عندما وصل إلى علمه أن قصر الإليزي أصدر بيانا يعلن فيه أنه غير مرحب به على الأراضي الفرنسية كان ينبغي لزين العابيدن بنعلي أن يفاجأ.. فبعد 23 سنة من المساندة غير المشروطة والعمياء أو تكاد تكون كذلك ، لقد انتهت باريس بالتخلي عن «تشاوسيسكو الرمال». لقد عاش شهر عسل طال بشكل استثنائي لمدة لم تزد عن السنة تقلده زمام السلطة في نونير من سنة 1987. ففي شهر شتنبر من سنة 1988 استقبل رئيس الجمهورية فرانسو ميتران في موكب عظيم الرئيس التونسي، الذي ينتمي حزبه التجمع الدستوري الديمقراطي إلى الاميية الاشتراكية، كما نظم على شرفه عشاء فاخرا استدعي إليه 250 شخصية رسمية تونسية. تسعة أشهر بعد ذلك، وخلال زيارة رسمية إلى تونس، اغتنم ميتران الذكرى المئوية الثانية لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان ليذكر في خطابه بإلتزامه ب«تطبيق هذه المبادئ» غير أنه لم يذكر سوى فرنسا مهاحما قانون باسكوا حول الهجرة والطرد التعسفي. أشاد بنعلي ب»موقف حق نابعة من انسانية عميقة». 1987 1995: ميتران والنموذج التونسي في بدايات سنوات التسعينيات، مكنت الموجة الاسلامية التي توقت نارها في الجارة الجزائر وزعزعت الاستقرار في المغرب، إذ سمحت لتونسوفرنسا من أن يظهران وحدة مستعادة بعد فترة من التوثرات الناجمة عن الجرب في الخليج والصراع الاسرائيلي الفلسطيني. سمحت تونس لنفسها أيضا أن تلقن دروسا وعاتبت فرنسا لإيوائها المعارضة المنتمية لحزب النهضة و«التقليل» أيضا من «الخطر الاسلامي». بذلك، وخلال الزيارة الرسمية الثانية الى تونس في يولوز م سنة 1991، أشاد ميتران ب«بلد مضياف [...] حيث يمكن للمرء أن يعيش في ظروف توافق و راحة كبيرتين» وان «الفرنسيون قد يكونوا غير صائبين بالإبتعاد عن هذا». بالنسبة لباريس، التي وقعت فريسة لأنشطة الجبهة الإسلامية للإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة، المعادلة بسيطة: بذل كل جهد ممكن لجعل تونس في منأى من العدوى وكذلك التجاهل التام لانتهاكات حقوق الإنسان. 1995-2007: شيراك يعزز العلاقات إنه المسار الذي سار عليه جاك شيراك عندما أصبح رئيسا للجمهورية. خلال زيارة الدولة إلى تونس في أكتوبر 1995، أشاد شيراك ب«المعجزة التونسية»، و«التقدم الذي حققه هذا البلد القريب المثالي جدا في أكثر من ناحية»، كما هنأ زين بن علي لاختاره «مسار الديمقراطية والتحرير الاقتصادي»، فلا مكان لكلمة واحدة حول حقوق الإنسان، ولا مكان لللقاء بالمعارضين. كان ذلك كما نعمة غير متوقعة بالنسبة لبنعلي، الذي يتحمل بشكل كلي مسوليته ويلعب دوره كاملا كحصن ضد الأصولية، في حين تشير منظمة العفو الدولية إلى أن ثمة حوالي 2000 سجين سياسي كما نددت بشكل علاني المعاملة «القاسية واللاإنسانية والمهينة التي يتعرص الىها السجناء السياسيين بشكل منتظم». ما بين سنتي 1997 و2002، لم يغير جود ليونيل جوسبان في الماتينيون من هذا المعطى أي شيء، ذلك على الرغم من كونه لم يقم بأي زيارة رسمية لتونسكما أنه كان من واجبه أن يتعامل مع الأصوات المرتفعة ضمن أغلبيته ضد النظام تونس. هذه الوضعة التي أدت إلى بروز ممارسة صعبة للمجاملة الدبلوماسية خلال زيارة الدولة للرئيس بنعلي في باريس في أكتوبر 1997. لقد أشاد جوسبان «الأداء» الاقتصادي و «الامن التي تتمتع بها تونس» غير أنه دعا «لمزيد من الانفتاح على قيم الديمقراطية والتعددية». أما بالنسبة لشيراك، فإنه يواصل تمجيده ل«الاصلاحات العميقة» التي مكن من «تعزيز الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان»، مذكرا مع ذلك بأن دولة الحق الديمقراطية يمكنها أن «تحقق تقدما أفضل». إننا نفهم على نحو أفضل طبيعة عمق العلاقات الفرنسية التونسية بعد إعادة انتخاب جاك شيراك في سنة 2002 . لقد تضاعفت الزيارات على المستوى الوزاري (13 ما بين شهر أكتوبر 2002 وشتنبر من سنة 2004). ففي شهر دجنبر من سنة 2003، خلال زيارة رسمية أثار جاك شيراك ضجة حينما سمح لنفسه لإجراء إعادة قراءة مشكوك فيها للعلان العالمي لحقوق الانسان كانت بمثابة توقيع على شيك على بياض موجه الى بنعلي: «إن أولى حقوق الانسان هو المأكل والعلاج والتمكن من التعليم و التمتع بمسكن. و من وجهة النظر هاته، يجب أن نعترف أن تونس حققت تقدما كبيرا بالمقارنة مع عدد من الدول». كان ذلك خلال السنوات حيت تفاقم قمع الشرطة وازدادت الرقابة سوءا. لقد عبرت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان عن احتجاجها على ما صدر عن الرئيس الفرنسي من عبارات والمعارضون التونسيون أيضا. 2007 2011 : ساركوزي المتعاطف تسير رئاسة نيكولا ساركوزي على نهج سابقتها. هكذا، وخلال أول زيارة رسمية له في يوليوز من سنة 2007، أشار إلى تونس «في الطريق إلى الديموقراطية». الأمر ذاته كان خلال رحلة دامت ثلاثة أيام في أبريل من سنة 2008 . في الوقت الذي ألغت فيه في آخر لحظة، راما ياد حينما كانت تشغل منصب كاتبة الدولة لحقوق الإنسان، لقاء مع شريف خديجة أحد وجوه المجتمع المدني ورئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أكد نيكولا ساركوزي أن «فضاء الحريات يتقدم». أما برنار كوشنير، وزير الشؤون الخارجية، الذي لم يشارك في الزيارة، اعتبر هذه الجملة علنيا إنها عبارة «في غير محلها»، و هو التخمين الذي تسبب له في مجلس الوزراء في عتاب فظ، «المرة القادمة الباب». إن بقية القصة معروفة عبر التدبير الكارثي للحكومة للأزمة الراهنة والتصريحات المؤسفة الصادرة عن ماري ميشيل أليوت ماري والبلاغ الصحفي المحتشم والمتأخر للاليزيه. فخلال زيارته لتونس في أبريل من سنة 2008، كان ساركوزي، الذي يدافع عن مشروعه الاتحاد من أجل المتوسط قد حث البلدان المغاربية عن عدم تفويت موعد مع التاريخ». عن صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية