في مجال التعذيب، يوجد بالفعل نوع من «»اللعبة»« السورية: يستحيل معرفة أي جلاد سيستمر ويمعن في التعذيب ومن سيستسلم للرحمة، يستحيل فهم لماذا سيفلت هذا السجين بحياته بينما سيغرق آخر في الجنون تحت التعذيب, أو ينتهي ميتا تحت كماشة آلة القتل الأبدية. يستحيل أخيرا تصور أي نوع من العذاب سيعانيه الأحياء قبل أن يصلوا إلى خلاص الموت. لا وجود لمنطق, لا وجود لقواعد, وبالتالي لا وجود لتوقع ممكن. سنة بعد لقائي بالدكتور علي في حمص، بثت القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني شريط فيديو تم تصويره سريا في المستشفى العسكري بالمدينة من طرف موظف بالمستشفى الذي غامر بحياته، ومن العالم الخارجي من اكتشف بعض صور التعامل المخصص للمتظاهرين الذين يتم استقبالهم في مركز الموت هذا. جرحى مربوطون بسلاسل حديدية من الأرجل بإحكام إلى الأسرة يبدون نائمين في طاولة بالجوار اسلاك كهربائية و سيلة التعذيب الأساسية للجلادين السوريين، أحد المرضى ربما في حالة غيبوبة، صدره يحمل آثار الضرب، مصور الشريط يشرح بوجه غير مكشوف أن التعذيب يبدأ في بعض الأحيان داخل سيارة الإسعاف ليتواصل في غرف المستشفى وحتى داخل غرف وحدات العناية المركزة. في أغلب الحالات لا يتم الإبقاء على هؤلاء الجرحى أحياء إلا من أجل استنطاقهم. ويشرح مصور الشريط أن أنواع الجلادين بالوزر البيضاء متنوعة وعديدة, »إنهم يعذبون المتظاهرين بالصعق بالكهرباء. ويكسرون عضامهم ويجرون عليهم عمليات جراحية دون تخذير، يربطون بإحكام عضوهم التناسلي لمنعهم من التبول، يتركون جراحاتهم تتعفن وتقودهم للبتر، ذات يوم رأيت طبيبا يرش الكحول على الأعضاء التناسلية لشاب لا يتعدى عمره 15 سنة قبل أن يضرم فيه النار. كل شيء يجري في سرية تامة، أسماء الجرحى تسحب بشكل ممنهج من لوائح الدخول بالمستشفى ويتم تعويضها بأرقام حتى لا تستطيع العائلات العثور على اثر لذويهم«. من المستحيل القول بأن هذا الشاهد الذي لم تكشف القناة البريطانية وجهه هو الدكتور علي، لكن شهادته المعززة بالصور، قريبة جدا من الشخصية التي التقيتها قبل سنة في حمص. سوريا هي أيضا حرب الصور. فيديوهات أخرى ستستهدف إدانة المعارضين للنظام منذ الساعات الأولى للثورة، بحيث تبت التلفزة الوطنية السورية باستمرار اعترافات مصورة لسجناء »تائبين« في سجون بشار الأسد، يؤكدون فيها أنه تم تجنيدهم من طرف إرهابيين إسلاميين من أجل إشعال البلاد واغراقها في الفوضى وزرع الموت في صفوف الجيش وذلك في صفوف المتظاهرين. دعاية مفضوحة ترمي إلى إضفاء الاتهامات التي يرددها النظام ضد »العصابات المسلحة«» التي يبدو أن لا أحد استطاع ملاحظة حتى وجودها والتي تقتل في نفس الوقت المعارضين والجنود, عبارة »»العصابات المسلحة»« هي تعبير فضفاض يستعمله النظام لوصف الحركة الاحتجاجية التي هو مطالب بتبرير القمع المسلط عليها, وفي نفس الآن المسؤولين المفترضين عن مقتل المحتجين، وسيلة فعالة لتبرئة جيش متورط أكثر فأكثر في أعمال العنف المقترفة ضد السكان. دعاية يتوجب التحقق من طابعها الكاذب في الميدان. بحثا عن أبسط مؤشر وأبسط دليل على تورط إرهابي إسلامي في الثورة الجارية. حضرت صلاة الجمعة في حمص أمام مسجد القبة. تجمع مثالي مبدئيا لرصد أي أثر لأعداء الدولة هؤلاء. في نهاية الصلاة. خرج المحتجون من المسجد ببطء وهم يرددون شعارات وطنية ويصفقون بالأيدي,وبسرعة التحق بها الشبان الذين كانوا يرقبون من الأزقة المجاورة لساحة المسجد حتى لا يخلفوا موعد بداية المسيرة. كان المتظاهرون يصيحون: »لا إيران لا حزب الله»« منددين بحلفاء النظام الذي يواجهونه: «لا سلفيون ولا إخوان مسلمون»« حتى يرسموا مسافة بينهم وبين التطرف السني, الفزاعة التي يرفعها باستمرار النظام العلوي. في ذلك اليوم كان رجال الأمن المتجمعين داخل حافلات خضراء يراقبون المظاهرة دون تدخل, رغم الشعارات المستفزة لهم التي يطلقها الشباب في مقدمة المسيرة. وفي إشارة للتحدي, رفع المتظاهرون علما ضخما بألوان الثورة وتوقفوا به على بعد 200 متر من الحافلات المواجهة, كانت متوترة. وبينما كنت أحاول تصوير هذا الحدث من الجانب الآخر المواجه للمتظاهرين، نزع أحد الشبان، الكاميرا من يدي وهدد بكسرها على الأرض: »لماذا تصورينا من الواجهة؟ أنت مخبرة! شرحت له بأنني صحفية فرنسية وأن كل الوجوه سيتم حجبها، لكن الرجل لم يقتنع بذلك وهو على يقين بأنني أصور التجمع لحساب الأمن, »صحفية فرنسية؟ هذا غير صحيح! لا يوجد صحفيون أجانب في سوريا، إذا كان ما تقولينه صحيح، أظهري لنا بطاقتك الصحفية«, لم أكن أحمل معي بطاقتي المهنية ولا بطاقتي الشخصية ولارساله اعتماد مهنية، سلمته جواز سفري الفرنسي الذي أقنعه في النهاية. ليس تماما, »نعم أريد أن أصدقك, ولكن عليك أن تعلمي أن النظام يتوفر على عملاء كثيرين لهم جنسية مزدوجة».