تبدو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بعد أربعين عاما من تأسيسها، في مقدمة الفاعلين الدوليين الذين يعملون من أجل إحلال السلام في أوكرانيا. وعادت المنظمة، من خلال تعبئة القوى الأوروبية الكبرى، لتشكل رأس حربة في المواجهة الشاملة بين موسكو والغرب، ما قد يؤدي إلى استحضار شبح حرب باردة جديدة، والتي كانت سببا في إخراج المنظمة إلى حيز الوجود. وكانت المنظمة قد تأسست بناء على اتفاق هلسنكي في سنة 1975 لبدء الحوار بين الشرق والغرب، وذلك بسبب الحرب الإيديولوجية آنذاك بين المعسكرين وهو التوتر الوحيد الحاضر الغائب في شرق أوكرانيا. وتشارك منظمة الأمن والتعاون، وتضم 57 بلدا عضوا في ثلاث قارات، وهي أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، في تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق مينسك، الموقع بين حكومة كييف والانفصاليين الموالين لروسيا. وتتعلق «المهمة الخاصة» في أوكرانيا بالعمل على ملاحظة وقف إطلاق النار ومراقبة الحدود بين أوكرانياوروسيا، بالإضافة إلى التحقق من سحب الأسلحة الثقيلة. ويرى المراقبون أن الدورة السنوية ال24 للجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تعقد من 5 إلى 9 يوليوز الجاري بهلسنكي، تشكل فرصة لا مثيل لها للشروع في التفكير في القضايا المتعلقة بالأمن الأوروبي بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا. وأكد رايمون فويينين المدير السابق للمعهد الفنلندي للشؤون الدولية، أن «القضية الرئيسية بالنسبة لمستقبل المنظمة تتعلق بما إذا كان سيكون لها دور في الجهود الرامية إلى إيجاد حل للصراع في أوكرانيا». ويشكل الاجتماع مناسبة لمعالجة مختلف النزاعات مع روسيا خاصة تلك المتعلقة بالتوترات السياسية والعسكرية، والأمن الطاقي، والاختلافات حول التكامل الاقتصادي الإقليمي، وكذا حقوق الإنسان. كما تشكل الدورة ال24 ساحة مواجهة جديدة بين روسيا من جهة وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى، إذ ينبغي للمندوبين ال323 للجمعية البرلمانية النظر في اقتراح قرار يدين «العدوان من جانب واحد وغير المبرر لروسيا ضد سيادة ووحدة أراضى أوكرانيا.» وكانت روسيا قد قررت اقتراح قرار إضافي ينص على «عدم جواز استخدام العقوبات ضد برلمانيين من الدول المشاركة في المنظمة». والأسوأ من ذلك، فإن الاجتماع ينعقد في ظروف تبعث على التشاؤم بقرار الوفد الروسي مقاطعة الاجتماع بسبب حظر دخول ستة من أعضائه إلى فنلندا ضمنهم رئيس مجلس الدوما (مجلس النواب الروسي) سيرغي ناريشكين، بحجة أن أسماءهم على «القائمة السوداء» للشخصيات الروسية الممنوعة من دخول دول منطقة شنغن. ويرى العديد من الخبراء أن وجود منظمة شاملة حيث يمكن من خلالها تنظيم الحوار والتبادل والاتفاق حول عدد من القضايا، يظهر بوضوح مدى فائدة منظمة الأمن والتعاون في مثل هذه الفترة التي تعرف اندلاع العديد من الأزمات.