ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي تحاور الأستاذ خالد بن الصغير
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 05 - 2015

المؤرخ المغربي خالد بن الصغير أستاذ محاضر في التاريخ المعاصر في كلية الآداب والعلوم الغنسانية بالرباط. من مؤلفاته:»المغرب وبريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر (1856-1886)»، حصل به على جائزة المغرب الكبرى للكتاب? 1990
المغرب في الأرشيف البريطاني، مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن
(1845 - 1886)
رحلة الصفار إلى فرنسا: حائز على جائزة ابن بطوطة في حقل تحقيق المخطوطات، بالاشتراك مع سوزان ميللر- 2006
أجرت الجريدة معه هذا الحوار الغني لإثارة العديد من القضايا من زاوية اختصاصه.
التحولات الجارية اليوم في المغرب والتي تسير على قدم وساق، وأحيانا بسرعة كبيرة، وعلى كثير من الأصعدة، هي تحولات تبدو طبيعية ومن باب تحصيل الحاصل
شكلت قضية المغرب وأوروبا، بريطانيا على الخصوص، جزءا هاما ومركزيا في أبحاثك، لماذا هذه القضية، لماذا بريطانيا؟
بحكم القرب الجغرافي بين المغرب والمجال الأوروبي وسهولة التواصل معه، وبناء على ما ترتب عن هذا من تفاعلات سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية، وفي ظل التحولات العميقة التي شهدتها أوروبا بعد الثورتين الفرنسية والصناعية، فإن الوضع في المغرب، وأيضا في كل من الجزائر وتونس، قد أصبح منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر تحت التأثير المباشر للغرب الأوروبي. هذا التأثير اتخذ أشكالا اختلفت بتنوع الأهداف التي كانت تسعى كل واحدة من الدول المتعاملة مع المغرب بموجب معاهدات دولية أبرمتها معه منذ قرون خلت. غير أن احتلال الجزائر سنة 1830، وما ترتب عنه من مواجهة عسكرية بين المغرب وجيرانه الأوروبيين الجدد سنة 1844، ونعني بهم الفرنسيين، بالإضافة إلى إعلان إسبانيا، هي الأخرى لحرب ذات صبغة استعمارية واضحة، في نهاية خمسينيات القرن التاسع، قد أوضح وجود أطماع فرنسية وإسبانية حقيقية، لا سبيل إلى التشكيك فيها تستهدف الوحدة الترابية للمغرب. في حين، أن بريطانيا العظمى التي سعت إلى تحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية، نجدها تعترض على المشاريع الفرنسية والإسبانية الرامية إلى المس بسيادة المغرب على أراضيه. وقد أثبتت ذلك بطريقة عملية، حين منعت فرنسا من الزحف المبكر على فاس بعد هزيمة القوات المغربية في إيسلي، كما ظلت حريصة على عدم استمرار الوجود الإسباني في تطوان، فأقنعت السلطان محمد بن عبد الرحمن (1859-1873) وبصعوبة، بقبول الشروط الإسبانية الثقيلة التي وضعتها للخروج من تطوان. وكان الدافع وراء هذه المساندة البريطانية للمغرب هو رغبتها في حماية مصالحها الاستراتيجية العليا المعروفة في حوض البحر الأبيض المتوسط، والمرتبطة أساسا بقاعدتها البحرية الحيوية في جبل طارق التي تتحكم بواسطتها في مصير الملاحة الدولية، وخاصة بعد فتح قناة السويس. ومن ثم، يمكن القول إن مصلحة البلدين كانت مشتركة في هذا الصدد، لأن بريطانيا ظهرت تدريجيا أمام المخزن بمظهر الدولة «الصديقة»، بحكم أنها لم تكن لها أطماع ترابية صريحة تجاه المغرب، بل إنها على العكس من ذلك ، حاولت في مناسبات عديدة عرقلة التحركات الفرنسية والإسبانية المناوئة للمغرب.
