مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    ربط كهربائي ومعبر جديد.. المغرب وموريتانيا يرسّخان جسور الوحدة والنماء    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجابري ينفي إمكانية تأثره بخصومه الفكريين

طوال أربعة عقود من عطائه الفكري وإسهاماته التي تركت بصمات واضحة على الساحة في المغرب والمشرق، كان الجابري، وسيبقى كذلك، محط أنظار المفكرين والنقاد الذين تعرضوا إلى اسهاماته بالقراءة والنقد والسجال المتواصل الذي أغنى الساحة الفكرية العربية والذي اشترك فيه العديد من المفكرين من أمثال طيب تيزيني، حسن حنفي، جورج طرابيشي، علي حرب ومحمد أركون.. إلخ.
المشروع الفكري الضخم الذي اشتغل عليه الجابري وخصوصا المتعلق ب«نقد العقل العربي» الذي يضم أربعة مجلدات، جعل الجابري في قلب الحركة الفكرية العربية، الاسلامية والعالمية التي جعلت من قضايا التراث وإعادة قراءته منطلقا لفهم العقل العربي، الذي اعتبره الجابري «عقلا مستقيلا» لا يحتاج إلى الإصلاح والتجديد فحسب، بل إلى إعادة الابتكار! وأنه لا يمكن الاكتفاء بنقد الفكر، بل العقل العربي في كلّيته، إذ «لا نهضة فكرية ممكنة من دون تحصيل آلة إنتاجها، أي العقل الناهض».
وقد انبرى العديد من المفكرين لمناقشة نظرية الجابري، وشهدت الساحة الفكرية العربية سجالات عديدة بهذا الخصوص، لكن يبقى أشهرها تلك التي خاضها المفكر السوري جورج طرابيشي الذي خصص حوالي عشرين سنة لمناقشة نقد العقل العربي والرد علىه، والتي اعتبرها المفكر السوري صادق جلال العظم أنها ذكرته بالمناظرة التاريخية «التي جرت بين الغزالي في المشرق وابن رشد في المغرب».
ويفسر طرابيشي تخصيصه كل هذا الوقت والجهد للرد على مشروع الجابري عوض إنجاز مشروعه الشخصي لقراءة التراث الإسلامي بالقول: هذا المأخذ صحيح وغير صحيح في آن. فهو صحيح ما دام كل «مشروعي».. قد انحصر بنقد للنقد. ولكن هل فعلا ما فعلت شيئا سوى أن «رددت» على الجابري. لا أعتقد... فالواقع أن الجابري قدم لي المناسبة، التكئة، نقطة الانطلاق، ولكن ليس محطة الوصول. فقد كف مشروعي عن أن يكون مشروعا لنقد النقد ليتحول أيضا إلى إعادة قراءة وإعادة حفر وإعادة تأسيس. أو هذا ما أرجوه على الأقل.
ويضيف طرابيشي «سحرت في أول الأمر سحرا حقيقيا بكتاب الجابري «تكوين العقل العربي». وقد كتبت عنه في حينه في مجلة «الوحدة» أنه ليس كتابا يثقف بل هو أيضا كتاب يغيّر، فمن يقرأه لا يعود بعد قراءته كما كان قبل قراءته. ومما آخذ طرابيشي على الجابري قوله إنه يوظف «الإبستمولوجيا في خدمة الإيديولوجيا. وهي إيديولوجيا متعصبة لما يسميه بالعقلانية المغربية ضد اللاعقلانية المشرقية، وللبيان السني ضد العرفان الشيعي، وللإسلام السياسي في خاتمة المطاف ضد الإسلام الروحي. ولكن أنا مدين للجابري، ولأعترف بذلك، فقد اضطرني إلى أن أخضع نفسي قبل أن أخضعه هو نفسه لمراجعة حساب شاملة».
غير أن المدافعين عن المشروع النهضوي الكبير الذي أسس له الجابري يرون أن معظم منتقديه، وعلى رأسهم طرابيشي اكتفوا بدراسة الفكر العربي ونقده من منطلق أنّ «الفكر» هو الذي ينصبغ بالخصوصية المحلية، فيما «العقل» واحد في الشرق والغرب ، في الوقت الذي قام فيه الجابري بنقض هذه البديهية، مبتكراً مصطلح «العقل المستقيل» وقد أثبت بذلك أنّه لا يمكن الاكتفاء بنقد الفكر بل العقل العربي في كلّيته.
