هل يشعر الراجلون بالأمان وهم يهمون بعبور الممرات المخصصة لهم بالعاصمة العلمية للمملكة ؟ سؤال بمثابة سكب ملح على جرح ، حين تبادر إلى ذهني اقتنصته بغصة ، وقررت تقاسمه بنكهة مفعمة بالأمل مع شرائح مختلفة من المواطنين ، ليس بهدف استمزاج آرائهم والاستماع إلى ملاحظاتهم ومؤاخذاتهم ارتباطا بمنظومة النقل والتنقل بالعاصمة العلمية فحسب ، بل وفي مسعى جدي للكشف عن واقع مترد لثقافة السير والعبور بفاس العالمة ، التي أمست كل طرقها ومعابرها مباحة لتسلل الهياكل و العربات وشرود العابرين من الناس كما يشاؤون ومتى شاؤوا دون رادع أو وازع قانوني أوخلقي ، من هنا إذن جاء الهدف الحقيقي لهذا الارتياد الاشتشرافي الذي يكتسي طبيعة وقائية تربوية، و يتغيا ضمان حقوق مستعملي الطريق حفاظا على الأرواح البشرية، وهو بعد كل ذلك قابل للتنفيذ والأجرأة، ولا يحتاج إلى بيروقراطية المساطر وتعقيدها من إحداث مراسيم وإصدار مقررات وغير ذلك . سؤال الاستشراف هذا ، لا يقتصر أرقه على واقع منظومة السير والتنقل بفاس اليوم كيف هي ، بل يتعدى ذلك إلى كما نتمناها ؟ وهو بقدر ما يقتضي التقاسم والإشراك يستدعي كذلك الموضوعية والتخصص . تقول سليمة بسام فاعلة جمعوية : لا ليس هناك أمان، خصوصا إن لم تكن هذه الممرات تضبطها الإشارات الضوئية، لأن السائق المغربي في جزئه الأعم لا يحترم ممر الراجلين إلا حين يتوسطها أو يتجاوزها بقليل ، أو في بعض الأحيان يقف هو فوق تلك المستطيلات البيضاء الكاشحة لانتظار تغيير الإشارة.. ليس هناك احترام في السياقة ، ولا قوانينها ببلادنا ، تبقى مجرد معلومات نجيب عنها خلال الامتحان لرخصة السياقة...» . محمد أمين موظف وناشط : لست أدري عن أي أمان تتحدث ؟ هل هو أمان من حصول حادثة سير وانت تعبر ؟ أم هو أمان من التعرض لاعتداء « مشرمل» من طرف قطاع الطرق؟» . نهى الكاو مصممة انفوغراف : أمان نسبي، وذلك بعد جهد كبير في التحديق ذات اليمين وذات الشمال وتحسس الجنبات ، لأن معظم الوقت ، وبعد الانتظار المطول لتوقف السيارات، أفاجأ بأن بعضها يتجاوز خط ممر الراجلين للوقوف، بينما البعض الآخر لا يقف أصلا. العبور يكون صعبا شيئا ما في الممرات الكبيرة، والمناطق المهمشة التي لا تعترف لا بضوء أحمر ولا أخضر..». محمد حداد إعلامي وفاعل بيئي : أبدا .. لأن ممرات الراجلين لاتحترم في أغلبية المدن ومنها فاس غياب هذه الثقافة. عند تطبيق القانون الذي يغرم عدم إعطاء الأسبقية للراجلين. غياب حس المواطنة وقيم الحداثة...» مهدي الإدريسي أستاذ وإعلامي : بالقطع لا أشعر بالأمان ، لأن هذا الممر لا يتم احترامه من طرف السيارات، و لا يتم الوقوف كون الراجلين في بدايته كما هو الحال في أروبا او في شمال المملكة». جواد جعواني إعلامي وناشط جمعوي «في الحقيقة أشعر بالأمان في بعض المدن ،و في مدن أخرى لا أثق في الإشارة الضوئية التي تلزم السيارات بالتوقف . مثلا في طنجة أشعر بأمان كبير و أنا أعبر ممر الراجلين.