ما هو الثابت والمتحرك في هذه العلاقة؟
أعتقد أن الثابت في هذه العلاقة هو أن فرنسا وإسبانيا في مرحلة أولى، ودولا أخرى مثل ألمانيا بعد سبعينيات القرن التاسع عشر، قد واصلت تهديداتها لسيادة المغرب على أراضيه، على الأقل إلى حدود سنة 1904، التي شهدت إبرام الاتفاق الودي المشهور بين بريطانيا وفرنسا على حساب المصالح الإسبانية والألمانية.
أما المتحرك في هذه العلاقة، فأعتقد أنه مرتبط بالاستراتيجية التي اعتمدتها بريطانيا في علاقاتها مع المغرب، حين قررت أن تتخذ من تطوير التجارة المغربية وتقوية المبادلات الخارجية مع أوروبا، رافعة أساسية للاقتصاد المغربي، ووسيلة عملية لتمكين الدولة المخزنية البسيطة، من الرفع من مواردها المالية، حتى يتسنى لها الشروع في تحقيق برنامج طويل الأمد للإصلاحات التي يجب أن تعم كل مكونات الدولة، وخاصة الإدارية منها والمالية. واعتبرت بريطانيا أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن لسلاطين المغرب أن ينقدوا بها بلادهم تفاديا لسقوطها لقمة سائغة في أيادي فرنسا أو إسبانيا الطامعتان حقا في أراضي بلادهم. غير أن هذه الاستراتيجية الاقتصادية واجهتها صعوبات شتى، وحالت أسباب داخلية وخارجية دون تفعيلها بنجاح على أرضية الواقع. بل إن خطة الانفتاح الاقتصادي التي دعت بريطانيا المغرب إلى نهجها بموجب تفعيل مقتضيات معاهدة 1856 التجارية، ما لبثت أن تحولت مع مرور الزمن، بحكم تحجر جميع البنيات والعقليات السائدة في المغرب من جهة، وبفعل العراقيل التي وضعتها فرنسا وإسبانيا أمامها، من جهة ثانية، إلى سبب مباشر ساهم بطرق مختلفة في خلق أزمات عديدة انتهت إلى انتشار الفوضى وانعدام الأمن وإلى عجز الدولة المخزنية عن الوقوف في وجه التحرشات الأجنبية التي نجحت في نهاية المطاف في النيل من سيادة البلاد وأفضت إلى سقوطها تحت نير الاستعمار.
درست أيضا وحققت رحلات، منها رحلة الصفار، هل تشكل الرحلة مادة خصبة للمؤرخ؟
تجربتي مع رحلة الصفار كانت صدفة في الحقيقة عند بداية مسيرتي كباحث في حقل التاريخ. وأعتبرها صدفة سعيدة، لأن هذا النص الرحلي الوحيد الذي اشتركت في الاشتغال عليه مع الباحثة الأمريكية سوزان ميلار، يظل على الرغم من وجود نصوص رحلية أخرى، جد متميز، لأن كاتبه استطاع وضع يده على مواطن القوة عند الفرنسيين، والتي لخصها في الاعتماد على العلوم الدنيوية والعقلية الدقيقة، وعلى التحلي في كل السلوكات بالنظام والانضباط والحزم وحسن الاستعداد، وما إلى ذلك من الأمور التي وقف عليها محمد الصفار في رحلته إلى باريس، وهي من هذا الباب مادة خصبة للمؤرخ.
