ودعنا يوم الثلاثاء الماضي جان فيردين «المدافع عن استقلال المغرب إبان الحماية الفرنسية (1912 -1956 )، والمكافح المخلص من أجل الصداقة الفرنسية المغربية». وتقول السيرة الرسمية أن الرجل الذي قاوم الاحتلال النازي لبلاده لم يردها أن تحتل بلادا أخرى، ومنها المغرب. اكتشف المغرب سنة 1950 ثم انخرط في حركة المثقفين الفرنسيين من أجل «التحرر السلمي» للمغرب، ومن أجل الاستقلال كحل وحيد. وهو من جيل من الفرنسيين، والغربيين عموما الذين قالوا لبلدانهم، لا، عندما كانت تستسلم للوحشية وتتنكر للقيم الإنسانية. جان فيدرين يذكرنا بالقيم المضيئة التي تصنع البشرية في العصر الحالي، والكثيرون من أمثاله يذكرونا بأنهم ، عكس ما تريد النزعات الإنطوائية والمغرقة في الهوس العرقي أو الدغمائي، من نتاج ثقافة إنسانية في الغرب الإنساني الشاسع والمتقدم، قيميا وأخلاقيا كما هو متقدم سياسيا وصناعيا. لم يكن الآخر، من أمثال فيدرين غريبا عنا ولا كان ضدنا، بل هو الآخر الذي يشبهنا ويشكل جزءا منا، من تاريخنا، ومن نضالنا، ومن توقنا إلى مستقبلنا. لقد «اشتهر جان فيدرين بتجنده إلى جانب مثقفين وصحافيين فرنسيين مشهورين، وخاصة ضمن لجنة فرنسا - المغرب العربي خلال «الأزمة الفرنسية المغربية» (1952 - 1955 )، وخاصة بعد لجوء الإقامة العامة لفرنسا بالرباط إلى القوة، والنفي القسري لجلالة المغفور له الملك محمد الخامس إلى مدغشقر». كما أنه كان صديقا ومرافقا وصديقا قدريا لجيل من الزعماء المغاربة والوطنيين الذين صنعوا استقلال البلاد، كما صاغوا توجها نحو التعددية والديمقراطية، ومنهم عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله، إلى جانب كل من روبير بارات مؤلف الكتاب الشهير «عدالة من أجل المغرب»، والكاتب فرانسوا مورياك الذي يتحدث عنه بوعبيد في مذكراته، والذي تزامن وجوده في بيته، رفقة المهدي بنبركة يوم وفاة محمد الخامس، والمؤرخ شارل أندري جوليان، الرجل الذي عارض اعتقال بوعبيد ووقف في وجه المرحوم الحسن الثاني، والباحث المختص في الدراسات الإسلامية لويس ماسينيون، والصحفي جان لاكوتير، الذي كتب طويلا عن بلادنا ورافقها في ليلها ونهارها.. وكثيرون من الفرنسيين البسطاء والمتوسطين الذين عانقوا شمسنا وهواءنا ودافعوا عنا. وفي كل المواقع التي احتلها كان إلى جانبنا، سواء وهو يناضل إلى جانب متيران أو وهو يعيش حياته الباريزية، أو في حياته العامة .. لقد اعترف المغرب بفضل الكثيرين من هؤلاء، وعلى رأسهم فيدرين من خلال المكانة المتميزة التي خصصت له خلال حفل تدشين «ساحة محمد الخامس» بباريس، من طرف جلالة الملك محمد السادس والرئيس جاك شيراك في سنة2002، ولكنه أيضا نال التقدير المباشر من المغفور له محمد الخامس الذي وشحه بالوسام العلوي من درجة قائد، وذلك في عام 1957 ... وداعا فيدرين، ولتخلد روحك في الأبدية الشاسعة للاعتراف ..!