عكس فاس . أما في الدارالبيضاء فلا أشعر بالأمان على الإطلاق». لم يعد باستطاعة السيارة اليوم بفاس ممارسة حقها في العبور في شوارع المدينةالجديدة بعد توقفها الاضطراري أمام إشارة المرور. وأصبح عدم احترام حق السيارات والعربات في المرور من قبل الراجلين ، وحرمان الراجلين من العبور من وإلى الضفتين من قبل العربات والشاحنات تقليدا وممارسة حيوية، تتسع يوما بعد يوم خارج الضوابط والقوانين المعمول بها . والسبب زحف المقاهي وإشهار البيئة المفترى عليها ، والدفع بالراجلين توا إلى المصير المحتوم . في هذا الصدد يقول أحد المواطنين : لا وجود لقانون ينظم السير هنا سوى على الورق ، ما تراه في شوارع فاس مجرد محاولات شخصية لتفادي الاحتكاك والاصطدامات » . لقد أصبح عبور الهياكل والأشخاص حتى والضوء الأخضر مؤشرا محفوفا بالمخاطر ، بسبب تدافع الراجلين من وإلى الضفة الأخرى ، دونما أدنى احترام للقانون ، بما في ذلك حق السيارات والعربات في العبور بعد أن يكون من حقها ذلك . وهي معادلة طبعت منظومة السير والجولان بفاس بالعبثية والفوضى ، وباتت تفرض دراسة ميدانية وتشخيصا دقيقا للوضع ، مع فتح استشارات مع خبراء وأخذ رأي متخصصين في منظومة السير والجولان بالعاصمة العلمية ، من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلة التي قفزت على السطح مؤخرا ، وأفرزت واقعا عصابيا وأمراضا نفسية خطيرة ولا يتردد أحد الخبراء في القول : بفاس ، وبكل وعي ومسؤولية ، لا يوجد ممرات مخصصة للراجلين بالمعنى الفعلي للكلمة ، ويمضي «س ج» فاعل جمعوي وإطار إداري مختص في ميدان النقل والتنقل والسلامة الطرقية بفاس، في سرد أسباب هذا الغياب، مشيرا إلى أن صباغة هذه الممرات لا تقام بقواعدها وفق المنهجية العلمية ، فهي لا تراعي المعايير المعمول بها في مدارس التكوين والهندسة المدنية . فهي إما تقام تحت حرارة متقدة ، أو فوق الأوساخ والغبار وبلا لزوجة أو على عجل وبمنتهى العشوائية » . وشدد الخبير على ضرورة تفويض ملف صباغة ممرات الراجلين لشركة متخصصة بناء على دفتر تحملات دقيق وملزم . كما أن العاصمة العلمية للمملكة لا تتوفر كذلك على ممرات للراجلين مرتبطة بالتشوير الأفقي و العمودي ، أي علامة مادية تشير إلى أن هناك ممرا خاصا بالراجلين، يؤمن حمايتهم على مستوى وسط الطريق ، حتى يكون الراجل في مأمن ، ولا توجد نقط حماية للراجلين وسط الطريق كما هو موجود على الأوراق وفي معاهد التكوين الموضوعاتية. إلى ذلك ، ولعل المتتبع سيلاحظ أن طابور الراجلين لا يتوقف عن العبور خاصة عندما تؤشر الأضواء الثلاثية بالأخضر، أي السماح للعربات ، ما يضطر سائقي العربات والشاحنات إلى التوقف الاضطراري رغم أحقيتهم بالعبور ، محدثين ضوضاء تفقد الأعصاب وتؤجج الاحتقان المروري إلى أقصاه . وتعرف حركية المرور بفاس بالنسبة للراجلين أو العربات ازدحاما شديدا وغير مسبوق ، نظرا