تاريخ إيران الحديثة"، فإنه قد "دخلت إيران إلى القرن 20 بالثور والمحراث الخشبي، وخرجت منه بمعامل للصلب وبواحد من أعلى معدلات حوادث السير في العالم، وببرنامج نووي يثير رعب الكثيرين". ويحق لنا هنا التساؤل: إيران تلك، التي دخلت القرن 21 باتفاق فيينا ليوم 14 يوليوز 2015، مع العالم (لأنه اتفاق تم مع القوى التي تصنع قدر المصالح الحاسمة دوليا)، كيف ستخرج منه؟. هذا سؤال مرعب للكثيرين في دنيا العرب مشرقيا. خاصة أن طهران، حين يخطب الكثيرون في الشرق الأوسط، تصمت هي، تستغل التناقضات وتربح على الأرض. يكفي هنا تأمل تراجعها التاكتيكي في اليمن، من خلال تغيير شكل تعاملها مع الملف اليمني عبر الذراع الحوثية، لإدراك ذلك. وأيضا شكل تعاملها الجديد مع الملف السوري عبر ذراع حزب لله اللبناني للتيقن من ذلك أكثر. مما يقدم الخلاصة المركزية، أن بلاد فارس بنظامها السياسي الخميني، إنما تتحرك بمنطق القوة الإقليمية، التي حددت خريطة دورها مع قوى العالم، الذي تبلور من خلال مسلسل طويل من التفاوض، تم تتويجه باتفاق فيينا هذا الصيف. فكيف، يمكن أن تكون علاقة المغرب معها إذن؟.
طهران، تدرك أكثر من غيرها، عاليا، أن الرباط مختلفة ضمن كل خريطة المسلمين والعرب. مختلفة بقصة علاقاتها القديمة مع بلاد فارس، وأيضا بقصة تركيبة مجموعتها البشرية سوسيولوجيا (مما كان قد قاله لي مرة الراحل الفقيه البصري، أنه حين التقى المرشد العام خامنئي قد قال له "نحن لا يمكن أبدا أن نغضب من المغرب والمغاربة، ولا من النظام المغربي، لأنهم من أحفاد آل البيت. ثم إن المغاربة بالنسبة لنا يعزون آل البيت وأنهم مغلفون بقشرة رقيقة من السنية" ). وهي مختلفة أيضا بدورها الوازن ميدانيا بمنطقة الخليج، وأن دورها في قيادة مدرسة الفقه بكل الغرب الإسلامي حاسم.
علينا، هنا مثلا، أن لا ننسى، أن الرباط ظلت لعقود، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إلى حدود سنة 1979، تاريخ سقوط نظام آل بهلوي وتأسيس الجمهورية الإسلامية الخمينية، تلعب دور "الوسيط الإيجابي" ضمن احتدام صراع المصالح بين دول الخليج وطهران (خاصة الإمارات والسعودية)، مثلما ظلت تلعب دورا حتى في اتجاه باكستان (زمن الجنرال ضياء الحق). ويعود أساس ذلك الدور المغربي، إلى طبيعة تطور تدافع المصالح هناك بالخليج العربي من الكويت حتى ممر هرمز، منذ أواسط الستينات من القرن 20. لأن الدول المستقلة الجديدة هناك، خاصة البحرين وقطر والإمارات، قد وجدت نفسها طيلة نهاية الستينات وكل السبعينات، محط تنازع نفوذ بين قوتين استراتيجيتين كبريين بالخليج العربي، هما الرياض وطهران؟؟ الأولى، كونها تؤمن أنها اللاعب الأول والأوحد، في كل شبه الجزيرة العربية، الذي يرى أن له الحق في فرض شروطه السياسية والاقتصادية والأمنية والجيو ستراتيجية؟ وأن كل دول الجوار (الصغيرة جغرافيا، والضعيفة سكانياً)، عليها أن تنتظم ضمن الحساب القومي السعودي. وبعض من المخاض الذي عاشه مجلس التعاون الخليجي في بدايات تأسيسه واحد من العناوين الكبرى التي عكست هذا التنازع وهذا الطموح الإقليمي للرياض. فيما الثانية، ظلت تؤمن أنها القوة الإقليمية الأولى في كامل خليج العرب (تعتبره طهران خليج فارس)، وأنها التجمع البشري، المؤهل، بحكم قوة التراكم التاريخي للحضارة الفارسية، وبحكم قوتها الاقتصادية (البترول) وقوتها العسكرية (الحليف رقم 1 للغرب وأساسا واشنطن حتى 1979)، لفرض نفوذها السياسي على كل دول الجوار. وأول دول الجوار، عربيا، بالنسبة لها هي: العراق، الإمارات (بجزرها الاستراتيجية الثلاث وميناء دبي الهام جداً) والبحرين وسلطنة عمان. ولقد خصصت لكل واحدة منها أسلوب تعامل خاص، يفرضه ميزان القوى المرتبط بمناعة دفاع كل واحدة منها??
