لم يتمكن الجبلي من متابعة دراسته الجامعية، إذ مباشرة بعد حصوله على الباكلوريا، سافر رفقة عمه حمان إلى الديار الهولندية للعمل. وبوصوله إلى ديار الغربة، انخرط الجبلي في ميدان الشغل، حيث بدأ العمل رفقة عمه بمعمل لصناعة العجلات. وبتسلمه أول أجر، فتح له عمه حسابا بنكيا وأوصاه بأن يعمل على جمع مبلغ مالي يعود عليه بالنفع في البلد الأصلي. مرت الشهور تلو الأخرى، فقرر الجبلي أن يستقل بنفسه وهو ما حبذه عمه داعيا له بالتوفيق، حيث ساعده على إيجاد سكن بثمن مناسب وسلمه بعضا من الأثاث المنزلي الذي كان يستعمله الجبلي بمنزل عمه وبدآ يتبادلان الزيارات بين الفين والآخر. وخلال أول إجازة له، عمل الجبلي على أن تكون موازية لإجازة عمه حمان، حيث اشترى سيارة مستعملة قرر أن ينتقل بها إلى المغرب. وبعد يومين من السفر، كان الجبلي وعمه حمان بالدوار، حيث فرحت عائلة الجبلي بابنها الذي استطاع عن طريق عمه أن يتدبر عملا يعود عليه وعائلته بالنفع والتي لم تكن تضم سوى الوالدة وأخت واحدة، حيث أغدق على عائلته بالهدايا كما كان لأبناء الدوار نصيبا منها. ذكريات الطفولة وأول لقاء بأوليفيا استلقى على السرير وتذكر طفولته التي كانت حبلى بالذكريات، حيث تذكر رفاقه وهم يداعبون الكرة بالجبل، كما تذكر أبناء الدوار الذين فرقت بينهم السبل.. ففي الوقت الذي غادر البعض إلى دار الغربة غادر البعض الآخر إلى مدن أخرى إما من أجل العمل أو من أجل الدراسة. بعد مرور شهر، غادر الجبلي الدوار عائدا إلى ديار الغربة لمتابعة عمله، حيث تسلم من جديد ما كان مكلفا به.. إذ كان يقضي طيلة الأسبوع بالمعمل.. بينما يكتفي، في نهاية الأسبوع، بقضاء بعض مآربه واقتناء بعض مما يحتاجه في المنزل من خضر ومواد غذائية. في الأسبوع الأول من شهر شتنبر من سنة 1985، وبينما هو متوجه إلى سوق الحي، آثارت انتباهه شابة هولندية تبادله التحية والابتسامة، فقرر أن يغازلها لعله يفلح في التقرب منها خاصة وأنها تسكن بالقرب من منزله. استجابت الشابة بسرعة للكلمات الرقيقة التي كان الجبلي قد تعلمها بعد قضائه خمس سنوات، وبعد تبادل التحية تبادلا أرقام الهواتف المنزلية على أمل اللقاء في القريب العاجل. استجابت أوليفيا لدعوة الجبلي من أجل تناول فنجان قهوة في إحدى مقاهي المدينة بعد الخامسة عصرا.. وهو ما استجابت له، حيث قدمت وهي في أبهى زينتها. مباشرة بعد تناولهما فنجان القهوة، وجد كل واحد نفسه في الآخر وكأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ سنوات، حيث مباشرة بعد هذا اللقاء، قرر الاثنان أن يتزوجا، بعد أن قبلت أوليفيا به زوجا وقبل بها الجبلي زوجة له رغم فارق اللغة والدين. وفي نهاية الأسبوع، قرر الجبلي أن يصارح عمه حمان بالتقدم لخطبة أوليفيا التي تقطن بالقرب منهما بذات الحي، وهو ما رحب به العم حمان، متمنيا لابن أخيه كل التوفيق. صارحت أوليفيا عائلتها بهذا الحب المغربي الذي لم تعترض عليه خاصة وأنها تعرف الجبلي الذي يقطن بالقرب منها، كما تعرف عمه أيضا، حيث لم تسجل في حقهما أية ملاحظة. وبعد أن حددت كل من أوليفيا والجبلي تاريخ الخطوبة، تقدم رفقة عمه حمان وبعض الأصدقاء المغاربة والأجانب، حيث شارك الجميع الزوجين فرحتهما واللذين غادرا إلى بيت الزوجية. قضا الاثنان سنوات طويلة قبل أن يرزقا بطفل أطلق عليه الجبلي علي تيمنا باسم والده وإكراما له.. وقرر زيارة القرية