قدم ادريس جطو, الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات, انتقادات شديدة إلى تدبير حكومة عبد الإله بنكيران بخصوص تنفيذ قوانين المالية، وسجل جطو في عرضه يوم أمس أمام البرلمان بمجلسيه حول أعمال المحاكم المالية, تجاوز نسب العجز المسجلة وتلك المتوقعة برسم قوانين المالية، حيث بلغت على سبيل المثال، نسبة عجز الميزانية 6% من الناتج الداخلي الخام سنة 2011 مقابل توقعات في حدود 4%، مما يؤكد عدم دقة الفرضيات التي تبنى عليها توقعات مشاريع قوانين المالية، كما سجل عدم القيام بتسجيل المبالغ الإجمالية للمداخيل المحصلة والاكتفاء بتسجيل المبلغ الصافي على مستوى الحساب العام للمملكة ومشروع قانون التصفية، دون توضيح المبالغ التي تم خصمها لصالح بعض الحسابات الخصوصية وبرسم الإرجاعات الضريبية، مما يخالف مقتضيات المادة 9 من القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية. وأوضح جطو الذي شغل منصب وزير أول في السابق، أن هناك ضعفاً في وتيرة تنفيذ ميزانية الاستثمار، وهو ما يكشف عن بطء إنجاز المشاريع المبرمجة، وبالتالي ارتفاع مبلغ الاعتمادات المرحلة من سنة لأخرى. ودائماً في إطار المهام الموكولة للمجلس الأعلى للحسابات، رأى جطو أن هناك مبالغة في تحويل الاعتمادات على مستوى بعض الفصول واللجوء لفصل النفقات المشتركة من أجل إمداد بعض المؤسسات العمومية والحسابات الخصوصية للخزينة وأجهزة أخرى باعتمادات غير مبرمجة، مما يحد من دور قانون المالية كأداة للتوقع والترخيص ومن دور السلطة التشريعية في تتبع إنجاز قوانين المالية. وسجل ادريس جطو أيضاً عدم توصل المجلس بالتقارير حول نجاعة تنفيذ الميزانيات القطاعية، ولا بتقرير الخازن العام حول ظروف تنفيذ قانون المالية، عملاً بالنصوص التنظيمية ذات الصلة، والتي من شأنها مساعدة المجلس على الرفع من جودة التقرير الذي يعده لصالح البرلمان، وكذلك الارتفاع المتزايد للمبالغ المحولة من ميزانية الدولة إلى ميزانيات المؤسسات العمومية، وهو ما لا يمكن من مناقشة برمجتها ومراقبة تنفيذها من طرف السلطة التشريعية. وتطرق جطو في عرضه إلى أنظمة التقاعد والإشكاليات المرتبطة به وكذلك الاقتراحات التي يراها مجلسه لحل هذه المعضلة. وكذلك إلى صندوق المقاصة وما يتطلبه الأمر من إصلاحات في هذا الباب، مع توسيع اختصاصاته حتى لا يقتصر دوره على مجرد جهاز لصرف الدعم، بل يمتد إلى جعل الصندوق ملاحظاً فعليا بشأن المواد المدعمة والإسهام في اليقظة الدائمة اتجاه المخاطر المالية التي تواجهها بلادنا. وكشف ادريس جطو أن دين الخزينة لوحده بلغ في متم سنة 2013 ما مجموعه 554 مليار درهم، أي بنسبة 62,5% من الناتج الداخلي الخام. أما مجموع الدين العمومي، فقد ارتفع حجمه إلى 678 مليار درهم، أي بنسبة تفوق 76% من الناتج الداخلي الخام. أما خدمة الدين (الأصل والفوائد) يقول جطو، فقد بلغت خلال نفس السنة، ما قدره 151 مليار درهم بما يشكل 17% من الناتج الداخلي الخام. مسجلا في هذا الإطار ضعف الآليات المعتمدة لتحديد المستوى الملائم للمديونية. إذ لوحظ غياب مقتضيات قانونية تمكن من تأطير الاختيارات في ما يخص المديونية على المدى الموسط والبعيد, في حين يبقى قانون المالية الاطار الوحيد المعتمد في هذا المجال على المدى القصير. وبخصوص هشاشة الدين العمومي, يضيف جطو. انه تم تسجيل غياب اطار للتتبع والتحليل. اذ يقتصر الاطار الحالي على الدين المباشر للخزينة ولا يأخذ بعين الاعتبار بشكل مناسب مجموع الديون الصريحة والضمنية للدولة والتي تشكل مصادر اضافية للهشاشة، وتؤثر سلبا على مستوى المديونية العمومية. وقد يزداد الوضع سوءا مع ظرفية تتميز بتقلب النمو الاقتصادي وارتفاع عجز الميزانية وتدهور وضعية الميزان التجاري وميزان الاداءات, بالاضافة الى التدهور الملحوظ للسيولة البنكية. وكشف الرئيس الاول للمجلس الاعلى للحسابات أن اللجوء الى الدين الداخلي عرف ارتفاعا مضطردا, حيث انتقلت نسبته في الناتج الداخلي الخام من %37,4 سنة 2007 الى %47,9 سنة 2013 ,مما ساهم في الضغط على السيولة البنكية وبالتالي على المنحى التصاعدي لنسبة الفائدة، وسجل أيضا بخصوص تدبير الدين الخارجي الذي يتشكل أساسا من قروض ميسرة, ان جزءا لا يستهان به من هذه القروض يطبعه عدم الاستعمال او ضياع بعض الاقساط، بسبب التأخر في انجاز السحوبات أو إلغاء جزء منها، مع ما يترتب عنه من تكاليف ناتجة عن أداء عمولات الالتزام. وتعود هذه الوضعية الى ضعف البرمجة أو بطء في وتيرة الانجاز وكذلك الى نقص في التنسيق بين مدبري الدين ومنفذي المشاريع الممولة بواسطة القروض. وكشف أيضا أن المجلس الأعلى وقف على أن اكثر من %95 من الغرامات المحكوم بها لا يتم التكفل بها من طرف هذه المحاكم، مما قد يعرضها للتقادم، كما لم يتم استخلاص الا ما يربو عن ثلث المبالغ المتكفل بها ، ومنذ أن تسلمت وزارة العدل مهمة تحصيل الغرامات والاداءات النقدية أخذت المبالغ غير المستخلصة تتفاقم بشكل متسارع الى أن فاقت مبلغ 4,5 مليار درهم عند متم سنة 2013.