للتزايد المفرط للعربات والسيارات من جهة ، وكذلك الارتفاع الملحوظ للراجلين من جهة ثانية ، وعدم احترام كلا الطرفين لقانون المرور كليا أو جزئيا ، خاصة مع ضيق بعض مدارات المدينةالجديدة الرئيسية وتلك التي توجد وسط التقاطعات الكبرى لشارع محمد الخامس والجيش الملكي وشارع الحسن الثاني وحينما حملنا اقتراح إحداث ممرات للعبور معلقة أو تحت أرضية الى أحد خبراء فاس في المجال للتخفيف من هذا الاحتقان المروري، أكد سعيد جابري فاعل جمعوي واطار اداري مختص في ميدان النقل والتنقل والسلامة الطرقية بفاس « أن هذا الأمر هاجس نحمله جميعا ويقض مضجعنا ، إلا أن النظر إلى المشكل يجب أن يتم من زاويتين : الزاوية الأولى تتعلق بالتكلفة المادية الباهظة لمثل هذه المشاريع ، سيما وإمكانيات البلدية ضعيفة جدا ، وأشار إلى أن فرنسا بلد الهندسة المدنية بامتياز ، تجنبت إقامة الممرات الأرضية للسيارات بسبب خطورتها ومشاكلها خصوصا في الفصول الماطرة ، فهي حسب المسؤول الجهوي تسبب مشاكل تصريف مياه يصعب معالجتها في وقت قياسي ، ما يسبب احتقانا مروريا ، وأزمة سير حقيقية». من جهة ثانية يعتبر « س ج» إحداث قناطر حديدية مرفوعة شبيهة بتلك الموجودة بالطريق السيار ورشا يمكن إنجازه بسرعة ، وفي وقت محدد ، وقد يساعد على التخفيف من كثافة العبور اليوم ، أما بخصوص الممرات التحت أرضية فيؤكد أن مثل هذه الأوراش جد مرهقة من حيث التكلفة ، ويتطلب إحداثها سنوات ، ويقدم مثالا حيا بفاس التي توجد بها ثلاثة ممرات تحت أرضية تسبب مشاكل أثناء التساقطات ... ممر انتبهوا .... ازواغة... وبالمقابل يقترح إدخال تغييرات على منظومة التنقل الخاصة بالعربات خصوصا بشارع محمد الخامس مع السماح بضوء أخضر دائم مع مراعاة حق الراجلين ووقوف بلا ضوء أحمر في بعض المعابر. وتزداد الخطورة عندما يرتفع زعيق أبواق السيارات أمام الإشارات الثلاثية للأضواء المرورية ، في احتجاج جماعي مقرف، حيث يسود الارتباك والصخب ، ويؤجج الاحتقان المروري الذي يكون سببا في حدوث احتكاكات وصدامات و حوادث مرورية تحدث ضحايا وخسائر مادية في أغلب الحالات . المطلوب اليوم ، التفكير جديا في إحداث أنفاق معلقة فوق المعابر التي تشهد ازدحاما قويا وأخرى تحت أرضية . ومن شبه المؤكد أنها في حالة الإنجاز ستخفف الضغط الحاصل اليوم ، كما ستعمل على تذويب عدد من المشاكل المرورية بالعاصمة العلمية. ويقول أحد السائقين في قلق : لا أحد اليوم يحترم تلك الأضواء التي توضع في تقاطعات الطرق أو أماكن عبور الراجلين لتنظيم حركة السير وللسيطرة على تدفق حركة المرور بشكل آمن ...