على مدار حملتها الانتخابية الرئاسية ربما لا تكون هناك صورة أكثر اكتمالًا لهيلاري كلينتون من لمحتين لها في الآونة الأخيرة. أولاهما، مقطع مصور لحوار بعيد عن الأضواء مع نشطاء من حركة «حياة السود ذات شأن». وفي هذا المقطع ظهرت المرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016 بالصورة التي يراها بها معجبوها، والتي نادراً ما يراها بها الجمهور في البيئة المنظمة بدقة في حملتها. وهذه الصورة تظهر فيها كلينتون صادقة وصريحة وبراجماتية. فقد أبدت تعاطفاً مع مخاوف زعماء الحركة وأيضاً احتراماً لخبراتهم في الحياة. ولكنها حثتهم على أن يأتوا بمجموعة محددة من الأهداف السياسية «ففي السياسة، ما لم تستطع شرح الفكرة وتسويقها فإنها ستبقى على الرف». غير أن كلينتون لم تعط نشطاء «حياة السود ذات شأن» كل ما كانوا يريدونه خاصة عندما ضغطوا عليها لتتحمل بعض المسؤولية عن وجود نسبة كبيرة من الأمريكيين الأفارقة في السجون. ورفضت فكرة أن سياسات مثل قانون مكافحة الجريمة لعام 1994 الذي وقعه زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون كان بحسب قول الناشط جوليوس جونز «امتداداً في الواقع لتكريس تفوق العنف الأبيض ضد الجماعات الملونة»! وردت كلينتون قائلة: «لا أتفق معك.. من المهم أن نتذكر، وأنا أتذكر بالتأكيد، موجة جرائم خطيرة للغاية كانت تؤثر في الأساس على الجماعات الملونة والفقراء». وربما يشير هذا إلى استعداد كلينتون لأن تكون قائداً جيداً للقوات المسلحة. فقد كانت مهتمة وواثقة من نفسها لتعلن أنها لن تحابي أحداً. وقالت كلينتون: «يتعين أن نتحد كحركة ونعلن عما نريد فعله بهذا الشأن.. لأنه يمكنكم أن تحصلوا على أي عدد من المؤيدين من البيض وغيرهم.. هذا ليس كافياً.. ليست هذه هي الطريقة التي أرى بها السياسة». ولكن في اليوم التالي لنشر هذا المقطع أظهرت كلينتون مجموعة أخرى من السمات التي قد تدمر مساعيها للفوز بمنصب الرئيس. ففي مؤتمر صحفي واجهت فيه أسئلة حادة من الصحفيين، بشأن الجدل المتصاعد بشأن استخدامها نظاماً للبريد الإلكتروني الخاص حينما كانت وزيرة للخارجية، بدت كلينتون حادة الطباع وتشدد على ردودها بهز كتفيها باستياء مبالغ فيه. والجدل بشأن نظام البريد الإلكتروني الشخصي لكلينتون ومسألة ما إذا كانت قد عرّضت الأمن الوطني للخطر بوضعها معلومات حساسة في قنوات ليست آمنة يستثير مجموعة أخرى من ردود أفعالها. وهذه الأنواع من التصرفات تظهر عندما تواجه كلينتون خاصة وسائل الإعلام. ويؤكد أحد الأشخاص الذين يعرفون كلينتون منذ أكثر من 40 عاماً أن الوزيرة السابقة ليست لديها أسرار، ولكنها حريصة على خصوصيتها. ووجدت كلينتون صعوبة في جانب كبير من حياتها العامة كي تتكيف مع واقع أن الحفاظ على الخصوصية غير واقعي لمن يتصدى لشؤون عامة على المسرح القومي. واعترفت أيضاً بأنها لا تفهم جيداً متطلبات الصحافة واهتمامات الجمهور وحقه في معرفة أشياء عنها وعن زوجها. وقد ترددت أصداء هذا الحرص على الخصوصية في المؤتمر الصحفي الذي عقد الأسبوع الماضي. وسئلت عن قرارها بشأن إزالة أكثر من رسالة اعتبرتها خاصة من حسابها قبل أن تسلم نسخاً مما تبقى إلى وزارة الخارجية في دجنبر. وكان جوابها «الرسائل الشخصية هي شأني الشخصي أليس كذلك؟.. بموجب القانون، القرار يتخذه المسؤول، وأنا كنت المسؤول.. واتخذت هذه القرارات.. الأشياء الشخصية لم نقدمها، لست ملزمة بذلك». وهذا النوع من التصريحات يضاف إلى الأسئلة التي أثيرت عن تقديرها للموقف في اتخاذها قرارها الأصلي بألا تستخدم حساب البريد الإلكتروني الحكومي واقتصارها على الاعتماد على حساب شخصي. ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف.بي.آي» حالياً في مدى أمن المعلومات في بريد كلينتون الإلكتروني. والمشهدان يظهران صورة حقيقية لكلينتون ويعطياننا فكرة عن نوع الرئيس الذي يحتمل أن تكونه. ويرى «بول بيجالا» المستشار والخبير السياسي الذي عمل مع كلينتون لعقود ويعمل حالياً في حملة دعمها أن هذا يمثل «كل ما تحبه وتكرهه كلينتون في السياسة جنباً إلى جنب، وكل منهما جزء من العملية». وإذا انتخبت كلينتون رئيساً فلن يكون لها هذا النوع من حرية التصرف في تحديد ما هو عام وما هو شخصي. فهل ستحصل كلينتون على فرصة كتابة تركتها الرئاسية؟ قد يعتمد هذا على ما إذا كان الأميركيون سيرون من جوانب قوّتها أكثر مما يرون من ضعفها. وكانت هيلاري كلينتون قد ردت، يوم السبت، على تصريحات الجمهوري جيب بوش، التي قال فيها إن سياسات الرئيس باراك أوباما تجاه العراق أحدثت اضطرابًا أدى إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». وألقت كلينتون باللوم على شقيق الرئيس السابق جورج بوش الذي أمر بالغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للعراق عام 2003، ووقّع أيضا الاتفاقية الخاصة بانسحاب القوات الأمريكية. وقالت في مؤتمر صحفي خلال زيارة لولاية أيوا في إطار حملتها الانتخابية «أجد أن من الغريب على نحو ما أن يركّز جيب بوش جهوده في الدفاع عن أفعال شقيقه في العراق». وأضافت «لكن إذا كان سيفعل ذلك فعليه أن يعرض الصورة بأكلمها. والصورة بأكملها كما تعرفون تشمل الاتفاق الذي أبرمه جورج دبليو بوش مع حكومة المالكي في العراق والذي حدّد نهاية 2011 موعدًا لانسحاب القوات الأمريكية.» ويقول جيب بوش وهو من المتنافسين البارزين على نيل ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة عام 2016 إن أوباما وبالتالي كلينتون أهدرا فرصة الإبقاء على قوة طارئة من نحو عشرة آلاف جندي عندما رحلت القوات الأمريكية عن العراق في 2011. ومعلوم أن 27 نائبا، من أصل 46 عضوا بمجلس الشيوخ يشكلون الفريق النيابي الديموقراطي، أعربوا، الاثنين الماضي، عن دعمهم لترشيح كاتبة الدولة في الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة سنة 2016. ويعتبر ممثل ولاية هواي، بريان شاتز، آخر سيناتور يلتحق بمعسكر مؤيدي السيدة هيلاري كلينتون، بعد إعلانه عن ذلك عبر حسابه بالموقع الاجتماعي «توتير» وعبر بلاغ صحافي وزع على وسائل الإعلام. وترى القناة الإخبارية (سي إن إن) أن حملة «مستعدون لأجل هيلاري» (ريدي فور هيلاري)، التي تعتبر لجنة عمل سياسية لجمع التبرعات لحملة ترشيح السيدة كلينتون للانتخابات الرئاسية لسنة 2016، لعبت دورا كبيرا في حشد «موجة التأييد». وقد أعلن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين البارزين، ومن بينهم مارك وارنر (فرجينيا) وديك روبين (إيلينوي) وهاري ريد (نيفادا) وروبرت مينديز(نيوجيرسي) وشيرود براون (أوهايو) عن اصطفافهم إلى جانب السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة، التي