عندما تبدأ في التمحيص في رحلة معينة، عن ماذا تبحث بالدرجة الأولى؟
أعتقد أن نصوص الرحلات من خلال تجربتي المتواضعة معها، لأن هناك زملاء آخرون تخصصوا في تناول موضوعها بشكل أعمق، هي مواد مفتوحة على جميع التخصصات، ويمكن تناولها من زوايا عديدة. لكن أهم شيء تمثله بالنسبة للمؤرخ، هو ضرورة التأكيد على أنها ليست بوثائق يجب أن تحظى بنفس قيمة الوثيقة التاريخية بمفهومها الدقيق والمتداول لدى معشر المؤرخين، لكنها لا تمثل أكثر من شهادات ظرفية لها قيمتها، وإن كانت صادرة عن أشخاص فرادى أتيحت لهم فرصة السفر هنا وهناك، شرقا أو غربا، فسجلوا معايناتهم وحاولوا نقلها إلى نص مكتوب قابل للاستغلال. وعندما تغيب الوثيقة التاريخية ويحضر النص الرحلي، فإن هذا الأخير، يساعد المؤرخ وغيره من الباحثين من الاستجابة لبعض من حاجياته المطلوبة.
والأرشيف، هل في المغرب يجد المؤرخ نفسه مرتاحا أثناء مطاردته للأرشيف؟ أم أنه يجد نفسه مضطرا لمطاردته في الخارج؟
قصة الأرشيف هذه طويلة جدا وعويصة في الوقت ذاته. ونحن في حاجة ماسة إلى وضع مؤلف خاص عن هذا الموضوع الشائك والبالغ الأهمية ليس بالنسبة للمؤرخين وحدهم، ولكن بالنسبة لجميع التخصصات البحثية دون استثناء، بل وحتى لعموم المواطنين الذين تضطرهم حياتهم اليومية إلى التعامل مع أنواع مختلفة من الأرشيف بشكل أو بآخر. لكن فيما يخص علاقة الباحثين في حقل التاريخ بالأرشيف، يمكن القول في عجالة بوجود مرحلتين أساسيتين. المرحلة الأولى، وهي التي أتت بعد استعادة المغرب لاستقلاله، حيث استهلت الجهود الطلائعية الأولى، سواء من طرف المؤسسات التابعة للدولة أو من قبل الخواص، للحفاظ على ما تبقى من الأرشيف في أماكن عديدة تابعة لخزانات القصور الملكية أو الخزانات العمومية والخاصة، وأيضا للشروع في استغلال محتوياتها المتنوعة الأشكال والمواضيع لكتابة تاريخ المغرب بأقلام مغربية. وأعتقد أنه على الرغم مما قيل في هذا الباب من أشياء غير إيجابية أحيانا عن خصوصيات الوثيقة المخزنية الرسمية وعيوبها، فإن البحوث الرصينة والعميقة التي أنتجتها الجامعة المغربية، في ظروف صعبة ومضنية جدا، بفضل مراعاتها للانفتاح أيضا على الأرشيفات الأجنبية ومناهج العلوم المساعدة، ما بين السبعينيات وإلى حدود نهاية التسعينيات من القرن الماضي، قد مكنت من تحقيق تراكمات من مستوى رفيع تحتل فيه الصرامة والجدية مكانة مركزية على مستوى الكتابة التاريخية، قد يتعذر تجاوزها اليوم، بل ويستحيل تماما، ويا للأسف، إنتاج بحوث من مستواها في السنوات اللاحقة.
وأعني بهذا التحول للحديث عن البحوث التاريخية التي تم الشروع في إنجازها في المرحلة الثانية، حيث تراجع فيها تعامل الباحثين الشباب، في وقت تحسنت فيه نسبيا ظروف الاستفادة من الأرشيف التاريخي، سواء المحفوظ منه داخل المغرب أو في الخارج، إلى درجة أن عددا كبيرا من الأطروحات الجامعية التي نوقشت ولا تزال تناقش اليوم في تخصصات التاريخ الوسيط والحديث والمعاصر، إلا مع بعض الاستثناءات القليلة، وذلك منذ بداية الإصلاح الجامعي الذي لازمه التعثر، قد أصبح أصحابها لا يكلفون أنفسهم عناء البحث الجدي في الأرشيف التاريخي على غرار أسلافهم، ليكتفوا بالإحالة السريعة على ما أتى به المنتمون إلى جيل ما قبل الإصلاح، وأحيانا بطرق لا تشرف البحث الجامعي، من سطو وتحايل على امتصاص جهود السابقين ونسبتها إلى إنجازاتهم المشبوهة التي تنقصها الصرامة والجدية، لتظل في معظمها، وبطبيعة الحال، حبيسة الرفوف لاستحالة إمكانية المجازفة بنشرها.
