شهدت مدينة روسيون الفرنسية، مساء الخميس الماضي، غياب أحد آخر عمالقة الصحافة وتأليف كتب السيرة، صديق المغرب والمغاربة، المتخصص في قضايا المملكة والمنطقة العربية والعالم الثالث والمناهض للاستعمار، جون لاكوتير. الصحفي المتميز، الذي فارق الحياة في سنته الرابعة والتسعين، يعتبر من الأقلام التي بصمت الصحافة الفرنسية انطلاقا من خمسينيات القرن الماضي، حيث اشتغل في "كومبا"،"لوموند" و"فرانس سوار"، وتعاون مع أسبوعية "لو نوفيل أوبسرفاتور"، منحازا لحقوق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها واستعادة سيادتها، ومدافعا عن مبادئ اليسار الإنسية. وتعود علاقة جون لاكوتير بالمغرب إلى سنة 1947، التي التحق خلالها بمصلحة العلاقات مع الصحافة في الإقامة العامة الفرنسية، ليكون حينها أحد كتاب خطب الجنرال ليوطي بصفته مقيما عاما بالمملكة. كما عمل في "راديو المغرب" ووقع مقالات مختلفة على أعمدة "لوجورنال دو طنجة"... وخلال حياته المهنية الطويلة، كان لاكوتير شاهدا فاعلا في العديد من الأحداث الدولية المرتبطة بالسياسة الخارجية الفرنسية، مثلما التقى، محاورا أو معدا لكتب السيرة، مع الكثير من الشخصيات الوازنة، ومنها مغربيا العاهلان الراحلان محمد الخامس والحسن الثاني، والشهيد المهدي بن بركة، والقائد الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، وعلال الفاسي وشخصيات أخرى من نخبة البلد السياسية... وإذا كان الراحل قد واظب على زيارة المغرب مرة في السنة على الأقل، عقب حصول البلاد على استقلالها الذي كان من الفرنسيين الأحرار المدافعين عنه، فإن وتيرة رحلاته المغربية تقلصت كثيرا بعد عام 1965 بسبب عملية اختطاف الشهيد المهدي ومواقفه المنددة بها. خلف جون لاكوتير، اليساري الذي كانت مواقفه مساندة لحركات التحرير في المستعمرات، مؤلفات يناهز عددها 71 كتابا، ألف بعضها مع زوجته سيمون لاكوتير، من بينها سير شخصيات سياسية بارزة معاصرة له من عيار الجنرال ديغول، هو شي منه، جمال عبد الناصر، فرانسوا مورياك، ميتران أو مالرو، وأخرى طبعت التاريخ السياسي أو الثقافي مثل كيندي، ليون بلوم، ستاندال، أو مونتيسكيو... ومن بين المؤلفات التي نشرها لاكوتير حول المغرب، نذكركتابه الشهير "المغرب في المحكالصادر سنة 1958... وجون لاكوتير، المزداد سنة 1921 بمدينة بوردو، حاصل على وسام جوقة الشرف الفرنسية، كما أنه نال جائزة السفراء في 1986 بفضل أجزاء السيرة الثلاثية التي خصصها للجنرال ديغول، والجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية في مجال التاريخ سنة 2003.