كان حظ الإمارات، مثلا، لأهميتها ملاحيا أن تضيع منها حتى الآن جزرها الثلاث الاستراتيجية ببحر الخليج العربي، "طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبوموسى". وهي جزر تقع بين شاطئ الخليج العربي وجزيرة "قشم" الإيرانية، وعلى درجة هامة من الناحية الإستراتيجية، لأنها تقع في المنطقة الأكثر عمقا من مياه الخليج العربي، وتعتبر بر أمان لكل السفن عند مدخل الخليج العربي في حال هبوب العواصف الخطيرة والشديدة? وبسبب وقوع الدولة الفتية حينها (الإمارات) بين كماشتي القوتين الإقليميتين الكبريين بالجوار، الرياض وطهران، وبسبب صعوبة أن تلعب القاهرة وبغداد ودمشق دور التوازن في معركة الصراع على النفوذ هذه، التي ولدت فيها الدولة الجديدة، بين سنوات 1967 - 1971، لتقليم اندفاع الرياض وطهران، خليجيا، لاصطفاف تلك الدول العربية الثلاث كلها - آنذاك - في المعسكر الشرقي، زمن الحرب الباردة، كانت الرباط (على بعدها الجغرافي، وهنا المفارقة التي تثير على مستوى علم السياسة والعلاقات الدولية)، الأكثر تأهيلا للعب دور "الوسيط الإيجابي" بين تلك الطموحات الإقليمية، التي لا يمكن إسقاط، أنها كانت تستفيد من دعم القوى الدولية في المعسكر الغربي ( لندن وواشنطن أساسا)، لما تمثله من خزان طاقي وأيضاً من ورقة توازن في المنطقة الخليجية كلها، سواء اقتصاديا، ثقافياً أو أمنياً? وكانت الرباط هي الأكثر تأهيلا، حينها، على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لأمرين حاسمين:
1 أنها مصطفة بدورها في صف المعسكر الغربي سياسيا واقتصاديا وأمنيا (خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا)? وبالتالي، مرغوب منها أن تلعب دور "الوسيط الإيجابي" ذاك في ما يرتبط بالملف الخليجي - الإيراني??
2 أنها، تاريخياً ومصلحياً، ترتبط بعلاقات وازنة ومؤثرة مع طهران (الشاهنشاهية) ومع الرياض (السعودية)? وأن ذلك منحها دوماً أن تلعب دور الوسيط ذاك بين العائلتين الملكيتين الحاكمتين ببلاد فارس وببلاد الحجاز. مما جعل وسائل عمل وتحرك الرباط خليجيا قد كانت ذات أثر فعلي في الميدان. فكان أن تلاقت ثلاث انتظارات توحدها المصلحة إقليميا ودوليا، حينها، هي:
أ انتظارات المعسكر الغربي، الحريص على حماية مصالحه الحيوية بالمنطقة?
ب الطموحات المتنافسة للقوتين الاقليميتين بالخليج، طهران والرياض?
ج أمل الدول الخليجية الفتية (خاصة البحرين والإمارات)، في الحق في الأمن والاستقلال والمناعة الاقتصادية??
هنا، كان الدعم الملموس الذي قدمه المغرب لتلك الدول (خاصة للإمارات)، منذ السنوات الأولى لاستقلالها حاسما ومؤثراً، خاصة على المستويين السياسي والأمني? حيث وظفت الرباط ما تمتلكه من خبرة ولوجيستيك في هذين المستويين، بالشكل الذي ساعد في ضمان خلق أسباب الاستقرار، المفضي إلى اكتساب المناعة للدولة الوليدة، وتصبح ليس فقط "دولة شقيقة" بالمعنى الدبلوماسي للعلاقات بين الدول، بل "حليفا استراتيجيا"، ولا تزال.
