أكيد أن لفظة السياسي تحيلنا على حقل السياسة باعتبارها علما وليس مجالا للكسب كما يخيل للبعض، فمنذ أن نشأت التجمعات البشرية ظهرت السياسة كفن إدارة شؤون المجتمع الذي يتخذ شكلا أو وحدة سياسية تسمى الدولة، و بالعودة إلى الجذور التاريخية لعلم السياسة نجد أن جهابذة الفكر الإنساني قد اهتموا بها كما اهتموا بالسياسي ومنه الاهتمام بالدولة نظرا لارتباط هذه العناصر الثلاثة ارتباطا أشبه ما يكون بالعضوي، و هنا لا بد من التأكيد على دور السياسة في استمرار الحياة واضعة بذلك حدا لعدوانية الإنسان على اختلاف أسباب و دوافع هذه العدوانية، لذلك من اللازم على السياسي أن يكون يقظا يقظة بالغة خاصة و أن خطأ سياسيا واحد قد يكلف المجتمع بأكمله خسائر مادية و معنوية قد تفضي به مباشرة إلى الهلاك أو اللاعودة، لذلك فالمسألة هي قضية حياة أو موت، خراب أو عمران، تخلف أو تقدم، فقد سبق لأحد كبار معلمي البشرية في المدينة اليونانية "أفلاطون " أن أعطى تصورا مثاليا للمجتمع السياسي، لكن مع الأسف يبدو أن الناس لم يتقبلوا تصور أفلاطون للمدينة، و هنا بقي الفكر الأفلاطوني مجرد كلام دون أية أهمية تذكر، وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن مواصفات السياسي الناجح الذي بمقدوره المساهمة في توفير الرخاء و الازدهار، الحرية و الاستقلال، و بالتالي السيادة و الكرامة، فحين يتعلق النقد بالمجال السياسي فهو يبقى مشروعا مشروعية تامة، لأن الأمر يتعلق بالأمة و ليس بالفرد الواحد انطلاقا من أن أي قرار يمكن أن يتخذ قد ينعكس سلبا أو إيجابا على المجتمع . فإذا انعكس إيجابا فهذا أمر محمود، أما إذا انعكس سلبا فحينها يجب رد الأمانة إلى أهلها الأدرى بها . فالسياسة هي أولا وأخيرا علم وليس ميدانا لكسب النجومية أو لإثبات الذات ومنه، فالمواصفات المطلوبة في رجل السياسة الناجح طبعا هي أولا النزاهة كقيمة أخلاقية وسلوكية تحمل في داخلها معنى الشفافية و محاربة الفساد بكل أنواعه وأشكاله ، وطهارة اليد و عدم التعرض للمال العام أو الممتلكات العامة، حيث يجب أن تصبح النزاهة سلوكا أخلاقيا رفيعا لا تستقيم حياة الشخص إلا بوجودها و لا سبيل لتحقيقها إلا من خلال بناء سلطة الرقابة على الذات أولا قبل أن ينصب الشخص نفسه رقيبا على الآخرين، فهذه القيمة من الأولى أن تصبح ثقافة مجتمع بأكمله، ثانيا :من المفروض أن تكون شخصية السياسي متزنة، فالشخص المتزن هو الملتزم بمواقف الاعتدال شعوريا و نفسيا و فكريا بعيدا عن الغلو في أي صفة من هذه الصفات، و هو الذي لا يفقد أعصابه عند الخطب و الذي لا تهيج مشاعره في المواقف الإنسانية و يحسن معالجة المشكلات و يتصرف بعقلانية و روية و أدب، وتوازن الشخصية يرتبط بالمرونة أي القدرة على التفاهم مع مختلف التيارات و القوى السياسية ، فإذا كان من الإسلاميين فعليه أن يحسن الإنصات و التفاهم مع اليسار أو الأحزاب الوسطية أو الحراك الشعبي و العكس صحيح، الصفة الثالثة هي المعرفة و الخبرة الاقتصادية، لأن أخطر الأزمات التي يمكن أن تواجه أي بلد هي الأزمة الاقتصادية، لذلك وجب الإلمام بعلم الاقتصاد كفرع من فروع العلوم الاجتماعية تهتم بدراسة عملية الإنتاج و التوزيع و استهلاك السلع و بمختلف مدارس الفكر الاقتصادي باختصار شديد . الصفة الرابعة : المصداقية، و تعني في الخطاب السياسي مدى التزام الشخصية السياسية بوعودها و مدى جديتها، علما أن الالتزام و الجدية يؤديان إلى ارتفاع ، الأمر الذي يجعل الآخرين يمنحون ثقتهم ، فإذا كان السياسي لا يستقر لا على رأي و لا على موقف، فإن هذا سيؤثر لا محالة على مصداقيته و يجعلها في مهب الريح، أما الصفة الخامسة فهي أن يتميز بالنظر إلى مستقبل مختلف عن الماضي و الحاضر و أن يحترم كافة أنواع الحريات و في مقدمتها حرية التعبير و ممتنعا عن الاستفزاز المجاني للقوى السياسية الأخرى و المجتمع بشكل عام من خلال قرارات أحادية فوقية دون الاستشارة مع الرأي العام وسادسا :المسؤولية فهذه الأخيرة تفرض على الفرد أن يلزم نفسه أولا و أن يكون قادرا على أن يفي بالتزاماته اتجاه الآخرين دون إغفال أن المسؤولية السياسية ترتبط أشد ارتباط بالعقاب، ويعني هذا أن السياسي الذي يفشل في مهمته و يرتكب الأخطاء تجاه جماعته أو يخل ببرنامجه السياسي لا بد من أن يخضع للحساب، وما مقاطعة المؤسسات السياسية و العزوف السياسي إلا شكل من أشكال العقاب للسياسيين و دليل واضح على فقدان الثقة في العمل السياسي لذلك و جب على السياسي الوعي و الإيمان بأن خدمة الصالح العام فوق أي اعتبار، فأكيد أن التاريخ يسجل للأفراد بقدر ما يسجل عليهم و صفحاته قد امتلأت عن آخرها بالتجارب الفاشلة . بناء على هذا يجب على السياسي أن يخضع ذاته لامتحان عسير في ضوء هذه الصفات قبل أن يلقي بذاته في بحر السياسة.. من أجل هذا لابد له أن يعود دائما لدراسة كل ما كتب في عالم السياسة و أن ينزع من فكره اعتقاده الوهمي باليقين، فاللايقين أصبح مبدءا جوهريا في العلوم الحقة، فكيف نتحدث إذن عن اليقين في السياسة و الفكر السياسي السليم هو الذي يمنح الأولوية للكيان الجماعي على حساب الخصوصية الفردية، كما أن تحمل المسؤولية و لو أثناء الفشل أشرف من إلقائها على أكتاف الآخرين .