تحل هذه السنة الذكرى 19 لرحيل محمد باهي، وكلما حلت هذه الذكرى بالنسبة لنا في حلقة أصدقائه، فإننا نشعر بالفراغ الذي تركه هذا الكاتب والصحفي والمناضل المشاكس. ونفتقده في هذا النقاش الذي يعرفه المغرب اليوم حول حرية الابداع وحدود هذه الحريات كما ينص عليها الدستور، ومختلف المواثق الدولية وعلاقة هذه الحرية باحترام الخلاف، خاصة النقاش الذي يعيشه المغرب حول الموقف من عقوبة الإعدام، وتعدد الزوجات وتعديلات القانون الجنائي ومختلف الفصول الواردة في مشروع القانون الجديد. هذه كلها مواضيع كان يخوض فيها الباهي مع الجميع، من فرنسيين وغربيين ومشارقة ومغاربة. وكم كان يشعر بضرورة انجاز هذه الرسالة من خلال مقارعة الحجج، والبحث عن كل ما هو متنور في ثقافتنا العربية الإسلامية. الحدود بين حرية التعبير وعدم الاعتداء على معتقدات الآخرين، تعتبر شائكة وذات حساسية فائقة، خاصة عندما يتحول النقاش والحوار الى جدل عقيم ويصبح خطيرا عندما يزيغ على مساره الايجابي ليتحول الى مدمر للمجتمع، والى أسس اختلاف التنوع والتعدد الثقافي في أي بلد. الباهي يؤمن بحرية التعبير بدون قيود وكافة اشكال التعبير من كتابة وتشكيل وسينما وكل اشكال التعبير الفني . الباهي كان مشاكسا في هذا المجال، وكانت له حوارات صاخبة مع الراحل المهدي المنجرة، ومحمد عابد الجابري وجورج طرابيشي وعبد الرحمان منيف ، ومع العديد من المشارقة والمغاربة والغربيين، وكان نقاشه يستند الى ثقافته ومعرفته الواسعة سواء بثقافته الاصلية وانفتاحه ومعرفته بثقافة الآخرين. الباهي بثقافته الواسعة وقدرته على الانفتاح ومناقشة الاخرين، كانت تجعله ينفتح حتى على الخصوم دون ان يؤثر ذلك على مبادئه، وتشبعه بالقيم الانسانية لفلسفة الانوار التي أشاعت قيم الكونية، والحرية والمساواة بين الناس. «كان الباهي يلهث وراء اقتناء المعرفة، لكن بمنهجية نقدية، ولا يعيرها قيمة إلا إذا كانت تخدم انعتاق الانسان وتقدمه، خاصة في الظروف الخاصة التي يعيشها العالم العربي والمنطقة المتوسطية بسبب الوضع بالعراق، سوريا، ليبيا ومنطقة الساحل الافريقي، وانتشار الفكر الإرهابي الذي يؤمن بأي رأي آخر أو بالاختلاف. كان الباهي يأخذ مواقف على أساس المعرفة العميقة والقناعة، لأنه كانت له ثقافة تقليدية واطلاع واسع على التراث، فقد حفظ القرآن وكانت له معرفة بالتيارات المذهبية في الإسلام واختلافاتها، وتأويلات كل مذهب والأسباب التاريخية لذلك. كان أعداء الباهي هم: الاستبداد، الظلامية، الجهل والجبروت. كم كان مفيدا حضور فكر باهي اليوم للنقاش والحوار الذي يشهده المغرب حول القضايا المتعددة التي تناقش بين تيار محافظ يجرنا الى الماضي المظلم، وتيار يريد يدفع بالمجتمع نحو المستقبل المضيء، لكن قوة فكره مازالت حاضرة بيننا رغم مرور 19 سنة على رحيله. بالنسبة للباهي الانسان قادر بعقله على أن يميز الصحيح والخاطئ، وليس في حاجة الى وصي على قيمنا وتراثنا.