كثيرة هي محن مستعملي الدراجات بمدينة مراكش . الفوضى القاتلة في الطرق و الشوارع ، مخططات السير التي تزيد التحرك بالمدينة أزمة ، عشوائية الإصلاح و التوسيع التي لا تزيد الشوارع إلا اكتظاظا، التضييق على كل من يركب دراجة في مدينة سميت بكونها المدينة المثالية لتحرك الدراجات . أزيد من 140 ألف شخص يتنقلون بمراكش على متن دراجة نارية أو هوائية . الإحصاء يعود لأكثر من أربع سنوات ، اليوم الأكيد أن هذا الرقم ارتفع بكثير . لأن انبساط المدينة يساعد السكان على اقتناء الدراجة و استخدامها كوسيلة رئيسية للتنقل بين أطراف المدينة المتباعدة ، تناسب إمكانياتهم و تسعفهم على مواجهة نقص الموارد التي تؤهلهم لامتلاك سيارة . من الدراجة الهوائية إلى القاتلة «س 90» التي لا يكاد يمر يوم بمراكش دون أن ترسل شخصا على الأقل إلى المقبرة و في أحسن الأحوال إلى مصلحة الإنعاش و قسم جراحة العظام بمستشفى ابن طفيل ، يستعمل عشرات الآلاف من سكان المدينة ، هذه الوسيلة ، في تحايل يومي على ضآلة إمكانياتهم المادية ، و منهم من تجسد بالنسبة إليه اختيارا ، لكون الدراجة هي الوسيلة التي تلائم ضيق دروب و أزقة المدينة العتيقة ، و هي الوسيلة الأكثر سلاسة من حيث تحركها وسط الشوارع المزدحمة لمراكش ، مثلما هي الأكثر انسجاما مع حاجيات و إمكانيات فئات بعينها كالتلاميذ و الطلبة . و رغم حيوية الدور الذي تلعبه الدراجة في الحياة اليومية لمدينة كمراكش و ساكنتها ، إلا أن مستعمليها ، يلمسون يوميا أن كل مخططات تطوير التنقل الحضري ، تقوم على مبدأ واحد : هو توسيع الطريق لصالح العربات الكبرى ابتداء من السيارة ، و تضييق الخناق على مستعملي الدراجات . في شارع كبير كشارع مولاي عبد الله ، يؤدي إلى مرافق حيوية بالمدينة ابتداء من كلية العلوم السملالية ، و الحي الصناعي حيث تتركز أغلب الوحدات الصناعية ، و أسواق الجملة ، يجد مستعملو الدراجات بمختلف أصنافها أنفسهم مجردين من أية حماية تذكر ، في غياب تخطيط ممرات محمية خاصة بهم . تفصل بصرامة ما بين المسار المخصص لهم ، و المسار المخصص للعربات الضخمة ( و عددها كثير أيضا بهذا الشارع ) و تحد من إمكانية اختلاطهما . بل إننا نفاجأ ، إلى أي حد بقيت المجالس المنتخبة التي تشرف على تدبير سياسة القرب بالمدينة الحمراء ، تتعاطى مع المطلب الحيوي بهذا الشارع بكسل قاتل ، لأنه فعلا كسل تكون من نتائجه المباشرة مضاعفة أسباب الموت في هذا الشارع . في عهود متوالية عملت بلدية مراكش ، على التدمير المسترسل لذلك الإرث الذي خلفه عهد الحماية بالشوارع الرئيسية بالمدينة ، و المتمثل في تخصيص ممرات محمية للدراجات بالشوارع الرئيسية ، محفوفة بالأشجار و الطوار الذي يمنع اختلاط الدراجات بالسيارات و الشاحنات ، من أجمل النماذج التي تحتفظ بها ذاكرة المراكشيين شارع الحسن الثاني . لكن مع الأسف ، لم يدرك المسؤولون المتعاقبون على جماعة مراكش ، سببا للقضاء على اكتظاظ الشوارع سوى توسيعها بإلغاء هذه الممرات ، هذا الإلغاء الذي يبدو في العمق بأنه محاولة لطرد الدراجات من هذه الشوارع . إلى ان اختفت تلك الممرات المحمية نهائيا ، في انعطاف معاكس لتطور الزمن ، لأن كل المدن الذكية بمختلف أنحاء العالم تؤول سياستها في السير و الجولان لصالح الراجلين