أما اللجوء إلى الأرشيف التاريخي المتعلق بالمغرب والمحفوظ في الخارج، فهو أمر أساسي لتمكين الباحث من معالجة مواضيعه بأكبر عدد ممكن من الوسائل الكفيلة بالإجابة على أسئلة تظل مطروحة إلى اليوم. وفي هذا الباب، يمكن القول في عجالة، أن جميع الدول الأجنبية التي كان لها تمثيل دبلوماسي في المغرب، سواء خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث كانت مقرات جميع المفوضيات الأجنبية قائمة في طنجة، أو خلال مرحلة الاستقلال، جميع هذه الدول تتوفر ضمن دور أرشيفاتها الوطنية على ملفات قد تكثر أو تقل تتعلق بالأوضاع في المغرب، بما في ذلك روسيا والسويد والدنمارك والنرويج والولايات المتحدة والبرازيل وغيرها. صحيح أن تكاليف البحث في هذا الأرشيف ثقيلة، ولكنها تمكن من سد الفراغات الكثيرة الموجودة أحيانا في الأرشيف المغربي، كما تساعد على تسليط الأضواء الكاشفة على مواضيع لا تتوفر عنها معطيات كثيرة في الأرشيف المغربي.
كيف يرى الأستاذ خالد بن الصغير المغرب اليوم: يتحول؟ يتراجع؟ يزداد غموضا؟
أعتقد أن المؤرخين بصفة خاصة، وحتى غيرهم من المنتسبين إلى تخصصات معرفية ومهنية أخرى لكن ممن لديهم اطلاع كاف على تاريخ المغرب، ولو في خطوطه العريضة، هم قادرون ربما أكثر من غيرهم على رصد معالم الأوضاع القائمة في مغرب اليوم، ولو منذ استعادة الاستقلال على الأقل. لكن الغريب هو أن المؤرخين يتحاشون القيام بذلك ربما بحكم التعفف والتواضع فقط، ليتركون غيرهم من غير ذوي الاختصاص، يصولون ويجولون ليتحولوا بين عشية وضحاها إلى خبراء من النوع الخارق للعادة، وفي مختلف وسائل الإعلام المتداولة اليوم. وما أقصده بكلامي هذا، هو أنني لاحظت بحكم تعاملي سابقا مع مؤسسات تكوينية غير كليات الآداب حيث يتم تدريس التاريخ كتخصص قائم الذات، فإن المدرسين والطلبة على حد سواء في كليات الحقوق والعلوم والطب والزراعة وغيرها من المعاهد والمؤسسات العليا، تسود لديهم نظرة إلى المغرب المعاصر لا يتوفر فيها بتاتا البعد التاريخي بأي من مكوناته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذا نتيجة لغياب الدرس التاريخي الشمولي والهادف في برامج هذه المؤسسات، مما يكون له انعكاس سلبي على فهم الأجيال الحالية لواقعها اليومي فهما متوازنا وهادئا خاليا من أي توتر أو سوء في الفهم.
