في مراكش يحس أصحاب السيارات ، أن الأخيرة تتحول إلى «لعنة» مدمرة ، و مصدر لمتاعب لانهاية لها . و الكثير منهم يشعر بندم لا يُغتفر لأنه فكر ذات يوم ، أن من حقه أن يكون متفائلا ، و يسعى لاقتناء سيارة تُيسر قدرته على الحركة في هذه المدينة التي تتباعد أطرافها بسرعة مخيفة . حالة الطرق و اكتظاظ الشوارع و ندرة المواقف ، كل ذلك يشتغل بشكل متكامل كمنظومة منسجمة للتنكيل بأصحاب السيارات . فالشوارع بمراكش ، و رغم عمليات التوسيع التي عرفتها تزداد ازدحاما بشكل لا يُطاق يحول المدينة الحمراء إلى ما يُشبه غول آلي يتحرك باستمرار ، لتضييق الخناق على كل مستعملي الطريق . بل إن سائقي السيارات يحسون في مقاطع بعينها ، أن عرباتهم تحولت إلى عبء ثقيل ينهك كاهلهم ، و يشعرون كما لو كانوا يحملون هذه السيارات على أكتافهم . يزيد من ذلك التراجع المريب للقدرات التنظيمية للمؤسسات التي أوكلت لها مهمة الإشراف على احترام القانون ، و حل مشاكل الناس ، و تيسير سبل العيش بالمدينة . فرغم أن علامات ممنوع على الشاحنات و العربات المجرورة بالحيوانات ، مثبتة في الكثير من الشوارع ، إلا أن هذه الأخيرة تزدحم بالشاحنات الضخمة و العربات التي تجرها البغال و تتنافس في ذات الطريق مع مئات الآلاف من الدراجات النارية و العادية و السيارات و الراجلين الذين يضطرون للمرور من الطريق المخصص للعربات لكون الرصيف تحول إلى سطح تحتله كراسي المقاهي و طاولات المطاعم أو تستولي عليه آليات الميكانيكيين و ورشات الحدادة و النجارة ، أو بضائع الباعة المتجولين .. أصحاب السيارت بمراكش ، يشعرون بأنفسهم النقطة الأضعف في منظومة السير و الجولان بالمدينة . فأعوان المرور ، يتصرفون كما لو كان سائقو السيارات لوحدهم المعنيين باحترام قانون السير . فالعربات المجرورة بالبغال و الحمير التي يملأ الآلاف منها شوارع المدينة و أحيائها بما فيها المناطق الراقية ، لا تعترف بنظام أو قانون للسير ، فقد تتحرك في الاتجاه المعاكس ، و ترفض التوقف في الإشارات الضوئية و لا تنضبط لعلامات التشوير ، و كذلك الأمر بالنسبة للدراجات النارية ، لكن وحدهم أرباب السيارات يحاسبون على مخالفة قانون المرور . في مراكش، أيضا ، يتحول قرار استعمال السيارة و التحرك بها ، إلى عقاب شديد لصاحبها بسبب سوء تدبير مواقف السيارات ، و كسل المجلس الجماعي في إيجاد بدائل فعالة و ناجعة ، لحل هذه الأزمة بتوفير احتياطي من الفضاءات التي تسمح برسو السيارات ، بعيدا عن الابتزاز و الاحتيال و النصب الذي يتعرض له أصحاب السيارات في مناطق مختلفة من المدينة . ففي الكثير من المناطق ، يرتدي بعض ممن غادر السجن للتو و لم يجد ما يكفي من المال في جيبه ، و بعض المتشردين و ذوي السوابق و المنحرفين ، صدرية خضراء أو صفراء ، و يحتلون بدون وجه حق أماكن عمومية و يشرعون في ابتزاز أصحاب السيارات بفرض مبالغ مالية لا تناسب قيمة الخدمة التي قدموها ، و عدد منهم يستعمل أساليب الترهيب و التعنيف في حق كل من مانع أو اعترض . و كل ذلك في ظل غياب شبه مطلق للأجهزة التي من المفروض فيها أن تحرص على تطبيق القانون و تعقب النصابين و المحتالين . المجلس الجماعي الذي اكتفى بإشهار لافتات تحدد تسعيرة وقوف السيارات و الدراجات بالليل و النهار ، و لم يسهر على توفير آليات ناجعة لمراقبة مدى احترام قراره من قبل حراس المواقف . لذلك بقيت مبادرته في مستوى الحبر الذي لا يتجاوز تأثيره الورق الذي طُبع فوقه . كل شيء في شوارع مراكش يجاهر بحقيقة ساطعة « احذر أن تستعمل السيارة في هذه المدينة ، فقد تندم ندامة العمر ..» وقد تكون عرضة لانتقام منظومة يضبط إيقاعها الخلل المتفاقم الناتج عن السهو المدمر للمجلس الجماعي ، في إنجاز المشاريع الكبرى المستجيبة للمشاكل اليومية لمراكش ، و تباطئه في المبادرة إلى خلق مواقف تحت أرضية ضخمة ، ليعفي المواطنين من احتيال المحتالين ، و تشديد المراقبة على حراس المواقف ، و الفرز ما بين اللصوص منهم و الحراس الحقيقيين ، و تمتين شبكة السير بما يكفي بالممرات تحت الأرضية لتيسير الحركة بالمدارات المكتظة .. ففي حالة شوارع المدينة و طرقها يكمن الكثير من أسباب شقاء الناس .