ما تنفكّ تنتهي من قراءةِ رواية ' نُعَاس' لهاروكي موراكامي، الصادرة عن دار مسكيلياني للنشر والتوزيع، طبعة 2013، والتي تقعُ في 88 صفحة من الحجم المتوسّط، حتّى يصيبك نوعٌ من التوجّس تُجاه النّوم. "جالسةٌ أمامَ الطّاولة في مكتبتي، غارقة في وحدتي، حرّكتُ رأسِي في تصميم: "لست بحاجةٍ للنوم". قلتُ لنفسي. "حتّى وإن جعلني ذلكَ أصابُ بالجنون وحتّى إن هدّد أُسس وجودي ذاتها. ? يهمّني، أنا ? أريد أن أنام وليكن ما يكُون، فأنا أرفض أن أبكي جرّاءَ نوازعي و? أرغبُ في نومٍ يأتي فقط ليُجدّد لي الطاقة التي استهلكتهَا تلك النوازع، ? حاجة لي بذلك،...". هكذا، وفجأة تقرّر شخصيّة موراكامي الإقدام على التغاضي عن النّوم، لكنّ الأمرَ ليسَ أرقاً، ذلك أنّ حالتها وأعراضها ليس لها علاقة بما نعرفُه عن الأرق وإنّما نستطيعُ أن نسمّيها انقطاع النوم، بعيداً عن استحالة ذلك بيولوجياً، إلا أن الكاتب، جرياً على عادته، لا يقف عند ذلك الحدّ، وإنّما يأخذ القارى داخل الدروب الموغلة لنفسيّة البطلة، التي تعيد، هي نفسها، اكتشاف ذاتها ورغباتها حين غاب النّوم عن جُفونِها. ما فائدةُ النّوم غيرَ أنّه مجرّدُ إصلاحٍ لأعطابِ أجهزتِنا وتفريغٍ لطاقتها وما تُلاقيه في حياتها اليوميّة ؟ وما فائدة تلك الحياة أصلاً إذا كانت مجرّد دائرة مُفرغة وتكرارٍ لروتين مُمل يبدأُ بالاستيقاظ من النوم وينتهي بالدخول فيه ؟ وهل النّعاس حقاً هو عملية تجريبية لعمليّةٍ أكبر هي الموت ؟ وهل سنجدُ في الموت الرّاحة حقاً التي ندّعيها أم أنّه أملٌ نتعلق به حتّى نواجه قسوةَ الحياة وكيف نستطيع أن نجزم على أنه راحة ونحن لم نجرب ذاك الذي يُدعَى الموت بعد؟ ، كلّها أسئلةٌ حامَت داخِل رأس البطلة حينَ أدائها لأعمالها وشؤُونها الحياتيّة بشكل آلي مُبرمج، فتملّكها الرّعب لأنّ حياتها صارَت من الروتين والملَل ما يجعلها تكرّر خطواتها دون أي شعور في رتابة قاتلة. إنّه غياب الشّعُور بالحياة، إلاّ أنّها لا تقفُ مكتوفة اليدين بل تستغل وقتها في إعادة إحياء رغبات كانت مدفونة في سيرورة اليومي، فتعرف لذّة القراءة بعد انقطاع طويل( تقرأ 'أنّا كارنينا' لتولستوي مرّة أخرى)، لتتبدّى لها أشياء جديدة لم تُلاحظها في القراءة الأولى، وتُقيم روابط بينَها وبين بطلة تولستوي، فتُشاركها همومها وآلامها، كما أنّها غالباً ما كانت تخرُج للشوارع في الساعات الأخيرة من الليل متجوّلة بسيّارتها، تكفيهَا أفكارُها وهواجسُها. لكن الرواية تنتهِي فجأةً، لكأنّ الجُزء الآخر مفقُود، أو ربّما يُعيدنا إلى دهشَة البداية.