من قدر الأحجار المغربية -غير الكريمة- أنها تثبت أحيانا أشياء بالغة الأهمية للبشرية جمعاء. وإذا كنتم لم تخمنوا بعد ما المقصود بالامر، فاعلموا أن نيزكا سقط في بلادنا منذ 2004، أثبت أن الكون والنظام الشمسي فيه ،أقدم بحوالي 2 مليون سنة، بمعنى أن الحجر الذي اختار أن يسقط في صحرائنا، أراد أن يصحح خطأ في الحساب ويثبت أن الجهل في العلوم قديم. والخبر الذي نزل علينا من الكون يثبت أيضا أن التخلف العربي أقدم بكثير مما كنا نعتقد. يتعلق الامر بمسلسل كارتوني، يحمل اسم أبو قتادة وأبو نبيل ، حيث يُظهر نساء المغرب كما لو كن مجرد مواطنات ساحرات ومشعوذات. والأنكى من ذلك يظهر كويتيون وهم يفكرون في حرب لاسترجاع الاندلس وتحريرها، في حين يريد واحد منهم أن يجاهد في اكادير. فالاندلس بالنسبة له توجد في المدينة السياحية المغربية، في إشارة الى حور العين. إذا كانت القناة تريد أن تضحك باستعمال ما تحت بنطلون ذكورها ، فذلك لا يعني أن ما تسخر منه هو الذي نعتقد، بل لأن السخرية التي تستخلص من تحت التبان لا تصلح طوال شهور السنة، وفي رمضان وشعبان أيضا.. يمكن أن نفهم لماذا يكون خيال مريض قابلا للانفجار ضحكا عندما يرى امرأة متحررة، ونساء يعشن بطريقة عصرية، وربما سيرى الحور العين أيضا سببا مقنعا للجهاد لو منّ عليه ربه بذلك. هل أساء إلينا رعايا دولة ميخيات الشقيقة؟ لا أعتقد أن المغرب من الهشاشة بمكان الى درجة أنه سينفجر مسيرات وتظاهرات وبلاغات لكي يلعن أبو عقال وأبو دشداشة.. لقد تحولت دولة الكويت الشقيقة الى دولة غير قادرة على إنتاج السخرية بشكل ذاتي، الى دولة تستطيع أن تفعل مع الضحك ما فعلته مع النفط، أي استنفاد طاقته والبحث عن منافذ أخرى.. ولا حاجة لنا لكي نجمع كل الكويتيين في سكيتش كارتوني، ونجعلهم مسؤولين كلهم عن هذه النظرة. ففي الكويت شعب يحاول العيش بكرامة ومثقفون ونخب ومجتمع يستيقظ من أدران ما ينتقده التلفزيون فينا، وعلى المبدعين أن ينتبهوا الى ما أمام بيوتهم ، كما علينا أن ننتبه الى ما أمام بيوتنا. لقد اعتدنا في المغرب على القول بأن الانسان«يعايرك وما يخلي لي يعايرك»، وهو ما يدل على أننا نحب أن تكون عيوبنا شأنا داخليا لا تتلصص عليه أعين الآخرين، وإلا أصبح معيرة لنا.. وربما من هنا كان هناك شعورعند المغاربة بأن نكون نحن من يسخر منا وليس غيرنا. وربما لهذا السبب أن الضجة تقوم من على تلفزيون الكويت وليس من منبرنا نحن. ألم يكن من الاولى أن تحدث ضجة بسبب ما نقدمه عوض أن ننام بعد كل فقرة ساخرة في تلفزيوننا؟ كيفما كان الحال، لقد تلقينا الصفعة الثانية في هذا الشهر بعد أن تم رفض تسليم فيزات العمرة للمغربيات الصغيرات، كما لو أننا الشعب الوحيد الذي يمكنه أن يتحايل على الكعبة من أجل ...الرغبة! ولن يرسخ ذلك صورة تحقيرية لنسائنا ولا لبناتنا. فالحقيقة أن الكثيرين يعتبرون أنهم لا يلدون سوى العذراوات ، والعدويات، والحقيقة غير ذلك في كل شعوب العالم، وعلى الجميع اليوم أن يغير من النظرة التحقيرية المبتذلة، من الشرق والغرب. فلطالما اعتقدنا أن في الشرق، والخليج تحديدا، شعوبا قاصرة، واعتقدوا أن في المغرب «شعوبا قاصرات»!! ولطالما تبادلنا التحقير والتبخيس، والحقيقة غير ذلك ... وعلينا أيضا ألا ننسى عناويننا المثيرة وبالبنط العريض عن مغربيات في بارات دمشق، وفي أرصفة القاهرة وفي ملاهي دبي، وعن المغربيات والدعارة في الاردن وفي الامارات، وعن حكايات نرددها نحن أيضا ، غضبا أو شماتة، والحال أن الجزء الكبير من الحقيقة لا يتم في أسرة الآخرين.. ولكن علينا أن نفاخر فعلا، بفرح كبير بكل المغاربة والمغربيات اللواتي يصنعن أسماء مجيدة تحت سماء الآخرين. لقد ولد جيل آخر من المهاجرين أسس لما يمكن أن نسميه الهجرة داخل الهجرة، وهذا الجيل ذهب إلى الخليج ويشكل أسماء كبيرة في مجال المال والأعمال، وفي المجال المعرفي.. ومن المهاجرين والمهاجرات من أصبح قوة مغربية ضاربة - وليست مضروبة - في الدول التي توجد فيها. لقد تغيرت خريطة الجالية فعلا، ولكن الذي يجب أن يتغير أيضا هو التركيز والتلصص بالأحرى على بعض النساء المغربيات اللواتي تدفعهن الظروف الصعبة إلى حدود الحريم الرجالي، لا سيما في دول المشرق. نحن لا نحتاط كثيرا لما قد يبذر عنا من اختزال. ونتعامل كما لو أن لنا مشاتل، (بيبينيير) للنهود والأرداف المعدة للتدويل، كما لو أننا نصدر الليمون، والفوسفاط ... والنصف التحتي (والفوقي أيضا !!) للمغربيات؟ نحن نسير على حافة صعبة للغاية، كما لو أنا نشمت في كل الذين واللواتي هاجرن، وعلينا أن نحتاط.. لأن ذلك لا يبخسهن حقهن فقط، بل يجعل البلاد تخضع لصورة الفسق من بعض العرب، خصوصا الذين يريدون أن تستمر الصورة عن بلادنا هي صورة الجسد المباح. هناك حالات من الانهيار نعيشها تحت كل سقف، لكنها ليست القاعدة، وهناك الكثيرات الكثيرات اللواتي لم يصلن إلى سماء النجومية ولم ينزلن إلى حضيض النخاسة الجنسية، فقط هن مغربيات مهاجرات، يشتغلن ويبنين ويعرقن ويلدن ويعلن أسرا كاملة ويتضامن، ويجعلننا بالفعل لا نيأس من الإنسان المغربي وقدرته على أن يقاوم ويصارع من أجل لقمة عيش حرة ونظيفة، .. فلنمتنع عن جعل اللذة هي المبرر الوحيد للهجرة، عن قصد أو عن غير قصد، وهذا هو الغالب ولا شك عندنا جميعا. الكويت لا تختزل في رسوم متحركة، وميخيات لن يكونوا سوى دولة شقيقة، يمكن أن تكسر خاطرنا ذات يوم، لكنها تظل شقيقة مع ذلك.!!