حل الأستاذ موسى محمد حامد عمر ضيفا على «مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم» التي نظمت ندوة فكرية دولية كبرى امتدت على مدى يومين (14-15 ماي الجاري) بالمكتبة الوطنية بالرباط في موضوع «المجتمع الدولي وسؤال الديموقراطية والإرهاب». الأستاذ موسى عمر هو صحفي موريتاني بارز، مستشار مكلف في مركز استراتيجيات الأمن بمنطقة الساحل والصحراء. { تحدثت عن منبع «داعش»، وقلت إنها بدأت ببعض الشخصيات المحيطة بصدام حسين، في جريدة ألمانية «دير شبيغل». الحقيقة أننا عندما نريد الحديث عن «داعش» لا يمكن أن نفصلها عن المحيط الذي نشأت فيه، وهو الصراع العراقي، أو الحرب في العراق. فالحرب في العراق بالدرجة الأولى حرب مذهبية. أعني أنها بدأت وترعرعت ونضجت كحرب ما بين الشيعة الذين تحكموا في البلاد منذ الإطاحة بصدام حسين، خاصة مع حكم رئيس الوزراء المالكي. والذين حاولوا أن ينتقموا لأنفسهم، عن طريق مضايقة الذين كانوا يمارسون السلطة ضدهم خاصة من أبناء أهل السنة في العراق، فحبس الكثير منهم، وتمت مضايقة بعضهم والتنكيل بأسرهم خاصة بنسائهم، وهذه مسألة مهمة عند أهل العراق، إنها مسألة شرف. ويكفي أنه في الموصل مثلا، هنالك بعض المناطق وبعض الشوارع التي كانت محظورة على أهل السنة. استمر هذا الوضع إلى الانتخابات العراقية الأخيرة وحتى قبلها، وتجلى في المشاكل في الفلوجة والرمادي وفي تكريت، هذا كله، ساهم في خلق صحوة لأهل السنة، خاصة أن الذي كان يعاملهم هذه المعاملة السيئة ليس بالدرجة الأولى الجيش ولا الأمن العراقي، وإنما ما يسمى بالعشائر، أي الشيعة مجندين في هذا الإطار. لذا مثلما يقول الكثير منهم ومن أشياخهم أنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان من أجل التخلص من المالكي. لذلك تحالفوا مع داعش لا إيمانا بفكر داعش، وإنما اعتبروا بأنها راية يعتقدون أنهم بإمكانهم تغيير الوضعية السيئة التي كانوا يوجدون فيها. وحسب ملف أعدته الجريدة الألمانية واسعة الانتشار منذ حوالي شهر، فإن داعش أهم رجل فيها كان ضابطا من المخابرات العراقية في عهد صدام حسين، سُجن في أبي غريب مدة سنتين، وعندما خرج من السجن هو الذي تمكن من أن يلملم الكثير من الناس سواء من الإسلاميين أو من البعثيين القدامى، خاصة الجيش العراقي الذي له أهل السنة والعشائر، استطاع أن يصهر هذا كله في إطار هذه الحركة الدموية. ويبدو أنه قُتل منذ عدة أشهر في قتال مع الجيش السوري. { ما هو اسمه؟ الجريدة أعطت اسمه لكنني لم أعد أتذكره. { قلت أيضا في محاضرتك أن للكل في هذا العالم أجندة خاصة به إلا نحن؟ هذا صحيح، أعتقد بأننا لم نكن سباقين في التأثر بهذه الظاهرة المخيفة، أي ظاهرة الإرهاب. حتى أننا في بعض الأحيان كنا نعتبر بأنه شر لا يمس إلا الآخرين. وبالتالي فإنه نتيجة لان هذه الظاهرة أول ما ضربت بشكل مذهل، ضربت قوة عظمى، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية. التي تصرفت كوحش مجروح إلى درجة أن رئيسها الغبي يومئذ جورج بوش الابن قال بالحرف الواحد: إما معنا أو مع عدونا. فقد قسم العالم إلى معسكرين، في نظري شريرين: معسكره هو أو معسكر القاعدة والحقيقة أن العالم أكثر وأكبر من هذا. لذلك