وفي لقاء له مع صحيفة الاقتصادية السعودية ، تعرض الجابري إلى سجالاته مع العديد من المفكرين، وقال بهذا الخصوص عن طرابشي :» طرابيشي استقبل كتابي» «نحن والتراث»» بحفاوة كبيرة، غير أن حادثة شخصية غيرت رأيه الفكري كليا تجاهي، ليؤلف لاحقا كتابا يقول في مقدمته «لقد سيطر الجابري على عرش الثقافة العربية ويجب إنزاله منه!!» وقد توقفت عند هذه الجملة ولم أجد ما يدعوني لاستكمال قراءة الكتاب».
وكشف الجابري عن أنه كلم محمد أركون طالبا منه أن يشرف على أطروحة جورج طرابيشي للدكتوراه ليفاجأ لاحقا أن الأخير لا يحمل الشهادات العلمية الكافية لهذه الدرجة، وأنه يريد أن يحصل على الدكتوراه من خلال مناقشة مقالاته فقط!!
في حين يعرج الجابري على المفكر محمد أركون مشيرا إلى أنه تعلم اللغة العربية متأخرا من خلال كتابات المستشرقين، وقال «اليوم أصبحت الفلسفة فلسفة نقدية وأنا كمعاصر أرى أن النقد الثقافي قد حل مكان النقد الأدبي» كما يرى الجابري أنه لا يعتبر نفسه صوتا مخالفا، ولا متوحدا، لاغيا إمكانية تأثره بخصومه الفكريين فيقول«أنا راض تماما عن نفسي، وعن نتاجي وعن نتائجه على الناس». ويضيف «التطور الثقافي يحتاج وقتاً خصوصا في المجتمعات الاستهلاكية على مستوى الفكر والذائقة، وعموما أشعر منذ فترة طويلة بتفاؤل موضوعي تجاه الواقع الثقافي، أجد قراء لي في كل مكان، وهناك الكثير من الشباب الذين يناقشونني ويقرأون ويكتبون لي، أعرف أن هناك من يختلف معي كما أعلم أنني لا أغرد منفردا.. وحتى إن فعلت ذلك فأنا أجد دائما من يغردون معي!!».
هذا، وإن كان هناك من لا يزال يشكك في هذا الخطاب بل ويسعى إلى «الإطاحة» به كما في حال أحد أبرز ممثليه محمد عابد الجابري (1935 2010) الذي كان الأكثر حضورا في المشرق، ودون التغافل عن عبد الله العروي (1933 ) الذي كان قد سبقه من ناحية التأثير من خلال كتابه المزلزل «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» الذي اطلع عليه القارئ العربي، وضمنه المفكر العربي، من خلال «الترجمة العربية» (1970) التي سينقلب عليها العروي نفسه من خلال إقدامه، اللاحق، وبعد وفاة مترجم الكتاب، وعلى وجه التحديد العام 1995، على إعادة صياغة الكتاب. ودون التغافل أيضا عن محمد عزيز الحبابي (1922 1993) الذي كان بدوره قد لفت الانتباه إليه هناك في المشرق من خلال أبحاثه ذات الصلة ب«الشخصانية». إجمالا مع هؤلاء، ودون التغافل عن مؤسس «النقد المزدوج» عبد الكبير الخطيبي (1938 2009)، سيتم التخلص من «الهاجس السياسي الإصلاحي» الذي ظل مهيمنا، داخل الفكر المغربي، إلى حدود الستينيات.
غير أن قراءة الجابري التحليلية، وللتراث بصفة خاصة، كانت الأكثر انتشارا وتداولا داخل الفكر العربي بتياراته وإشكالاته ونزعاته. بل إنه يمكن الزعم بأنه بعد مشروع «نقد العقل العربي»، لم يعد بالإمكان قراءة التراث كما كان يقرأ من قبل، بل ويمكن القول بأن الجابري هو الشخصية المثيرة بعد طه حسين (1889 1973) داخل الفكر العربي المعاصر أو إنه «طه حسين نهاية القرن» كما صنفه أحد أكبر «أعدائه» وهو جورج طرابيشي (مجلة «النهج»، العدد 47، صيف 1997، ص208).