هنا يكمن عمق قوة العلاقات المغربية الخليجية (خاصة مع أبوظبي والرياض والمنامة)، بالشكل الذي ظل يمنح للرباط أن تكون ورقة وازنة في سياسة دول الخليج الإقليمية. وطهران البارحة واليوم تدرك ذلك جيدا، وتدرك أن شكل العلاقات مع الرباط، جد معقد ومتشابك ودقيق، وأنه يتطلب بالتالي كياسة كبيرة، لا تتحقق لغير الديبلوماسية المحترفة، المتأسسة على تراكم لتجربة منطق الدولة. وأنها تدرك أهمية الحرص على العلاقات السياسية والإقتصادية معه، بالشكل الذي يجعله يواصل ذات دوره القديم في أن يكون "وسيطا إيجابيا" بينها وبين دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات والبحرين. لكن، هل هذا وحده الملف الحاسم في تحديد شكل علاقات المغرب مع إيران.
الحقيقة، أن تمة ملفا آخر على ذات القدر من الأهمية الإستراتيجية، هو إفريقيا الغربية. هنا تريد إيران، أن لا تكون فقط، قوة إقليمية بجوارها الجغرافي الخليجي والعربي والآسيوي (تجاه باكستان وأفغانستان وتركيا وبحر قزوين)، بل إن طموحها أن تصبح قوة دولية عبر بوابة أن تكون قوة إسلامية. هنا الطموح السياسي والإستراتيجي أكبر.
ليس اعتباطا، أنها دخلت في مسلسل طويل من محاولات رسم شكل علاقات خاصة مع السودان، القوية بتوفرها على ميناء "بورت سودان" الإستراتيجي على البحر الأحمر، كورقة ضغط ضمن استراتيجيتها لخلق الأسباب لشكل معين للعلاقات الجديدة مع مصر. مثلما أنها تحاول بقوة (وفي صمت وبدون ضجيج إعلامي)، أن تخترق شبكة الزوايا الدينية بدول الساحل، التي هي تقليديا تابعة روحيا للمدرسة الفقهية المغربية المالكية الأشعرية على طريقة الجنيد. وأن خريطة هذا الإختراق، لا تتم عبر المشرق العربي، أي عبر مصر والسودان، بل إنها تتم عبر أروبا، من خلال خط مثير، هو خط "بروكسيل ? المغرب - موريتانيا". علينا الإنتباه، أنه خلال 15 سنة الأخيرة، قد نجحت طهران، بهدوء وفي صمت، في خلق شبكة ذراع دينية قوية لها في أروبا الغربية، مركزها بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، وامتدادها يصل إلى غرب إفريقيا عبر مدن طنجة والدارالبيضاء المغربية ونواكشوط الموريتانية.
والكثير من الحملات الإعلامية التي تشنها من حين لآخر وكالة "فارس للأنباء" شبه الرسمية، كونها تابعة للحرس الثوري الإيراني، ضد المغرب، إنما يكمن سببها في الدور المغربي الوازن والمؤثر دينيا بدول غرب إفريقيا. وهي الحملة التي تصل أحيانا حد اتهام المغرب بالعمالة لإسرائيل، مثلما تحاول فتح الباب لخطاب الإنفصاليين الصحراويين بتيندوف، كما سجل مؤخرا في إحدى القنوات الإيرانية الخاصة، التابعة بدورها للحرس الثوري. وسبب كل هذا القلق الإيراني، من قبل الجناح المتشدد للسلطة هناك، المستند على البنية الإيديولوجية التي تمثلها حوزة "قم"، إنما راجع إلى إدراكها لقوة النفوذ المغربي دينيا، ولإمارة المؤمنين للعاهل المغربي، بتلك الدول الإفريقية المسلمة. ذلك أن المخطط الإيراني للتغلغل في الغرب الإفريقي ودول الساحل، الذي شرع فيه منذ سنة 2001، خاصة بعد أحداث 11 شتنبر بالولايات المتحدة الأمريكية، ونضوب التمويل الخليجي لعدد من دور العبادة السلفية هناك. أن ذلك المخطط، يتم بهدوء وإصرار عبر الجالية اللبنانية الشيعية القوية بعدد من كبريات مدن تلك البلدان، والتي لها مشاريع اقتصادية وازنة (خاصة في تجارة القهوة والكاكاو والعاج بدولة ساحل العاج، ثم تجارة الماس بدولة سيراليون).
