بعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس برقية تعزية إلى وزير الخارجية الفرنسي سابقا، أوبير فيدرين، في وفاة والده جان فيدرين. وعبر جلالة الملك، في هذه البرقية، لأوبير فيدرين، ومن خلاله لكل أفراد أسرة الفقيد، عن أحر التعازي وخالص مشاعر المواساة، سائلا جلالته العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته. وقال جلالة الملك "وإن المغرب ليستحضر الذكرى الخالدة لصديق مخلص، ورجل سياسة فذ، كان من جملة ما طبع مسيرته النضالية المتسمة بالشجاعة، التزامه بكل شهامة، بنصرة القضايا العادلة لاستقلال المملكة، وعودة ملكها الشرعي، جدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، من منفاه القسري". يذكر أن فيدرين، الذي قاوم الاحتلال النازي لفرنسا، اكتشف المغرب سنة 1950، حيث أدرك ظلم الحماية، قبل أن ينخرط في حركة المثقفين الفرنسيين من أجل "التحرر السلمي" للمغرب، ومن أجل الاستقلال كحل وحيد. وكان الراحل، الذي نقل مشاعره إزاء المغرب لابنه هوبير فيدرين، الوزير الاشتراكي الأسبق للشؤون الخارجية، في عهد الرئيس فرانسوا ميتيران، وجاك شيراك، واحدا من الفرنسيين الأوائل، الذين جرى توشيحهم بالوسام العلوي من درجة قائد، في عام 1957، من قبل جلالة المغفور له محمد الخامس، تقديرا لنضاله ضد خلع جلالته سنة 1953، ومن أجل القضية المغربية. واشتهر جان فيدرين بتجنده إلى جانب مثقفين وصحافيين فرنسيين مشهورين، خاصة ضمن لجنة فرنسا- المغرب العربي، خلال "الأزمة الفرنسية المغربية"، (1952-1955)، سيما بعد لجوء الإقامة العامة لفرنسا بالرباط إلى القوة، والنفي القسري لجلالة المغفور له الملك محمد الخامس إلى مدغشقر. وبذلك، سيصبح رفيقا للمناضلين من أجل القضية المغربية بفرنسا، مثل روبير بارات، مؤلف الكتاب الشهير "عدالة من أجل المغرب" (أكتوبر1953)، الذي كان بمثابة إدانة قوية لعملية الإقدام على خلع السلطان، والكاتب فرانسوا مورياك، والمؤرخ شارل أندري جوليان، والباحث المختص في الدراسات الإسلامية، لويس ماسينيون، والصحفي جان لاكوتير. وعمل جان فيدرين، الذي كان صديقا ومساعدا سابقا لفرانسوا ميتران، الذي كان وزيرا في عهد الجمهورية الرابعة، على تحسيس هذا الأخير، الذي سيصبح في ما بعد رئيسا للجمهورية الفرنسية، بخطورة القمع، وبعملية الانتهاك للشرعية في غشت 1953 بالمغرب. ونال بهذا الانخراط، طيلة عهد الحماية، وب"الدور الرئيسي والخفي الذي لعبه في حصول المغرب على الاستقلال سلميا"، كما كتب ابنه هوبير فيدرين في مذكراته، صداقة الوطنيين المغاربة والشخصيات، التي ستطبع تاريخ المغرب المستقل، من مبارك البكاي لهبيل إلى عبد الرحيم بوعبيد، مرورا بعبد الكريم الخطيب، والمحجوبي أحرضان، ورضا اكديرة. وبالإضافة إلى نضاله من أجل استقلال المغرب، ظل جان فيدرين يحتفظ طيلة حياته بصداقة والتزام راسخين تجاه المغرب، كما يؤكد ذلك شهود متتبعون للعلاقات الفرنسية المغربية. وجرى تخصيص تكريمات عدة له على مواقفه هذه . وجرى التعبير عن الاعتراف والتقدير لهذا الوفاء في وقت ليس بالبعيد، من خلال المكانة المتميزة التي خصصت له خلال حفل تدشين "ساحة محمد الخامس" بباريس، من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرئيس جاك شيراك، سنة 2002 . وستقام مراسم دفن الراحل، يوم السبت المقبل، بمنطقة كروز الفرنسية.