إذا كان الأدب والكتابة هو ما يجمعنا هنا والآن، فلا بد أن هذا المسمى أدبا يملك حكاية ما أو أكثر من حكاية وإلا لما تطلب منا جميعا تنظيم لقلءات من أجله وطبع كتب ودعوة الناس إلى قراءته. شخصيا لم أشك يوما في أهمية أو قيمة الأدب وتحديدا القصة القصيرة التي أعشقها منذ صباي الأولى. طبعا ليست لدي أوهام، فكتابة قصة قصيرة فعل لا يغير العالم ولا هو يزيد من عمر الإنسان أو يجلب أموالا طائلة وإنما هو أشبه ما يكون بالتنفس من خلال رئة إضافية، لذا فأنا لا أرسم لنفسي خطة يتيمة في الكتابة القصصية ولا أنا اخترت سبيل البطل الواحد ولا أسلوب الثابت ولا أنا توسلت بالقالب الجاهز لتفريغ وصياغة سبائكية القصصية، بل جاءت هذه المجموعة متنوعة ومختلفة شكلا ومضمونا كما أعتبر أن هذه الطبقات المختلفة والمدرات المتموجة تشكل عنصر قوة وغنى وجد في كل كتابة قصصية.. لكني لا أعرف ما هو هامش الحرية التي قادتني لاختيار التجربة الإبداعية. أعتقد أن فعل الإبداع رهين بعوامل تكمن في الشخصية الإنسانية ويشكل هذا الجانب الأولي والذي يتداخل مع جوانب أخرى وانسجاما مع ذلك أن العملية الإبداعية هي إعادة لهذا الكل من خلال الكتابة، القصة لاتولد في لحظة بل في كل لحظات. مرجعياتي النصية روايات وأشعار، أما لحظة الكتابة فتتحكم فيها عدة اعتبارات، منها ما هو نفسي واجتماعي. لا أكتب إلا حين أشعر بالكتابة والقصص الجميلة هي التي فيها شيء من الذات، وفي رأيي المتواضع أن من واجب كاتب القصة في المرحلة الأولى نقل التجارب الإنسانية وبشكل بسيط وموجز، وأي خبر في صحيفة يمكن أن يكون نواة لخلق قصة، المهم احترام أحاسيس المتلقي. وفي تجربتي أضع البداية عندما تستولي على ذهني ووجداني فكرة مشبعة بالمفارقة والغموض، ثمة جملة بانية للخطاب يبدأ منها كل شيء، وربما لا تكون الجملة الأخرى/ الغصون سوى تنويعا على ذلك الجذع/ تلك الجملة القصة القصيرة شجرة، أين تبدأ الشجرة وأين تنتهي؟.. من البلاهة البحث عن الجواب...أو إدعاء اليقين في ذلك...أتوقف عن مواصلة الكتابة عندما تنسحب مني القصة إلى الورق عندما أحس بخواء حاسم يعقب عملية المخاض والتحرر، وأجمل النهايات ما يأتي بعد إعادة المراجعة النقدية لما كتبت أياما أو شهورا بعد ذلك، لماذا أكتب سؤال سألته كثيرا لنفسي: أكتب لأني لا بد أن أكتب...الكتابة داء ودواء عندما أشعر بالمعاناة والعذاب لا بد لي أن أكتب، فلا ملجأ لي ولا معين سوى الكتابة، أكتب لأن في نفسي أشياء لا بد أن أقولها وإذا لم أقلها أحس كمجنون يكلم نفسه، أنا لم أكتب لأكون مشهورا وإنما أكتب لأكون موجودا وكذلك أظن أن الكاتب يستطيع أن يجد موضوعاته لقصصه في البيت وفي الشارع وفي الحافلة أو في مقر عمله بل إن أي حدث مهما يكن بسيطا وأي جملة عابرة وأي ضحكة يسمعها وهو سائر ليلا، يمكن أن تكون موضوعا لقصة...بل لعدة قصص مختلفة، وأن ما يحتاجه الأمر هو الخيال، أني لا أطالب الكاتب أن يكتب من الخيال وإنما أعني أن يستغل قدرته على التخيل في تطوير الموضوع وتحويله إلى قصة مزيج من الواقع مع الخيال، والكاتب نفسه قد يعجز بعد أن يكتب قصته أن يعرف الحدود التي تفصل الحقائق عن الخيال فيها. القصة القصيرة بالنسبة لي فن جميل يستجيب لغريزتي في الحكي، إن الإنسان بطبعه كائن حكاء، وبين الحكاية النظرية/ الخرافة والحكاية العالمة إذا جاز التعبير » القصة القصيرة «، هناك الصنعة أي وفق قواعد الصنعة القصصية أي في انضباط تام لضوابط الجنس الأدبي: هذا من جهة، من جهة أخرى فإن القصة القصيرة هي غوص في شساعة الكون انطلاقا من كوة صغيرة، وهي لعمري مفارقة جميلة أو ليست القصة هي فن المفارقة بامتياز، تحضرني الفكرة أولا أو الدفتة الوجدانية، ثم يتقرر الشكل بعد ذلك في أثناء ذلك تكون القصة ولكن هناك عوامل خارجية قد تدعوا إلى كتابة القصة، ولكن أن لكل مبدع أدواته ولكل مبدع الإختيار، الشكل الذي يعبر به عن نفسه وعن فهمه للعالم الذي حوله، ولكن القصة القصيرة من أقرب الفنون للتعبير عن الإنسان لأنها بحجمها الدقيق والكثافة والتركيز في التعبير تبدوا كالمرآة التي يطل منها المبدع فيرى صورته والتي يجب أن تكون، إنها ومضة مركزة على شيء.