و مستعملي الدراجات و النقل الحضري الجماعي . اليوم أصبحت اجتهادات المجلس الجماعي الحالي في هذا المجال ، مصدر تهكم المراكشيين، لأن الأمر الذي رُسخ على أرض الواقع أصبح نكتة سخيفة . فقد عملت المصالح الجماعية على رسم ممرات ضيقة مفصولة بشريط من الصباغة ببعض الشوارع ، و ثبتت بمحاذاتها لافتات تشير إلى أنه ممر خاص بالدراجات ، لكنها في نفس الوقت رسمت خطا أزرق بذات الممر يدل على مجال احتكار شركة أفيلمار التي تدبر وقوف السيارات بشوارع المدينة ، و إلى جانبها معدات أخذ تذكرة الوقوف . يمكننا أن ندرج نموذجا على ذلك شارع محمد الخامس الذي يجد فيه اصحاب الدراجات محرومين من الممر الخاص بهم ، لأن البلدية خصصته في نفس الوقت لوقوف السيارات التي تملأ جنبات الشارع من الجهتين . العبث البلدي في تخطيط السير و الجولان بمراكش يظهر مرة أخرى و بشكل آخر بشوارع كبيرة ، كالطريق المؤدي لمطار المنارة الذي عرف توسيعا مهما و رسمت على جانبه ممرات خاصة بالدراجات التي يظهر أن عددها ضخم بهذا الطريق ، لكن في نفس الوقت فهذا الممر مفتوح للتوقف المفاجئ للسيارات و خاصة سيارات الأجرة ، فتكون النتيجة العملية هي أن هذا الممر عوض أن يوفر الحماية اللازمة لمستعملي الدراجات يضاعف من حدة الخطر الذي يتربص بهم ، لذلك تجد بالطريق المذكور أغلب مستعملي الدراجات يغادرون الممر الخاص بهم ، لأنه في أغلب الأحيان ، يكون مجالا للتوقف المؤقت للسيارات و العربات التي تمر من الطريق . يتكرر سؤال غريب في أذهان مستعملي الطريق بمراكش ، و هو « هل تحتكم فعلا ، بلدية المدينة في مخططاتها للسير و الجولان و إصلاح الطرق لمهندسين مؤهلين ؟ لأن أغلب ما يترجم على الأرض يكشف عشوائية غريبة ، و نوعا من العماء و حتى الغباء غير المبرر . و لذلك فالمشاريع التي تطرح على الأرض ، و خاصة في مجال السير ، لحل مشكل واضح ، تتحول بدورها إلى مشكل جديد يضاف إلى المشكل الأول الذي جاءت إلى حله ، و يعمق أزمته . في الأحياء الجديدة ، التي توجد لدى الجماعة فرصة ثمينة للتحكم في مخططات السير ، لا نجد للدراجة و مستعمليها أي اعتبار ، بل لا تدخل حتى في اهتمام و تفكير من يصمم الطرق و الشوارع الجديدة التي تغيب فيها الممرات الخاصة بهذا الصنف من وسائل النقل والمحمية بجدية . و لا يدل هذا الغياب سوى على تغييب سلامة مئات الآلاف من مستعملي الدراجات ، من اهتمام من يشرفون على تسيير المدينة . الدراجة بمراكش ، علامة عطب كبير في التدبير الجماعي للمدينة و خلل في رؤيته لحل معضلة السير و التنقل ، التي لا تفيد فيها أوراش توسيع الطريق ، لأن هذه الأخيرة تحتاج إلى مجهود أكبر في التنظيم ،و إلى عدم التأخر في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الحاسمة التي مازال المراكشيون ينتظرونها منذ سنوات ، و في مقدمتها تحديد وقت دخول الشاحنات إلى المدينة و حصر مجال تحركها بصرامة ، و الحد من طابع الترييف الذي حول العربات الضخمة المجرورة بالبغال إلى ظاهرة مستفحلة بشوارع المدينة تنقل الأشخاص و البضائع و توفر متاجر متنقلة بواجهات مكشوفة و تتحول إلى وسيلة نقل جماعي و تساهم في قتل المارة بالطريق ، و تأويل سياسة الجماعة في السير لصالح الراجلين و مستعملي الدراجات و النقل الجماعي الحضري المؤهل .