حين عرفته بعد ان تعرفت على اشعاره الاولى ، اسرتني بساطته ، عشقه للابداع بكل الوانه ، شغفه لمعرفة عوالم الكلمة و المعاني كتواصل ثقافي ، كتواصل مع الهوية ، كحنين محفوظ لجذور ذلك الغياب الحالم بثنايا الوطن . فحبه للكلمة المنتقاة هيمن في وهاد احاسيسه عكس لغة السعي وراء المجد او الثراء . فحياة الهجرة قد تتحول احيانا الى خلق هوة تباعد بينها وبين الذات و الجذور، كما قد تصير دفعة فيض تعزز الالتصاق بهذه الهوية ، تصير دفعة وجود مشفوع بحنين العودة الى الرحم ، الوطن بكل تجلياته الموغلة في غياهب الذاكرة و الشعور. هكذا صاغت حياة الغربة في مدينة تعد حاملة لواء اللغة الالمانية الفصحى ، او كما يحب اهلها وصفها ? باللغة السامية ? ، شاعرا في اللغة اليومية المغربية و في ادب الملحون . العربي عيشان. شاعر آمن بما يكتب و كتب ما يؤمن به . غير انه لم يتوقف عند حد الايمان بما ابدعه ، بل تخطاه للعمل من اجل ابداعاته ناضل من اجلها بالمال و بالوقت ، قام بنشرها ، تسويقها و متابعة توزيعها و لم ينتظر حدوث معجزة من احد الناشرين ، بل اخذ مصير اعماله بيده ، مترجما عشقه للجمال ، للطبيعة و للكلمة المنتقاة الى اشواق فتح من خلالها لنفسه و لعشاق شعره كوة اطل منها في صقيع الغربة على عوالم دفئ الوطن و الحنين الدائر مع عجلة الزمن . ألم الروح كانت كتاباته تقبع في السكون ، تنتقل في صمت من اقاربه الى اترابه ، تغفوا مدثرة في ملاءات توالي الايام ، لكن احداث سلسلة انفجارات الدارالبيضاء سنة 2003 بعثت فيها الحياة ، جعلتها تستفيق من سباتها العميق بديوان » لا تمس بلدي «، ? كرد فعل على تلك الاحداث ، التي ذهب ضحيتها اكثر من اربعين انسان ? ، قال عشان ، الذي يقيم في مدينة هانوفر منذ سنة 1972 لاحقا للجريدة الالمانية » الصحافة الجديدة «، ? لقد آلمني ذلك في الروح ، ان يفعل المغاربة بآخرين شيئا من هذا.? فهذا البعث الشعري الجديد تحول عنده الى هاجس ابداعي وصل الرقم الثامن من سلسلة دواوينه و كإعتراف للابداع في المهجر تم الاحتفاء بديوانه التاسع اخرهذه الدواوين حتى الان » خال وشامة« ، حيث تم تقديمه و توقيعه في مسرح محمد الخامس بالرباط بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي سنة 2013 - 2014 في منظومة الانفتاح على أدباء المهجر. في افتتاحية هذا الديوان التي كتبها الزجال و الباحث محمد الراشق تلاقينا عبارات اقتناع بالنصوص التي يحتويها ديوان العربي عيشان علي انها الاقرب الى الوجدان و ذلك ? لسبب بسيط و منطقي ، كون ديوان » خال و شامة « هو عبارة عن تجربة حياة استطاع صاحبها ترجمتها الى ابداعات زجلية لاسماع نبض صوته.. و هو المغترب بارض المهجر.? فهذه الحياة المتوزعة بين نافذتين تفرض عليه كما قال هو نفسه للصحفية كيردا فلنتين: ? افكارا غير متوقعة ، تزوره احيانا وهو يخيط بآلة مهنته ، فيبدأ يكتب ما املت عليه اللحظة. ?فعيشان الشاعر الشعبي العفوي ، الذي يؤمن بان الشعر شعور ، لا يقول انه يبدع بقدر ما يرى ، ان ما يكتبه هو حالات وجد تفرض نفسها عليه في لحظات ابداع تعتريه مثل نوبات جلجلة ، كنوبة كتابة تزوره احيانا في هجير الليل ، فيجد نفسه غارقا في خضمها دون طواعية. غيران جنوحه الى توظيف الكلمات العربية القديمة يمد اشعاره جسرا للتواصل مع الهوية ، للتعبيرعن هذا الانتماء البعيد جغرافيا القريب وجدانيا و يجعله محاولة للمساهمته في تقويم واقع من خلال انتقاداته للسلوكات البشرية . في سنة 2006 نفذت مبيعات دوانه » الطير الحر « الفي نسخة و تم اعادة طبع الديوان مرة اخرى . فمراحل التدرج هذه من الظل الى الضوء عرفها الكاتب الطاهر الطويل : ? بجسور التواصل مع لغته الأم ، ساعياً للتعبيرعن خلجات الوجدان ، في تفاعل إبداعي مع قضايا الناس والوطن... و الخروج بالصورة الشعرية عن المألوف والمعتاد والمبتذل ، ليرقى بها إلى مصاف العبارات الشفافة الأصيلة ، التي تنضح بالمعاني والدلالات الجميلة ، ساعيا إلى تأسيس تميزه الخاص،عبر النهل من ذخيرة الفن الشعبي المغربي العريق » الملحون « . السلام لغة الحب فعشق عيشان لهذا الفن » الملحون « جعله يمخرعبابه ، لتأت اشعاره تحاكي مواضيع لغة هذا الفن الشعري المغاربي العريق في نعت المواضيع بمسمياتها ?العشاقي?، قصائد الغزل، ? النزاهة ? ، الطبيعة، او ?الحراز? ، القصة الشعرية او ? الشحط ?، الهجاء. فقد صدرت له مجموعات موسيقية CD في هذا المجال تعاملت معه فيها اصوات لها حضور بارز و مميز في الساحة الفنية الملحونية مثل الشاعر و المنشد محمد الحضري او الفنان سعيد كنون و من فترة قليلة الفنافة المقتدرة عائشة سهوم ، التي كتب زوجها الباحث و الشاعر احمد سهوم في رسالة الى عيشان ، " ان شعر هذا الاخير يعد نفسا و اضافة غنية الى المشهد الشعري باللغة اليومية." فهذه الاضافة العيشانية لم يقتصر التعامل معها على الوسط الفني المغربي فحسب، بل تعداه الى المهجر، حيث لحن قصيدته : ? يا ناس? في الفترة الاخيرة الموسيقي الهانوفري هولكا هيلم تحت عنوان ? حماقات حب مغربية? معلقا على تعامله مع الشاعرعيشان بقوله: ? نريد أن نعلن عن هذا التعامل الغنائي كعلامة للسلام ، كرمز لتفاهم الشعوب ، لكن ايضا و بالذات نريده لحوار الاديان . لان الحب يعني السلام. وبدون سلام نحن جميعا لا شي.? كما ترجم له الكاتب ة المترجم فؤاد كسوس مجموعات من اعماله فوظيفة الشعر عند عيشان هي ترجمة لتعبير ذاتي يهدف به الى قضايا عامة وكرد على ما يدور من احداث يقول عيشان: " و إذا ما دعت الضرورة الى ذلك ، فسوف اتوجه ثانية لمواجهة الارهاب المغلف بالدين . اليس لنا كلنا نفس اللاله ، سواء كنا مسلمين ، يهود او مسيحيين.? في تصريحه لجريدة الصحافة الجديدة .