كشف ادريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، صباح أمس الأربعاء أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه، أن عدد المهمات الرقابية ارتفعت لتصل إلى 143 مهمة، 16 مهمة بالمجلس الأعلى و 127 بالمجالس الجهوية للحسابات مقابل 109 مهمات سنة 2012 و 78 مهمة سنة 2011. وأوضح جطو أن عمل المجلس ركز على التقارير الموضوعاتية التي تستهدف مهام التقييم للمشاريع والسياسات العمومية، والتي تتوخى الاستعمال الأمثل للأموال العمومية في هذا المجال، وتحسين أساليب التدابير المتبعة، بما لذلك من أثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتلا إدريس جطو في عرضه، المعطيات والملاحظات والتوصيات الواردة في التقرير السنوي، كما عرض الأنشطة الرئيسية والتوصيات التي خلصت إليها مهام الرقابة. وبخصوص المعطيات النهائية المتعلقة بتنفيذ قانون المالية برسم سنة 2012، أكد أن هذه السنة عرفت صعوبات توضحها بعض المؤشرات الاستثنائية، والتي لم تعرفها بلادنا من قبل. فهي استثنائية، يرى جطو، من حيث ارتفاع كتلة الأجور ما يفوق 96 مليار درهم بنسبة 11,7% من الناتج الداخلي العام بزيادة فاقت 13%، مقارنة مع سنة 2011، وهي استثنائية في ما يخص حجم نفقات المقاصة التي بلغت 54,87 مليار درهم، أي ما يناهز 6,6% من الناتج الداخلي الخام، مقابل معدل 2,7% عن الفترة ما بين 2005 و 2010، وكذلك من حيث تفاقم عجز الميزانية الذي بلغ 7,4% من الناتج الداخلي الخام. كما عرفت تفاقماً لدى الخزينة الذي ارتفع بحجم إضافي بلغ 62,8 مليار درهم خلال هذه السنة، ليصل إلى مستوى 493,7 مليار درهم بما يعادل 59,6% من الناتج الداخلي الخام، مسجلا ارتفاعاً بنسبة 14,6%، مقارنة مع سنة 2011، والتي تعتبر نسبة قياسية مقارنة مع الثماني سنوات السابقة. وفي مجال الاستثمار، بلغت الاعتمادات المرحلة من سنة 2011 إلى 2012 أزيد من 18,5 مليار درهم، وهو ما يمثل 32% من ميزانية الاستثمار برسم قانون المالية لهذه السنة، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً على التباطؤ الذي يعرفه إنجاز مشاريع الاستثمار العمومية. وأمام هذه الوضعية، يرى جطو أنه تم اتخاذ اجراءات استعجالية خلال سنة 2013، استهدفت أساساً التحكم في حجم النفقات العمومية، من خلال الحد من ارتفاع وتيرة الإنفاق العمومي، وذلك بوقف تنفيذ جزء من الميزانيات القطاعية للاستثمار بمبلغ إجمالي حدد في 15 مليار درهم، ابتداء من شهر أبريل من سنة 2013، وإيقاف الالتزام بالنفقات العمومية خلال الشهرين الأخيرين من السنة، والتي تعرف عادة ارتفاع وتيرة الإنفاق. من جهة أخرى، يقول جطو، عرفت نفقات الدين العمومي للخزينة زيادة ملحوظة خلال سنة 2014، إذ من أجل تمويل عجز الميزانية لجأت الخزينة إلى الاقتراض على المستويين الداخلي والخارجي. وقد أدى هذا الاقتراض إلى الرفع من حجم مديونية الخزينة إلى 586 مليار درهم عند نهاية سنة 2014، يشكل منها الدين الداخلي نسبة 76%. ويمثل حجم مديونية الخزينة نسبة 63,9% من الناتج الداخلي الخام. أما عن الدين العمومي في مجمله، فقد انتقل من 678 مليار درهم سنة 2013 إلى 743 مليار درهم سنة 2014، بما يعادل نسبة 81% من الناتج الداخلي الخام. وفي المجال الصحي، عرف هذا القطاع العديد من المنجزات، كما تحققت بعض المكتسبات الهامة، غير أنه لايزال يعاني من عدة اختلالات على مستوى التسيير والخدمات الصحية، التي لا ترقى في جودتها إلى مستوى طموحات المواطنين. وبعد أن قام المجلس الأعلى للحسابات في السنوات الماضية بمراقبة تدبير مجموعة من الوحدات والمؤسسات