هذا، وتجدر الإشارة إلى أنه ليس طرابيشي بمفرده من يماثل بين طه حسين ومحمد عابد الجابري. وكنا قد سعينا إلى «دحض» هذه «المماثلة» في مقال لنا نشر، وتحت عنوان «بين طه حسين ومحمد عابد الجابري»، في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» (21 أبريل 1999).
وفي الحق ثمة قامات فكرية كانت، ومن موقع قراءة التراث ذاتها، قد أثارت نقاشات حادة مثل أدونيس وصادق جلال العظم ونصر حامد أبو زيد... غير أن الضجة التي أثارتها كتب هؤلاء كانت تستجيب لموقف معين، وصدامي، من الدين أو كانت تستجيب لحدث سياسي معين.
والمؤكد أن الاقتراب من مثل هذه المواضيع يؤهل المفكر أو الكاتب ليثير ضجة معينة أو ليثار حوله نقاش محموم بل وأن يتم تقديمه قربانا وسط حرائق الضجة.
الجابري تمكن من أن يفتح نقاشا واسعا حوله من خارج هذه الدائرة وقبل أن يقدم على الكتابة في مجال «فهم النص القرآني» التي أثارت ردودا حادة وإن خارج المغرب فقط. ثم إن حجم الكتابات، والاتهامات أيضا، حول مشروعه، المعمّد ب»نقد العقل العربي»، لم يحظ بها، وحتى الآن، أي مشروع قرائي للتراث عدا نجيب محفوظ وفي مجال الإبداع الروائي.
لقد دشَّن الجابري، وبمفرده، «عهدا قرائيا جديدا» ينم عن إبحار عريض في «قارة التراث». ومصدر ذلك طبيعة القراءة التي اعتمدها والتي تستند إلى مستندات معرفية وإيديولوجية. هذا بالإضافة إلى طريقة «الكتابة» التي سلكها في مشروعه النقدي الكبير. فكتاباته تعانق مضمونها بشكل مباشر ولا مجال فيه للزوائد. إنه ليس، وكما قال، وقبل أن يشرع في نشر مصنفات «نقد العقل العربي»، من أنصار «الكتابة في الكتابة». ولعل هذا ما يذكرنا بكتابة الخطيبي التي تمحي فيها الفواصل بين المقدمات والخلاصات بل تغدو الكتابة فيها جزءا من الفكر إن لم نقل هي الفكر ذاته. وربما أن الجابري، هنا، يقصد أيضا إلى العروي الذي يستند إلى منظور تحليلي قوامه التكثيف والاختزال لا التبسيط والتدرج. محمد عابد الجابري لا يتلذذ بالنقاش، وفي مقابل ذلك يسعى إلى صياغة أنساق مغلقة تنتهي إلى نتائج مغلقة تنتهي بدورها إلى نتائج محددة. من هنا نفهم اعتماد كتاباته أسلوب التدرج والتنسيق وبيداغوجيا التواصل. وهذا ما ساهم، ومن ناحية موازية، في تداول مشروعه وعلى نطاق واسع.
والرجل كتب، وقاوم وجابه، على مدار زمني يزيد على أربعة عقود. كان من الصنف الذي لا يهدأ بالتعبير السارتري الآفل. وليس غريبا أن يعرف خطابه، وعلى امتداد هذه الفترة، تحولات لا يهمنا أن نبحث فيها الآن أو هو ما كنا قد سعينا إلى القيام بجزء منه في كتابنا «التراث والقراءة» (2002) الذي كرسناه للخطاب النقدي المعاصر بالمغرب والذي لا نخفي إفادتنا منه في هذا المقال. يهمنا أن نشير إلى أن مشروع «نقد العقل العربي» حظي بكم هائل من الكتابات التي ربما يصعب حتى على محمد عابد الجابري نفسه مواكبتها والإحاطة بها. فهي تتطلب عملا بيبليوغرافيا مستقلا أو مسحا لمكتبة شبه قائمة بذاتها.
وقد كتبت عنه كتب مستقلة أنجز بعضها مفكرون مكرسون ولهم مكانتهم في خريطة الفكر العربي. هذا عشرات المقالات والدراسات المتفرقة في الصحف والمجلات والدوريات والكتب الجماعية. وفي هذا الصدد يمكن أن نشير إلى كتاب «هل هناك عقل عربي؟» لهشام غصيب (1993)، و»من الاستشراق الغربي إلى الاستشراق المغربي» لطيب تيزني (1996)، و»نقد العقل العربي في الميزان» ليحيى محمد (1997)، و»نقد العقل أم عقل التوافق» لكمال عبد اللطيف (1999)، والرؤى المختلفة» لسيار الجميل (1999)، و»الجابري بين طروحات لالاند وجان بياجيه» لمحمد مبارك (2000). ثم جورج طرابيشي الذي يفرض ذاته أكثر طالما أنه الوحيد الذي كرس لمشروع «نقد العقل العربي» مؤلفا ضخما جاء تحت عنوان «نقد نقد العقل العربي» وقد اطلعنا على ثلاثة أجزاء منه هي «»نظرية العقل» (1996)، و»إشكاليات العقل العربي» (1998)، و»وحدة العقل العربي الإسلامي» (2002). وهناك أيضا كتاب «الرؤية العرفانية في العقلية العربية» لفاطمة سامي فرحات (2002)، و»الكتلة التاريخية من غرامشي إلى الجابري وملاءمتها للبحرين» لعبد الله جناحي (2004)، و»الفكر الإمامي في نقد الجابري» لأحمد محمد النمر (2005)... وصولا إلى كتاب «التحليل والتأويل: قراءة في مشروع محمد عابد الجابري» لعلي المخلبي الذي هو من بين آخر الإصدارات حول الجابري (2010).
هذا بالإضافة إلى الحضور المتميز للمشروع، والذي بلغ حد الهيمنة في أحيان، داخل كتب مثل «مداخلات» لعلي حرب (1985)، و»مذبحة التراث في العقل العربية المعاصرة» لجورج طرابيشي (1993)، و»تجديد المنهج في تقويم التراث» لطه عبد الرحمان (1994)، و»البنيوية وتجلياتها في الفكر العربي المعاصر» لإبراهيم محمود (1994)، و»قراءات نقدية في الفكر العربي المعاصر» لعلي حب الله (1998)... وكما حظي مشروع الجابري بمناقشات أخرى في كتب مثل «الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي» لمحمود أمين العالم (1986)، و»التراث والهوية» لعبد السلام بن عبد العالي (1987)، و»التراث بين السلطان والتاريخ» لعزيز العظمة (1987)، و»نقد العقلانية العربي» لإلياس مرقص (1987)، و»نقد النص» لعلي حرب (1993)، و»أسرى الوهم» لأحمد برقاوي (1996)، و»الفلسفة العلمية» لعبد القادر محمد علي (1997)، و»سلطة النص» لعبد الرحمان الهادي (1998)، و»قراءة نقدية في الفكر العربي المعاصر ودروس في الهرمينوطيقا التاريخية» لمحمود إسماعيل (1998) و»قراءات نقدية في الفكر العربي المعاصر» لعلي حب الله (1998)، و»ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر»للزواوي بغورة (2001)، و»جاذبية الحداثة ومقاومة التقليد» لمحمد الشيخ (2005)... إلخ. هذا بالإضافة إلى من سعوا إلى «محاورة» الجابري مثل بنسالم حميش في «معهم حيث هم» (1988)، و أحمد برقاوي وأحمد ماضي وجمال مفرج... ]وآخرون] في «التراث والنهضة: قراءات في أعمال محمد عابد الجابري» (2004).
وقد وجهت انتقادات كثيرة لمشروع صاحب «نحن والتراث» على رأسها مسألة «القطيعة» (أو «القطيعة المزعومة» كما ينعتها أحد منتقديه) التي يقيمها بين الفكر المغربي والفكر المشرقي بسبب من «عقلانية» الفكر الأول و»لاعقلانية» الفكر الثاني، و»تجاهل الشيعة» وإصراره على ربطها ب»الهرمسية»، وكذلك «تقوقعه في إطار التحليل الإبستيمولوجي»... إلخ. هذا بالإضافة إلى اتهامه ب»السرقة» من كتب عربية، وإحالته على كتب لم يقرأها و»سوء ترجمته بعض المفاهيم»... إلخ.