لم تعلن بعد بشكل رسمي عن ترشيحها. وقد كشف استطلاع للرأي نشرته شبكة الأخبار الأمريكية (سي إن إن) أن هيلاري كلينتون، والجمهوري ميت رومني، يعدان أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016. وأعرب نحو 65 في المئة من الناخبين الديمقراطيين عن دعمهم لسيدة أمريكا الأولى سابقا، تليها السيناتورة عن ولاية ماساشوسيتس، إليزابيث وارين (10 في المئة)، ثم نائب الرئيس جو بايدن (9 في المئة). وأضاف الاستطلاع أن رومني، المرشح غير المحظوظ خلال رئاسيات 2012، يحظى بدعم كبير من لدن الجمهوريين ب20 في المئة، يليه الحاكم السابق لولاية فلوريدا جيب بوش (11 في المئة)، ثم حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي (8 في المئة). ولم يعرب إلى حدود الساعة أي جمهوري عن نيته في الترشح للاستحقاقات الرئاسية. من جانب آخر، أشار الاستطلاع إلى أنه إذا تنافست كلينتون مع رومني على المنصب الرئاسي، فإن المرشحة الديمقراطية ستكون متقدمة بنحو 13 نقطة، أي 55 في المئة مقابل 42. يذكر أنه تم إنجاز هذا الاستقراء من 22 إلى 24 نونبر الجاري عبر الهاتف لدى 1045 شخصا بالغا بهامش خطأ يتجاوز أو يقل عن 3 في المئة. وقد أعلنت هيلاري كلينتون وزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، يوم الجمعة، عن دخل يقارب 140 مليون دولار خلال السنوات الثماني الماضية وهو ما يوفر دليلا عن ثروة كبيرة حصلا عليها. وتوضح سجلاتهما الضريبية أن هيلاري وبيل كلينتون ألقيا في عام 2013 كلمات حققت 23 مليون دولار تقريبا. ونشرت كلينتون الإقرارات الضريبية لعائلتها من 2007 إلى 2014. ويقول معسكر كلينتون إن هذا الإعلان يتسق مع التزام بالشفافية. وتناضل هيلاري كلينتون لكبح تساؤلات حول أمانتها والتي نجمت عن جدل بشأن استخدامها خادم خاص البريد الإلكتروني في عملها الرسمي كوزيرة خارجية في الفترة من 2009 إلى 2013. وأشار استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك الأسبوع الماضي إلى أن 57% من الناخبين يرون أن كلينتون لم تكن أمينة أو جديرة بالثقة. وبلغ إجمالي الدخل المعدل لكلينتون خلال تلك الفترة مجرد 140 مليون دولار. ومع احتساب الاقتطاعات التي أخذت في الاعتبار فإن الدخل الضريبي بلغ نحو 111 مليون دولار. وقالت كلينتون إنهما دفعا 43.9 مليون دولار في صورة ضرائب اتحادية وقدما 15 مليون دولار تقريبا في شكل مساهمات خيرية خلال تلك الفترة. وتناولت الصحف الفرنسية ترشح «هيلاري كلينتون» للرئاسة الأمريكية الذي أثار العديد من التعليقات التي تناولت في مجملها موضوع التوريث السياسي مع احتمال استعادة سيناريو رئاسيات 1992 التي شهدت مواجهة بين كلينتون وبوش. ويتساءل «فيليب جيلي» في «لوفيغارو» هل يتعارض حكم العائلات مع الديمقراطية الأمريكية». كيندي، آدمز، روزفلت وغيرها من الأسماء تعود كلها لعائلات اجتازت قرنين من الديمقراطية الأمريكية يقول الكاتب في صحيفة «لوفيغارو». ثمة «أرستقراطية منتخبة» لطالما ميزت تاريخ الولاياتالمتحدة، لكن ذلك لا يمنع وصول العصاميين كباراك اوباما وبيل كلينتون سابقا واليوم زوجته هيلاري يقول «فيليب جيلي». أما «لوران جوفران»، فقد عالج الموضوع ذاته في «ليبراسيون» تحت عنوان «السلالة»، «الامريكيون الذين شاركوا باختراع الديمقراطية لا