الصحية، ومراقبة تدبير الأدوية من طرف وزارة الصحة، فإنه اهتم خلال السنة الماضية بقطاعين حيويين وأساسيين، ويتعلق الأمر أولا بمراقبة مشاريع بناء وتوسعة وتهيئة المؤسسات الصحية، وثانيا، بمراقبة تدبير المعدات البيوطبية وصيانتها. كما يعتزم المجلس استغلال هذه المراقبات في إعداد تقرير موضوعاتي حول المنظومة الصحية. ومن المعلومات أن وزارة الصحة، انخرطت منذ سنة 2000، في سياسة استثمارية واسعة تهدف إلى توسيع شبكة المؤسسات الصحية من خلال إنشاء وحدات استشفائية جديدة وتحديث أخرى قديمة. وقد أسفرت نتائج مراقبة تدبير المشاريع المنجزة عن عدة اختلالات نذكر منها: بالنسبة لقطاع الصحة، سجل جطو عدم توفر وزارة الصحة على خريطة صحية، وذلك خلافا لما ينص عليه القانون الاطار المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات. ومن أهم الانعكاسات السلبية لهذه الوضعية تواجد ما يقارب 151 مؤسسة، للعلاجات الصحية الأساسية، جاهزة وغير مشغلة في المجالين الحضري والقروي. الأمر الذي يعتبر وضعية شاذة وغير مقبولة، بالنظر إلى الخصاص الذي يعرفه قطاع الصحة العمومية ببلادنا وعدم تقييم الوزارة لمخططاتها الاستراتيجية، وذلك بغية تحديد وتقييم النتائج التي تحققت بالمقارنة مع الأهداف المتوخاة. وغياب نظرة شمولية ومندمجة لعمليات تهيئة المؤسسات الصحية، والاكتفاء بتدخلات ظرفية، تهدف إلى معالجة مشاكل التدهور في البنيات، وكذا إعادة تأهيل بعض المستشفيات على الرغم من كلفتها المرتفعة، في حين كان من المفترض التخلي عنها وتعويضها بمشاريع استشفائية جديدة.وكذلك انعدام خطة ناجعة لصيانة البنية التحتية الصحية، بما في ذلك شبكات الربط بالسوائل الطبية، حيث وقف المجلس على العديد من الاختلالات، منها تهالك حالة البنيات للعديد من المؤسسات، رغم إصلاحات حديثة العهد. كما أن عدة مراكز صحية أنشئت منذ عدة عقود بواسطة مواد البناء الجاهزة (pr?fabriqu?، دون أن تخضع لأية عملية إعادة بناء أو استصلاح. وفي ما يتعلق بمشتريات الوزارة من المعدات والأجهزة، اتضح للمجلس أنها لا تؤطر بسياسة عامة للاقتناءات، ذلك أن سياسة الاقتناء لا تتم في تناسق و اندماج مع تكوين وتوفير الموارد البشرية المتخصصة، كما أن تحديد المعدات البيوطبية المقرر اقتناؤها لا يرتبط دائما بالأهداف والأولويات المسطرة، إضافة إلى عدم التحكم في كلفة التجهيزات. وفضلا عن ذلك، فإن تدبير المعدات الطبية يتأثر سلبا بالخصاص الحاد في أنظمة التسيير المعلوماتي على المستوى المركزي، وكذا على مستوى الوحدات الاستشفائية. كما لوحظ أن اقتناء المعدات الطبية وتسلمها، لا يخضع لجدولة زمنية مضبوطة توازي مستوى تقدم أشغال المستشفيات المحدثة، ما يتسبب غالبا في التأخر في الشروع في استغلال هذه المعدات، والإضطرار إلى تخزينها، مع مخاطر ضياع الضمانات التعاقدية بشأنها. وفضلا عن ذلك، اتضح للمجلس غياب سياسة ناجعة للصيانة، سواء منها الإصلاحية أو الوقائية، لضمان توفير الخدمات العمومية العادية والمستعجلة بصفة دائمة والجودة المطلوبة، يضيف ادريس جطو. وواصل المجلس الأعلى للحسابات تتبعه لإنجازات قطاع السكنى، خاصة في ميدان السكن الإجتماعي. حيث راقب خلال سنة 2013 كلا من شركة العمران الرباط، وصندوق التضامن للسكنى والإندماج الحضري. وبالنسبة لشركة العمران الرباط، سجل المجلس عدة ملاحظات أهمها: يقول جطو محدودية المساحة المخصصة للسكن الاجتماعي، حيث لاتمثل إلا أقل من 1% من مجموع الوعاء العقاري للشركة، رغم أن هذا الأخير يتكون بنسبة %97 من العقار العمومي. وتراجع مؤشرات إنتاج السكن