لقد عملت طهران، بالتوازي مع تعزيز حضورها الديبلوماسي بإفريقيا (فتح 30 سفارة بها منذ 2003)، على الإستثمار بقوة في الشق الثقافي والديني، من خلال فتح عدد من المدارس والحوزات الشيعية بعدد من هذه البلدان بغرب إفريقيا. وتوجت ذلك بتنظيم القمة الإفريقية الإيرانية سنة 2010، وأيضا فتح الباب لمئات من الطلبة الأفارقة المسلمين من هذه الدول للدراسة بإيران والعراق، خاصة بجامعتي "جعفر الصادق" و "فاطمة الزهراء" الشيعيتين، مما وفر لها بنية تنظيمية لتحقيق اختراقها الديني بالمنطقة الشاسعة تلك، التي تعاني خصاصا وفقرا على كافة مستويات التنمية. ومن أبواب تحقيق ذلك الإختراق، المؤسسات الخيرية التي يتم تأسيسها، والتي يشرف على تمويلها الحرس الثوري الإيراني، عبر وساطات متعددة ومتشعبة، تمتد بين بيروت وبروكسيل مرورا عبر المغرب وموريتانيا غربا ومن السودان شرقا (علينا التذكير هنا ببلاغ رسمي مغربي كان قد صدر حين قطعه العلاقات مع إيران، تمت فيه الإشارة لغضب الرباط من تغلغل شيعي إيراني بالمغرب).
إن التنافس الديني، إذن، كآلية حاسمة للنفوذ الإستراتيجي، بكل منطقة الغرب الإفريقي، من النيجر ودارفور شرقا حتى خليج غانا بكل فسيفساء دوله، التي المسلمون فيها يشكلون الأغلبية، غربا. مرورا بمسلمي شمال نيجيريا، محصور عمليا منذ أكثر من 15 سنة، بين ثلاث قوى مذهبية وسياسية وازنة ومؤثرة، هي: التيار السلفي الوهابي الخليجي، والتيار الشيعي الخميني الإيراني، ثم التيار التقليدي والتاريخي الأقدم، والأقوى، المغربي المالكي. وضمن صراع النفوذ هذا، نجد أن إيران، لا تستغل أبدا أرواقا كلاسيكية في تدافعها مع الإستراتيجية المغربية بغرب إفريقيا، مثل ورقة ملف الصحراء الغربية للمغرب، بشكل علني ورسمي. ليقينها أن دور المغرب في جوارها الخليجي وازن ومؤثر، وبالإستتباع ضمن خريطة المؤتمر الإسلامي، وأيضا ضمن الملف الفلسطيني، ليس فقط في علاقة مع كل التنظيمات الفلسطينية، بل حتى مع إسرائيل (التي خمس سكانها من أصول مغربية).
هو في المحصلة، تدافع بين كبيرين. كبيرين في التاريخ كدول، وكبيرين كقوى إقليمية لها امتدادات جهوية وقارية ودولية مؤثرة وحاسمة. وأكيد أن لهما ما يكفي معا من الفطنة، لإدراك أن خريطة علاقاتهما لا يمكن إلا أن يكون مختلفا عن الكثير من خرائط العلاقات التقليدية والكلاسيكية بين أطراف العالمين العربي والإسلامي. وهنا لربما يكمن السر في عدم شمول جولة وزير الخارجية الإيراني الداهية محمد جواد ظريف لمنطقة المغرب العربي، الرباط. لأن التهييئ لها، إلزاما، مختلف وخاص. مع الإنتباه، أن ملف هذه العلاقات، ليس محصورا فقط في ما هو سياسي، بل تمة معطى اقتصادي آخر وازن ضمنها. وهو المعطى، الذي كانت بعض ملامحه الجنينية قد وضعت أسسه الزيارة التاريخية، غير المسبوقة، التي كان قد قام بها الوزير الأول المغربي عبد الرحمن اليوسفي، حين قيادته لحكومة التناوب، زمن الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. المتمثل في التعاون الإقتصادي على مستوى تصدير فوسفاط المغرب، الغني باليورانيوم إلى طهران، تماما مثلما يتحقق مع الهند وباكستان والصين.
بين المغرب وإيران، مشترك آخر، هو أنهما معا بلدان منتجان لأجود أنواع الزعفران في العالم، وأيضا لأنواع لا مثيل لها في العالم من الزرابي والسجاد. وهي بذلك، تمتلك ما يكفي من الفطنة لتهيئ طبق سياسي علائقي، بتوابل هادئة، على نار "مهيلة" (خفيفة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.