هل ثمة حياة ممكنة بدون الحصول على الباكالوريا؟ سؤال يؤرق سنويا ملايين الأسر في المغرب وعبر العالم. ليصبح موعد اجتياز امتحانات الباكالوريا إلى حقبة شبيهة إلى حد لا يحتمل بيوم الحشر. ومعه ساعة الإعلان عن النتائج. حينها، يتحول النجاح إلى عرس عائلي له ما بعده، خاصة حين يكون معدل الناجح مرتفعا. كما يستحيل الرسوب إلى مأساة فعلية لا فرق بين همهمتها وبين عويل الناحبات في الجنازات. ومع ذلك، فبعض الأدباء أصبحوا عمالقة وعالميين رغم فشلهم في الحصول على الباكالوريا، بل منهم من صارت مؤلفاته تدرس في أقسامها ويعتبر الإلمام بها شرطا من شروط كسب رهان الفوز بالدبلوم. لبعض هؤلاء الذين أكدوا بالملموس أن "الحياة ممكنة بدون شهادة الباكالوريا"، خصصت أسبوعية "لو نوفيل أوبسرفاتور" ملفا ضمن عددها الصادر في 15 يونيو 2013. وهو الملف الذي وقعه دافيد كافيغليولي والذي اعتمدناه أساسا في هذه السلسلة. لا يخفى على أحد أن أندريه مالرو (1979-1901) لم يحب طفولته. وهذا ما كان يكرره هو نفسه أينما حل وارتحل. ولن نجانب الصواب إذا قلنا إنه كان يحب كونه لم يحب طفولته. لقد ترعرع في متجر للمواد الغذائية، وربته والدته بيرث وسط البطاطس وحبات اللفت. وكان يشعر بأن العالم البورجوازي الصغير المحيط به عديم القيمة، ويفضل، بدون شك، سيناريو ولادته في كنف أسرة غنية. مالرو ليس تلميذا كسولا. ولا هو تلميذ ممتاز. إنه يدرس في ثانوية في زنقة توربيغو. في سنة 1918، وقصد تهيئ شهادة الباكالوريا، سيحاول ولوج ثانوية كوندورسي التي فتحت أبوابها في 1803، والمصنفة ضمن أقدم أربع ثانويات في باريس وأكثر المؤسسات التعليمية الفرنسية شهرة وصيتا. لكن الثانوية ذات الاعتبار الكبير سترفض استقباله لسبب لا يعرفه أحد. وبدل التسجيل في مؤسسة أخرى، سيغتاظ التلميذ مالرو بفعل عجرفته الفائقة. الجرح كان عميقا لدرجة جعلته يقرر التخلي عن الدراسة، كما أنه لن يستغل وقت الفراغ هذا في الرسم رغم طموحه إلى أن يصبح فنانا تشكيليا، مكتفيا بالبحث عن كتب نادرة لفائدة روني-لويس دوايون (1885- 1966)، وهو مكتبي وناشر يعود له الفضل في طبع نصوص مالرو الأولى. ثلاث سنوات بعد هذا، سيصدر أندريه مالرو "أقمار من ورق" وينشر في "المجلة الفرنسية الجديدة"، قبل الرحيل إلى ما كان يعرف بالهند الصينية (فيتنام حاليا) لنهب معابد الخمير، وقد اعتمد على أسفاره إلى هناك لصياغة روايته الناجحة "الطريق الملكي" المنشورة سنة 1930، كما استلهم الثقافة الصينية في "الشرط الإنساني"، الرواية الصادرة في 1933 والحائزة على جائزة غونكور ومعبر مؤلفها إلى الشهرة الأدبية عالميا. وبعد المشاركة في بضع حروب والانخراط في صفوف المقاومة الفرنسية، سيتقلد أندريه مالرو عدة حقائب وزارية، من أبرزها وزارة الثقافة... هو الذي لا يحمل شهادة الباكالوريا. أجل، فالجنرال ديغول، حين انتخب رئيسا للجمهورية الفرنسية، عيّن مالرو وزيرا للإعلام، ثم ناطقا رسميّا باسم الحكومة، ثم وزيرا للثقافة عام 1959. ومكث صاحب "الشرط الإنساني" في هذا المنصب إلى غاية سنة 1969، أي عام تخلّي ديغول عن السّلطة بعد الانتفاضة الطلابية لربيع 1968. الحلقة القادمة: التلميذ زولا: ما الذي حصل؟