من الجلي أننا أمام ركام هائل من الكتابات سعى بعضها إلى النظر في مجموع «العقل» الذي سعى الجابري إلى تتبع «تكوينه» ودراسة «نظمه المعرفية» و»مستوياته السياسية» و»الأخلاقية»، وسعى بعضها الآخر إلى الاكتفاء بموضوع واحد ضمن المواضيع أو الإشكاليات التي عالجها الجابري، وسعى بعضها إلى تتبع تأثير فلاسفة غربيين في المشروع أمثال فوكو وغرامشي ولالاند وبياجي. ومعنى ذلك أن المشروع فتح «أفقا» في الفكر العربي المعاصر، وسمح للبعض بأن يبرهن على أدواته المعرفية وعلى موقفه من التراث. وتلك هي عادة «النصوص القوية» أو «المشاريع الرائدة» التي لا يكف الجدل حولها.
والأهم أن الكتابات السالفة في حاجة إلى «مراجعة هرمينوطيقية» تسعفنا على التمييز داخلها بين «التحليل» و»التفسير» و»التقويم» ومدى تمايز هذه العناصر التكوينية ومدى تداخلها في «فعل القراءة»، وكل ذلك في المدار الذي لا يجعلنا نتغافل عن البحث في «المستندات المعرفية» التي تسند هذه القراءات طالما أن جانبا كبيرا منها لا يخلو من «تحامل» و»تآمر» ل»الإطاحة» بمشروع الرجل. إن «أقوالا» من مثل «إن محمد عابد الجابري يمثل «عقبة إبستيمولوجية»، وإنه «من أبرز المفكرين المثاليين في الوطن العربي اليوم وأكثرهم خطورة أيضا لقدرته على النفاذ إلى عقل القارئ وإيقاعه بين شباكه السحرية المثالية»، و»إن مشروعه عبارة عن أحلام فكرية لا تمت إلى الواقع بصلة»، و»إنه يساير الاستشراق الاستعماري» بل «إنه أكثر استشراقا من بعض المستشرقين»، و»إنه يكتب عن العقل ولا يكتب به»... جميعها أقوال توجِّه الكتابة، بل وتعطّل «التحليل الصارم» لفائدة «التقويم النافر». وقبل ذلك تعكس نوعا من «التوتر» الذي يشوش على «التناص الموجب» الذي بموجبه تتضافر «تاريخية القارئ» مع «تاريخية المقروء»، مما يفضي إلى «تعطيل الحدث القرائي». غير أن ما سلف لا يفند البتة أهمية بعض الدراسات السابقة (كدراسة علي حرب ويحيى محمد...) التي أسهمت حقا في إثراء مشروع الجابري. هذا وإن كانت أغلب الكتابات قد ركزت على مشروع «نقد العقل العربي» دون أن تلتفت إلى ما سبقه من كتب غنية وقوية («العصبية والدولة» (1971( تعيينا بالنظر إلى النقاش الذي حظي به «نحن والتراث» (1980) والذي جعل الأنظار في المشرق تلتفت إلى صاحبه).
كان من الجلي أن يفتح الجابري مثل هذا النقاش ولا لأنه قدم «قراءة معاصرة» للتراث سعت إلى «القطيعة» مع القراءات السائدة فقط، وإنما لأنه قدم، وعلى أرض «معركة القراءة» ذاتها، «نقدا لاذعا» للفكر العربي المعاصر يمينه ويساره على حد سواء بل ونعته، وبجرأة نادرة، ب»السلفية». وليس غريبا أن يتواصل الهجوم عليه حتى «في مماته»، ذلك أنه من الصنف المطلوب «حيا أو ميتا». غير أنه لا بأس من التمييز، هنا، بين «واجب التأويل» (والتعبير لإدوارد سعيد) الذي ينبغي أن نواجه به مشروعه وبما يخدمه ويؤسس بالتالي لنوع من «الفكر القرائي الاختلافي» وبين «مقصلة التأويل» (والتعبير لصبحي حديدي، هذه المرة) التي لا تفيد المشروع في شيء طالما أنها لا تتأسس، وابتداء، على أي «حس قرائي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.