يحبون الملوك لكنهم يعبدون العائلات وها هم في وضع قد يجبرهم على الاختيار من أجل رئاسة البلاد بين وريثي عائلتين سيطرتا على الحياة السياسية منذ عشرين عاما. قد يعتقد البعض أن لا فارق تقريبا بين مرشحة ديمقراطية من تيار الوسط ومرشح جمهوري يتميز بالبراغماتية ولكن هذا خطأ» تقول «ليبراسيون» التي جعلت من ترشح هيلاري كلينتون موضوع أحد أغلفتها، واعتبرت أن الانتخابات الرئاسية ستشهد مواجهة بين مشروعين متعارضين فعلا و»أن السياسية الأميركية هي الأكثر أدلجة».. وتسعى هيلاري إلى إضافة اسم كلينتون جديد على قائمة الرؤساء الذين أقاموا في البيت الأبيض الأمريكي بعد زوجها بيل كلينتون، وإن كانت المهمة لا تزال صعبة المنال، بالنظر لطبيعة النظام الانتخابي الأمريكي، حيث يتعين عليها بداية تخطي مرحلة الترشح باسم الحزب الديمقراطي في انتخابات ابتدائية. ولدخول البيت الأبيض سيحتاج المرشحان للرئاسة الأمريكية إلى 270 صوت- أي النصف زائد واحد- على الأقل من مجمل أصوات أعضاء «المجمع الانتخابي» البالغ عددهم 538 مندوبا، أي ما يوازي عدد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي. ولكل ولاية أمريكية عدد معين من الأصوات داخل هذا المجمع، بحسب عدد سكانها، وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونغرس، مع ملاحظة أن ولاية كاليفورنيا، أكبر الولاياتالأمريكية من حيث عدد السكان، لها 55 صوتا في المجمع، في حين تبلغ عدد أصوات فلوريدا مثلا 27 صوتا، وهو ما يؤكد أن التحدي الذي يواجه هيلاري يبقى كبيرا، وسيرتبط بالعديد من العوامل الداخلية وبالحملة التي ستقوم بها ومدى إقناعها للناخب الأمريكي، وقبلها لممثلي الحزب الذي يمثله حاليا الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وسارعت كلينتون في دخول حملة انتخابية مسبقة مباشرة بعد الإعلان رسميا عن الترشح في 12 أفريل الجاري، بتوجيه رسائل متعددة، منها ما تضمن انتقادا للسياسات الخارجية المنتهجة من قبل أوباما، وتحديدا في سوريا، والذي مكن تنظيم»داعش» من بسط السيطرة. ويبقى أن كلينتون تسعى إلى توظيف عدة رسائل وصور، منها كونها حاملة لإرث الرئيس الديمقراطي كلينتون، وأنها من طبقة متوسطة ومحافظة، لها نشاط متعددة في مجال حقوق الإنسان حينما كانت تزاول مهنة المحاماة، فضلا عن مشاركتها في لجنة إقالة الرئيس نيكسون في أعقاب فضيحة ووتر غايت، يضاف إلى ذلك رمزية المحافظة على أسرة كلينتون في عز أزمة فضيحة مونيكا لوينسكي التي مست زوجها الرئيس بيل في 1998. ورغم انتقادها لسياسات أوباما، إلا أن وزيرة الخارجية السابقة وعضو مجلس الشيوخ والسيدة الأولى السابقة ستوظف بعض مكاسب الديمقراطيين، وتزيد عليها في مجال وعود انتخابية تركز أساسا على موقع الولاياتالمتحدة الدولي والخروج نهائيا من الأزمة الاقتصادية، وتدابير تمس الجوانب الأمريكية منها سياسة الصحة والتأمين، حيث تبقى العوامل الداخلية من بين أهم العوامل المؤثرة في الناخب الأمريكي. ومن المتوقع أن تخدم الخطوة التي أقدم عليها باراك أوباما، والمتعلقة بالمصافحة التاريخية مع الرئيس الكوبي راوول كاسترو، المترشحة هيلاري، فالمصالحة التي قام بها أوباما مع كوبا تحسب للحزب الديمقراطي الذي تمثله هيلاري، ومنه سيساهم أوباما ولو بطريقة غير علنية في الحملة الانتخابية للمترشحة.