أكد تقرير سياسي صدر مؤخرا عن (مركز الجزيرة للدراسات)، ومقره الدوحة، أن «المؤسسة العسكرية في الجزائر تعد اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي بالبلاد، إما بطريقة مباشرة أو باختيار وتزكية القيادات السياسية»، مسجلا أن العلاقة بين هذه المؤسسة والهيئات المدنية «تبقى جد معقدة». وأوضح التقرير الذي أعده توفيق هامل، الباحث والأكاديمي الجزائري المقيم في فرنسا، أن الانقسامات بين الرئاسة ووزارة الدفاع وجهاز المخابرات «تعكس تضارب المصالح والصراع الدائر حول طبيعة ونوعية الإصلاح المطلوب لإخراج النظام من أزمته»، مبرزا أن مدى الصراع يصل حتى إلى أحزاب السلطة، بما في ذلك المحسوبة على المعارضة. ولاحظ صاحب التقرير أن الجيش الجزائري يشكل نمطا خاصا في علاقته بالسلطة لا يشبه الأنماط التي سادت في أمريكا اللاتينية أو شبه القارة الإيبيرية، مبرزا «أنه رغم مبادرات وجهود توسيع دائرة الحكم، إلا أن المؤسسة العسكرية بقيت اللاعب الأساسي المسيطر على المشهد السياسي، وإن كانت تميل لإقامة تحالفات مع فئات أخرى، أهمها البيروقراطيون والتكنوقراط لإضفاء مشروعية أكثر على نظام الحكم وإعطائه طابعا مدنيا». وسجل في هذا السياق، أن الظاهرة العسكرية في الجزائر نشأت وتطورت على مراحل وتغذóت من أوضاع سياسية وأمنية متعددة وهي تراكمية مرتبطة بظروف نشأة وتطور الدولة الجزائرية، مشيرا إلى أن «إلغاء المسار الانتخابي ليس المظهر الوحيد ولا السابقة الأولى في تدخل الجيش في الحياة السياسية الجزائرية، بل تمظهر ذلك من خلال اللجوء إلى عبد العزيز بوتفليقة عام 1999 رغبة في نزع الثوب العسكري للجمهورية وإعطاء وجه مدني للنظام». وفي قراءته للوضع السياسي الراهن في الجزائر، يرى صاحب التقرير أن الإصلاحات التي جرت في خضم الربيع العربي «جاءت بقرار فوقي وتهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم وتجديد قواعد السلطة»، مسجلا أن الهاجس الوحيد الذي يواجه النظام الجزائري «هو قدرته على البقاء والاستمرار، دون الدخول في مواجهات عنيفة مع المجتمع». ومن هذا المنطلق، اعتبر التقرير أن كافة الإصلاحات التي تبناها النظام الجزائري «تدخل ضمن استراتيجيات البقاء» ملاحظا أنه في محاولة لامتصاص موجة الاحتجاجات ومنع انتشارها، أعلن الرئيس بوتفليقة عن عزمه تعديل الدستور وإصدار حزمة من القوانين من شأنها تعزيز الديمقراطية، «غير أنه لم يضع حدودا زمنية واضحة، مما يجعل الجزائر تعيش اليوم حالة انسداد سياسي لا يخلق البيئة الملائمة لتحديث بنية السلطة ضمن مسار ديمقراطي صار يفرض نفسه بإلحاح». الأزمة في الجزائر، يضيف التقرير، «سياسية، ولها جذور في التحولات الاقتصادية الصعبة في الثمانينات، وفي السياسات التعليمية والاجتماعية في فترة ما بعد الاستقلال، التي فشلت في إعداد الجيل الجديد، حيث تشكل فئة الشباب عبئا ثقيلا ومصدر قلق وعدم استقرار في حالة استمرار انكماش الاقتصاد الوطني، خاصة مع تذبذب أسعار النفط وانخفاض صادرات المحروقات، في الوقت الذي شهد فيه الطلب المحلي ارتفاعا متزايدا، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيق اقتصاد متنوع ومنتج». وأكد التقرير أن الاقتصاد الجزائري «يعاني اختلالات هيكلية تتجسد في التبعية للمحروقات، وتدني قطاع الأعمال بشكل لا يسمح بالاستثمار وروح المبادرة ويتسم بضعف البنى التحتية والبيروقراطية، وعدم استقرار القوانين في هذا المجال وتوسع دوائر الفساد والمحسوبية، يضاف إلى ذلك تدني جودة الخدمات الاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة في فئة الشباب». أما على الصعيد الاجتماعي، فلاحظ التقرير أن الشارع الجزائري يعيش منذ أكثر من عقد «توترا جراء تواصل احتجاجات شبه يومية متفاوتة التعبئة والانتشار، وعرفت الآونة الأخيرة توسعا في نطاقها حتى بلغت ما يقارب عشرة آلاف احتجاج في السنة، مما يعكس غياب آليات التواصل بين الدولة والمجتمع»، مبرزا أن الحركات الاحتجاجية في جنوب البلاد ضد استغلال الغاز الصخري «تمثل قفزة نوعية، ليس فقط من حيث مضامين المحتجين ومطالبهم، ولكن أيضا من حيث التوزيع الجغرافي للحركات الاحتجاجية». وفي هذا الصدد، اعتبر التقرير أن الجزائر اعتمدت سياسة دعم مبنية على معادلة «شراء السلم، عديمة الفعالية اقتصاديا وغير العادلة اجتماعيا والخطيرة سياسيا وأمنيا، بدون تحديد استراتيجية واضحة للتنمية»، متوقعا أن السلطة الجزائرية ستكون «مجبرة على إيجاد حلول جذرية للأزمات المتراكمة، لأن شراء السلم الاجتماعي من خلال رفع وتيرة ضخ النفط غير مجدية إلى الأبد». واستخلص صاحب التقرير في قراءته أن البعد الأمني طغى على الإصلاحات الأخيرة في الجزائر، حيث لم ترافقها إجراءات إعادة الثقة بين المواطن والسلطة، مؤكدا أنه بغض النظر عن محدودية هذه الإصلاحات سيبقى تطبيقها مرهونا بإرادة النظام.