وجوابا عن سؤالك بخصوص التحول، والتراجع، وتزايد الغموض، فإنه إذا ما استندنا إلى البعد التاريخي وما ينطوي عليه من دلائل عن تبدل الأحوال في المغرب منذ فرض الحمايتين الفرنسية والإسبانية على المغرب؛ فالظاهر هو أن التحولات الجارية اليوم في المغرب والتي تسير على قدم وساق، وأحيانا بسرعة كبيرة، وعلى كثير من الأصعدة، هي تحولات تبدو طبيعية ومن باب تحصيل الحاصل، لأنها لا تعمل أكثر من بذل المجهود الضروري لمواكبة ما حصل في كثير من بقاع المعمور سواء على المستوى الديمغرافي أو الاقتصادي أو الصحي أو التعليمي، الخ.. غير أن ما يعطي للحالة المغربية ميزتها المتفردة والخاصة أحيانا، هو تمكن المغاربة، حكاما ومحكومين، من خوض غمار هذه التحولات الجارفة بحكم ضرورتها الوقتية، لكن في إطار الحرص على أهمية الوفاء لكثير من المرجعيات الموروثة عن العهود التاريخية السابقة في مجالات حيوية كثيرة لا يتسع المجال للتفصيل فيها.
أما عن وقوع بعض التراجع في المغرب، فيبدو لي أن توضيح هذه النقطة يحتاج إلى كثير من الوقت، لرصد الحقول التي حدث فيها التراجع، استنادا إلى المعطيات الإحصائية والدلائل المادية. وحتى أبقى في حدود همومي واهتماماتي، دون التطفل على مجالات أخرى قد يلم بواقعها غيري من العارفين بأمورها، لا يسعني إلا التأكيد بأن التراجع المستمر والحاصل في مجال التربية والتعليم هو أخطرها وأكثرها تهديدا لمستقبل البلاد؛ وبالتالي، فإن مصيرنا جميعا، لأننا على متن سفينة واحدة، يظل رهينا برفع التحدي في هذا المجال مهما كلف ذلك من ثمن.
ومن بين أشياء أخرى أراها مزعجة جدا في الفضاء العام، وهي ناتجة في نظري أيضا عن أزمة التربية والتعليم، وتجعل الوضع في البلاد يزداد غموضا، يمكن أن أذكر التراجع الحاصل في القيم الأخلاقية، والانتشار العلني لمظاهر قلة المروءة، والكذب، والشراهة، وخاصة، التدني المفضوح للخطاب الهزيل جدا الذي أصبح يتراشق به رجال السياسة، دون استحياء لا من عامة الناس ولا من خاصتهم، حتى بلغ الدرك الأسفل من درجات الانحطاط. وتكمن خطورة هذا الخطاب المنحط في إسهامه عبر وسائل الإعلام في نشر أجواء عدم الثقة والإحباط، وخاصة في صفوف الأجيال الصاعدة التي تحتاج عاجلا إلى من يشق أمامها ومعها الطريق الصحيح، وإن كان صعبا وشاقا، للوصول في سلام إلى بر الأمان والإسهام الحقيقي في النهوض بالبلاد.
بصفتك أستاذا محاضرا، ما هو تقييمك للتعليم العالي، لإصلاحه؟
إن التعليم العالي ليس إلا امتدادا لواقع التعليم في أطواره الثانوية والإعدادية والابتدائية، كما أنه مرآة، وهذا هو بيت القصيد في نظري، لبعض الإخفاقات الكبيرة التي سجلها واقع التربية في البيوت والأوساط الأسرية أولا، وفي الأحياء السكنية، والأندية الرياضية والجمعيات السياسية والثقافية بمختلف أطيافها ثانيا. أي أن أزمة التعليم العالي هي لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها أزمة مجتمع، وبالتالي فالمسؤول عنها سيظل هو المجتمع كله، وليست جهة واحدة دون غيرها قد يتسرع البعض في تحميلها ما يشهده قطاع التربية والتعليم من مشاكل مستعصية جدا. أعتقد أن نجاح الإصلاح، في حقل التربية والتعليم، بل وفي جميع المجالات، لا يمكن ضمان تحقيقه، حسبما علمنا إياه التاريخ، إلا أن تكون البداية من أسفل القاعدة، مع الحرص على ضرورة إشراك المعنيين به، ومعرفة حاجياتهم حسب الأولويات، فضلا عن تحميلهم أيضا نصيبهم من المسؤولية في معالجة العطب قبل استفحال دائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.