لا أحد ». وبالعودة إلى تاريخ الأضواء المرورية نجد أنها ركبت أول إشارة ضوئية بتاريخ 10 دجنبر 1868، خارج البرلمان البريطاني بلندن. كانت هذه الإشارة من تصميم مهندس السكك الحديدية «جون بيك نايت » لذا كانت هذه الإشارة شديدة الشبه بالإشارات الضوئية الخاصة بالسكك الحديدية في ذلك الوقت ، و لم تكن هذه الإشارة تعمل بشكل آلي ، إنما كان يتحكم بها شرطي مرور يقف بجانبها طوال الوقت. انفجرت هذه الإشارة بعد سنتين من تركيبها - بالتحديد في 2 يناير من العام 1869 - وتسببت في إصابة ومقتل شرطي المرور الذي كان يقف بجانبها. أما إشارة المرور بشكلها المقارب للشكل الحالي فقد بدأت في أمريكا في ولاية يوتا في العام 1912 . في العام 1914 أضافت الشركة الأمريكية للإشارات الضوئية منبها صوتيا لإشارة المرور للتنبيه بالتغير في لون الإشارة وفي العام 1920 استبدل أحد رجال الشرطة المنبه الصوتي بنور ثالث ، أول تحكم آلي بالإشارات بدأ في العام مارس من العام 1922 بولاية تكساس الأمريكية، وكانت مدينة تورنتو الأمريكية أول مدينة تتحكم بجميع الإشارات الضوئية فيها بشكل آلي. ولكن هذا لم يتم سوى في العام 1963 . بدأ عرض عداد الثواني في الإشارات الضوئية في التسعينات من القرن الميلادي الماضي، ليسمح لقائد السيارة بتحديد إمكانية قدرته على عبور الشارع قبل أن تتحول الإشارة للون الأحمر، ولكن هذه الفكرة لم تلق انتشارًا كبيرًا. ويرى المتخصصون أن مع بداية تشغيل الإشارات الضوئية تمكن إنقاذ 11,000 روح سنويًا، إلا أنها تسبب الكثير من الارتباك في حالة توقفها (أو إيقافها أحيانًا). في هذه الحالات فإن التقاطعات تصبح تقاطعات عادية أولوية المرور فيها للسيارات على اليمين . بعض المناطق تختلف القوانين نوعًا ما، ففي بعض الدول تُوضع لوحة أسفل كل إشارة لتوضيح القوانين في حالة إيقاف الإشارة، وفي بلدان أخرى يجب انتظار وصول رجل مرور للتحكم بالطريق (أو الانعطاف في الاتجاه المسموح الانعطاف به). تقوم بعض الدول بإيقاف الإشارات الضوئية أثناء الليل، فيومض الضوء البرتقالي لوحده وهذا يعني الانتباه في أثناء قطع التقاطع، أما في حالة وميض الضوء الأحمر فهذا يعني ضرورة التوقف بالكامل قبل قطع التقاطع. إن إعداد وتنفيذ سياسة واضحة المعالم في مجال النقل والسلامة الطرقية بفاس هو من مهام مديرية النقل والتجهيز لذلك فمن واجبها إعداد الدراسات الاستراتيجية والدراسات النوعية الضرورية للقطاع من أجل تطويره، إلى جانب إعداد آلية علمية لتتبع ومواكبة وتقييم تنفيذ هذه السياسة . وإذا كان من المهم جداً الانتباه إلى الأخطار المحدقة بالراجلين ، فإن الاختيار المأمون لحياتهم يتجلى بشكل أساس في وقف زحف المقاهي وتمططها أضعاف حجمها الحقيقي في ترام مفضوح على كل ما هو ملك عام. أضف إلى ذلك الضرب بيد من حديد على المسؤولين من رجال السلطة المتواطئين والمتغاضين عن رد الاعتبار لكل ما هو عمومي ، ومكافأة الجريئين منهم ، كذلك تخصيص ممرات مؤمنة للراجلين بارزة ومشمولة بتشوير أفقي وعمودي ، مع إحداث ممرات معلقة في بعض المدارات المزدحمة كتلك التي توجد بالطريق السيار ، كل ذلك يبدو غير قابل للتأجيل اليوم بفاس ، لأن سلامة المشاة في سلامة العبور الآمن لأسرهم ومجتمعهم ولحياتهم .