وجدت منطقتنا العربية الإسلامية التي وإن لم يستهدفها الخطاب مباشرة محط اتهام، خاصة أن الرئيس الأمريكي تحدث يومها عن حروب صليبية. فأصبح ذلك مثل اتهام للأنظمة والشعوب المنطقة العربية الإسلامية بشكل عام، مما جعلهم يؤيدون بشكل أعمى الحرب التي أعلنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على المجهول من أجل الانتقام أكثر منه لأجل درء مخاطر هذه الظاهرة الإرهابية. المهم اليوم ممكن أن نرجع إلى الوراء ونتساءل ماذا حققت الحرب على الإرهاب أكثر من ميلاد قاعدات كثيرة (استنساخ القاعدة). { تحدثت عن الأجندة الغبية لبوش، هل لأوباما أجندة خاصة، أم أننا نتحدث عن أجندة أمريكية؟ الرئيس أوباما وهو شخص ذكي نتيجة لتكوينه العلمي، أدرك أن الحروب التي شنتها الولاياتالمتحدةالامريكية حروب طائشة، قد لا يكون لها كبير تأثير على الخطر الذي ظل محدقا على دولته. فحاول أن ينسلخ من المناطق التي وجدت فيها دولته، مع محاولة دفع الآخرين إلى القيام بالحرب بدله. ويكتفي فقط بالمعلومات والمخابرات وباستخدام الطائرات بدون طيار في كثير من الأحيان من أجل تتبع من يعتبرهم أعداء الولاياتالمتحدةالأمريكية، أي أولئك الذين دبروا هجوم 11 شتنبر. إذن، الذي يبحث عنه أوباما، هو الثأر من أولئك الذين تجرأوا على مهاجمة القوة الأعظم، دون أن يعير كبير اهتمام للمشاكل المحلية أو الإقليمية في عالمنا العربي الإسلامي. { قلت أيضا بموت الديموقراطية في أعرق بلد ديموقراطي هو الولاياتالمتحدة، ما معنى موت الديموقراطية في الدول الديموقراطية بشكل عام؟ أنا أعتبر أن أول ضحية للحرب المعلنة على الإرهاب هو النظام الديموقراطي خاصة في البلدان التي كنا نعتبر أنها الحاضن الأول للديموقراطية. حيث أصدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية القوانين التي تعرف «بباتريوت أكت» (القرار الوطني)، وهو قانون يفتح المجال على مصراعيه للأجهزة الأمنية للتصرف ما شاءت وكيف شاءت ومتى شاءت، حيث أحدث سجن غوانتانامو، وما فيه من ممارسات غير إنسانية، وأحدث ذنب قانوني هو «ذنب الشكل». وفي فرنسا مثلا بعد أحداث «شارلي إبدو» استُحدثت كذلك قوانين تعطي للأجهزة الأمنية كامل السلطة في التصرف في حياة الناس والتنصت ضدهم والتدخل في حياتهم العادية. وبالتالي هذا لعمري يعني انحسار الديموقراطية في بلدان الديموقراطية، وهو أول نجاح للمتطرفين السلفيين. { هل تتوقع ظهور تطرف ديني آخر أخطر من الذي نعيشه اليوم؟ لأن العنف والعنف المضاد هو في تنام غير معقول؟ ما أخشاه هو الأسلوب الذي تم التعامل به إلى حد الآن مع هذه الحركات الجهادية، وهو أسلوب غير ناجع. وما أخشاه أن نتمادى في هذا الطريق الخاطئ خاصة في بلداننا وهي الأكثر تضررا بهذه الظاهرة. إذا ما رجعنا إلى الخسائر الفادحة في الأرواح التي تُحصد يوميا في معظم مناطق العالم العربي والإسلامي، بحجة هذه الحرب الجهادية، يجب أن نفهم بأن الضحية الأولى لهذه الحرب الجهادية الطائشة هي المجتمعات العربية الإسلامية، التي هي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بمقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الدوافع التي دفعت شبابها إلى الانخراط في هذا للمشروع الشيطاني. { في المغرب كنا نتحدث عما أسماه البعض ب»الاستثناء المغربي»، وكنا نخوض تجربة التحديث والتطوير والديموقراطية، وفجأة جاءت الضربة، وظهر جيش من الجهاديين، والصحافة العالمية تتحدث عن أمراء وعسكر مغاربة. ما السبب في أن المغرب بدأ يصدر إرهابيين إلى العراق، وسوريا وأفغانستان؟ أنا أود أولا، وهذا من باب الحقيقة، لا لأي سبب آخر، أن أنوه بالتجربة الديموقراطية المغربية، وبما آلت إليه من استقرار وتفاهم وتعاضد للقوة السياسية المغربية. هذا المغرب الذي أصبحت مؤسسة الملك فيه خلافا لما في دول أخرى، أداة استقرار، لذلك للرد على سؤالك أعتقد بأنه صحيح هناك الكثير من المغاربة يقاتلون في ظل الدولة الإسلامية، كما هنالك الكثير من التونسيين والجزائريين ومن معظم دول الإسلامية والعربية. فلكل بلد ظروفه، إلا أنني شخصيا أعتبر بأنه مادام هؤلاء الجهاديون لم يقوموا بفعلتهه بدورهم ، خاصة في المغرب، معنى أن انخراطهم في الحرب الجهادية، قد يعود إلى أسباب وعوامل خارجية، خاصة الغبن الفاحش في العلاقات الدولية، إذا ما قسناها بتعامل المجتمع الدولي مع المشكلة الفلسطينية. { باعتبار تخصصك في قضايا الساحل والصحراء، نريدك أن تحدثنا عما يجري هناك؟ منطقة الصحراء والساحل هي منطقة تؤرق اليوم أكثر من دولة وأكثر من مركز للتحاليل الاستراتيجية لسبب بسيط أنه من السواحل الأطلسية لإفريقيا الغربية، وحتى الصومال، أي البحر الأحمر، هذه المنطقة هي منطقة سائبة، أي أنها لا تخضع لسلطة مركزية نتيجة لهشاشة التنظيمات أو الهياكل الإدارية لدول هذه المنطقة مما ينعكس على الأمن وعلى الاستقرار، ويحول المنطقة إلى أرض خصبة لاستيعاب الحركات الجهادية المختلفة، وكذا شبكات تهريب المخدرات والسجائر وما إلى ذلك. هذا الواقع يعطي لهذه الحركات حلفاء طبيعيين وهم السكان الأصليون لهذه المناطق التي تفتقر في معظمها إلى أدنى مقومات الحياة، مثل خدمات الماء والهاتف...نتيجة لغياب أي وجود للدولة فيها. هذا الواقع هو الذي أدى إلى ما حدث في شمال مالي سنة 2012 عندما استولت الحركات الجهادية على ثلاثة أرباع مساحة الدولة المالية. ولولا تدخل القوات الفرنسية في بداية 2013 لذهب الجهاديون حتى العاصمة باماكو، بيد أن هذه التدخلات الأجنبية، وهي مهمة في ردع خطر الحركات الجهادية، إلا أنها في نفس الوقت تغذي وجودها لأن السكان الأصليين الذين يعيشون من هذا الاقتصاد الإجرامي (مخدرات، أسلحة، سجائر) بجميع أنواعه ليست لهم مصلحة في وجود الدول والسلطات المركزية كي لا يكبح ذلك عملياتهم. هذا ومن المهم أن أشير إلى أنه إذا كانت دولة مالي اليوم دولة سائبة، فإن عدوى ذلك ستصل اليوم أو غدا إلى جيرانها، وقد تتعداهم إلى المحيط المجاور، أي شمال افريقيا. أعتقد بأن أمن الساحل والصحراء لا يمكن أن يُفصل البتة عن أمن شمال إفريقيا وهي المنطقة التي خرج منها الداء عن طريق الجزائر. من نافلة القول أن هذا التعاون الجهوي الأوسع بين منطقة الساحل والصحراء ومنطقة المغرب العربي، خصوصا أن هذا التعاون تقف حجرة عثر أمامه السلطات الجزائرية التي لا ترغب في إشراك دولة مهمة من المنطقة، بإشعاعها الاقتصادي والثقافي والديني في دول الصحراء والساحل، أعني المملكة المغربية.