الأنظمة الباردة خائفة من النيران .. الأنظمة الباردة اكتشفت أن لها شعوبا تخرج إلى الشوارع وفي يدها مكنسة كبيرة للغاية. فحاولت أن ترشيها. لهذا فكرت دولة الكويت الشقيقة في توزيع منح لمدة سنة على شعبها. ولأنها دولة بترولية، فقد وعت أن الشعب الكويتي الشقيق يمكنه أن يتحول إلى كائنات محروقات. وكائنات مشتعلة. ويبدو أن الدولة الكويتية الشقيقة تدرك أن هذه السنة هي سنة الثورات، لهذا تريد من 2011 أن تمر بدون أي اشتعال في الشوارع. وبعد سنة يمكن أن يبرد الشعب، و365 يوما كافية لكي يبرد ويتجمد ولا يفكر في الاحتراق على الطريقة البوعزيزية. المناضلون الطبقيون على الطريقة التونسية اليوم يخيفون زميلنا الوسيم على رأس دولة الشام الحبيب والعظيم. ولهذا فقد رأت الدولة العائلية أن أفضل شيء هو الرفع من تكاليف التدفئة لفائدة الشعوب. خوفي أن تبالغ الدولة السورية الجميلة في تدفئة شعبها.. إلى أن «يزند» ويحترق، ويشعلها ثورة بوعزيزية. العائلات العربية الحاكمة في الجمهوريات العربية المتحدة ضد شعوبها تعتبر أن القضية وما فيها هي ترطيب خواطر وجبر الضرر بالمؤونات الغذائية، ولم تدرك بعد أن الكرامة هي الرغيف الدائم، وأن الذي لا يغذي روحه بها يظل جائعا إلى الأبد ... وقد يطبخ جسده على نار ساخنة في الشوارع. الأنظمة الباردة عولت على أن تبرد الشعوب، لكنها اشتعلت ك«الشهوب» النارية. «الشهوب» العربية النارية اليوم تريد أن ترفع رأسها عاليا، وعندما ترفع الشعوب رأسها يسقط الظلم وتسقط الأقنعة مهما بالغت خبيرات الماكياج في التلميع. في المغرب من سوء الحظ أن هناك من يريد منا أن نسقط... الأحزاب. فقد تابعنا كيف أن «ثورة الياسمين تصل إلى الاتحاد الاشتراكي» يا سلام، وكيف أن الأحزاب لابد لها من أن تموت لأن في تونس شعبا بلا أحزاب!! يا سلام. وكأن الناس لا ترى إلا.. حولاء. وكأن الناس لا ترى بأن الذي أشعل النار في بيت الجيران هو غياب السياسة. الدرجة الصفر في السياسة تسخن الشعب وتشعل غضبه، هذا هو الدرس. لقد طبَّع المغرب علاقته مع الاحتجاج منذ عبد الرحمان اليوسفي، عندما قال قولته الشهيرة، بأن المغرب «يعيش ربيع 68 بشكل دائم»، لأنه في كل يوم هناك احتجاجات ومطالب إصلاح ومذكرات، ونزاع حول وجود المجتمع وسلطة قراره واستقلالية البنيات المجتمعية عن الدولة. ويخطئ من يحاول أن يضيف المزيد من موت السياسة إلى القبور المفتوحة مسبقا! في السياسة لا وجود للحرائق، ولا يحرق الناس أجسادهم، بل يدخلون إلى المؤسسات والهياكل والنقابات والجمعيات ويناضلون، ويقاتلون ويسجنون حتى، ومنهم من يموت، ولكن لا أحد يمكن أن يقنعهم إذا هم يئسوا. وما نشاهده اليوم من «شهوب» في السماوات العربية سببه الانغلاق السياسي وموت السياسة. في كل الدول التي تأكل فيها العائلات الحكم والثروة والألسنة، تصبح الدولة مافيا عائلية للأقوياء ورجال المخابرات الذين يتعقبون الكلمات ويحصون الأنفاس ويصنعون يوميا الأصفاد. وفي الديموقراطيات العربية المتحدة ضد شعوبها، تنتهك حقوق الشعب، فلا يكون أمامه سوى واجب واحد مقدس وأساسي، هو واجب التمرد والثورة. الدول التي لا تثق في شعوبها تحتقرها وتقدم لها نخبا متآكلة، بالرغم من البريق الذي تشرف عليه وسائل الإعلام. الشعوب لا تحكم بالصورة إلا إذا كانت صورة حقيقية... والشعوب التي تحلها الحكومات والأنظمة لأنها لا توافقها الرأي، شعوب تعود إلى ساحتها بالدم والنيران. والياسمين.. أيضا وما أجمل الياسمين في يد طالبة غاضبة، وفي يد امرأة تحلم بقبلة على خد الحرية ..