الاجتماعي، خاصة العمليات المدرجة ضمن البرنامج الوطني "»مدن بدون صفيح«"، والتي عرفت تأخرا ملحوظا في إنجازها، مما زاد في تفاقم ظاهرة السكن العشوائي، حيث فاق عدد الأسر المعنية بالاتفاقيات المبرمة 68.000 أسرة عند نهاية سنة 2013. أما بالنسبة للسكن ذي القيمة الإجمالية المنخفضة (سكن 140.000 درهم)، فلم ينجز منه، إلى حدود نهاية نفس السنة، سوى 28% من الوحدات المبرمجة. أما في مجال الشراكة مع القطاع الخاص، فعقدت شركة العمران الرباط مجموعة من الاتفاقيات من أجل تسريع وتيرة إنتاج السكن الإجتماعي، وتخفيف العبء عن خزينة الشركة، من خلال استخلاص أثمان الأراضي المخصصة للعمليات موضوع الشراكة. لكن الإنجازات تبقى ضعيفة بالمقارنة مع الالتزامات، إذ إلى حدود سنة 2013، لم تتجاوز نسبة الوحدات المنجزة 32%. بينما بلغت نسبة التسويق 34%. إضافة إلى ما ترتب عن ذلك من منازعات ترجع الى عدم وفاء المستثمرين بالتزاماتهم، سواء تجاه شركة العمران، أو تجاه المستفيدين. كما وقف المجلس على تجاوزات تتعلق بشفافية عملية تفويت بعض البقع الأرضية، واعتبر أن الافعال المرتبطة بها قد تشكل مخالفات تتعلق بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، وأحالها بناء على ذلك الى النيابة العامة لدى المجلس، لاتخاذ الإجراءات التي يفرضها القانون. وفي إطار مراقبة صندوق التضامن للسكنى والاندماج الحضري، لاحظ المجلس من خلال المعطيات المتوفرة منذ إحداث هذا الصندوق سنة 2002، ان خطة تمويل المشاريع التي يساهم فيها تتسم بعدم التوازن، ذلك أن دعمه للمشاريع التي تعاقد معها يصل في المتوسط الى %67 من كلفتها، والاكثر من ذلك أن 320 مشروعا قد استفادت من تمويل كامل من لدن الصندوق، بكلفة اجمالية قدرها 5,4 مليار درهم. ويرجع ذلك الى ضعف الدعم المالي للشركاء العموميين الاخرين وعدم الوفاء بالتزاماتهم، إضافة الى عدم التحكم في العناصر التقنية والمالية للعمليات. وعلى صعيد آخر، أشار المجلس الى أن الحصة التي رصدت لتغطية برامج السكن غير اللائق وبرامج السكن الاجتماعي، التي تعتبر المهمة الاساسية للصندوق، لا تزيد عن %45 من مجموع المساهمات التي يقدمها. أما باقي الدعم فقد استفادت منه أصناف أخرى من المشاريع، لا سيما عمليات اعادة تأهيل المدن، وذلك قبل ان تنص القوانين المعمول بها على هذا الصنف من النفقات، ابتداء من سنة 2012. وكشف أن أنشطة المجلس القضائية خلال سنة 2013 سجلت، متابعة النيابة العامة لدى المحاكم المالية ل 19 شخصا أمام المجلس الاعلى للحسابات في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، كما أنجزت نفس المسطرة تجاه 13 شخصا أمام مختلف المجالس الجهوية للحسابات. وقد اصدر المجلس في إطار هذا الاختصاص 114 قرارا منذ سنة 2012، الى يومنا هذا. وتدعيما للدور البيداغوجي لهذا الاختصاص العقابي، سيقوم المجلس في الايام القليلة القادمة بنشر مجموعة من القرارات التي أصدرها في هذا المجال. وعلى غرار جميع محاكم المملكة، فإن مدونة المحاكم المالية نصت على مبدأ التقاضي على درجتين، وهكذا توصلت غرفة الاستئناف بالمجلس بعرائض استئنافية تخص 130 حكما صادرا عن المجالس الجهوية، وبتت في 90 منها. وفي سياق آخر، أحدث المجلس الأعلى للحسابات، مؤخرا غرفة جديدة، تنفرد بالتدقيق والبت في الحسابات المدلى بها من طرف جميع المحاسبين العموميين. ويأتي إحداث هذه الغرفة لمواكبة الاصلاحات التي جاء بها مشروع القانون التنظيمي لقوانين المالية، خاصة المهام الجديدة بقيام المجلس بالتصديق على مطابقة حسابات الدولة للقانون وصدقيتها، ابتداء من سنة 2017.