من جديد بعد أن لم يزرها قبل سنتين، حيث كان قد حضر لمأتم والدته التي غادرت إلى دار البقاء ولم تبق له إلا الأخت التي كانت هي الأخرى قد تزوجت في الدوار وأنجبت أطفالا. بعد أزيد من ثلاثين سنة على هجرته إلى هولندا، قرر ذات مساء أن يشيد منزلا بمركز القرية التي كان قد اشترى به بقعة أرضية، وبعد أن أخبر أوليفيا وافقت دون أدنى نقاش. وبعد عودتهما إلى ارض الوطن، أثناء إجازتهما، قاما بالإجراءات الإدارية، وسلما بناء المنزل إلى مقاول تعهد بتشييده وكلف صديقه الطيبي والفقيه سي عبد المطلب بمراقبة عملية البناء، حيث لن يعود إلا بعد سنتين. وبالفعل، شيد المقاول المنزل في الفترة المحددة، وطبقا للمواصفات التي كان الزوجين قد اتفقا عليها. المرض الذي استسلمت أوليفيا له.. لم يعد لا الجبلي ولا أوليفيا إلى أرض الوطن، فقد أصيبت بمرض عضال لم يمهلها طويلا، حيث غادرت الحياة وتركت الجبلي وحيدا وهي السنة التي أصيب فيها بداء السكري، حيث كان مضطرا إلى المثول أمام لجنة طبية تابعة للمعمل أحالته على التقاعد المبكر تلقائيا. ومباشرة بعد تقاعده، قرر العودة إلى منزله بالمغرب مؤقتا، حيث قرر المكوث أطول فترة، يعود بعدها إلى هولندا. وبحلوله أضحى الجبلي لا يبرح المسجد إلا لماما، حيث يعيش وحيدا داخل منزله الذي كان قد شيده رفقة زوجته أوليفيا. ولإنصافها قرر أن تتوسط صورتها صالون المنزل بابتسامتها العريضة، حيث كان يقابلها وكأنها تحدثه كلما عاد إلى المنزل، قبل أن يصعد إلى الطابق الثاني، حيث اعتاد أن ينام ويتناول الطعام. لم يكن يزوره أحد سوى صديق طفولته الطيبي الورع الذي كان يلتقيه دائما بمسجد الحي الذي نسج علاقة قوية مع إمامه الذي كان يحظى باحترام الجميع. مؤامرة الصديق.. بحكم أن الطيبي يعرف كل كبيرة وصغيرة عن الحاج الجبلي، فقد قرر أن يتواطأ مع أي جهة تمكنه من الاستحواذ على ثروته في حال وفاته، حيث لا يوجد أي وريث خاصة وأن ابنه يعمل بالولايات المتحدة ولم يزر البلد ولو مرة واحدة.. فيما شقيقته هي الأخرى كانت قد وافتها المنية قبل سنتين. وقد استطاع الطيبي أن يقنع الفقيه بمؤامرته التي لم يكن هذا الأخير على إطلاع بتفاصيلها. وقررا الاثنان أن يفاتحا الجبلي في موضوع الزواج، حيث لم يبد أي موقف حول اقتراحهما رغم إصرارهما اليومي على ذلك حتى أن الطيبي أصبح يعتبر أن الجبلي زوج شرعي لعروس لا يعرفها ولم يسبق أن تعرف عليها. وأمام إصرارهما على هذا الزواج، قرر الجبلي التوجه إلى مسجد آخرا درءا للإحراج الذي سببه له صديقه الطيبي والفقيه.. إلا أن الأمور ستتطور إلى أشياء غريبة تشتم منها رائحة المؤامرة. ذات يوم من أيام غشت القائظ، أدى الجبلي صلاة العصر ودلف منزله، حيث صعد إلى الطابق الثاني من أجل تناول عصرونيته كالعادة.. وماهي إلا لحظات حتى سمع الجرس يرن حمل سماعة الأنترفون ليرد دون أن يتلقى أي جواب، فقرر النزول لمعرفة من الطارق. ومباشرة بعد فتحه الباب، دلفت امرأة منقبة الباب أمام أعين الطيبي الذي أكد للجبلي أنها زوجته، حيث صعدت مباشرة إلى الطابق الثاني، وهناك دخلت إلى غرفة النوم. إلا أن الجبلي صدها بكافة الطرق خاصة لما علم أن المرأة تتجاوز الستين عاما وحاولت إخفاء صورتها البشعة بالمساحيق. وفي الوقت الذي كان يحاول صدها، سقطت أرضا، حيث دخلت في غيبوبة لم يجد الجبلي بدا من نقلها إلى المستشفى، حيث بعد استعادتها لوعيها ادعت أنها زوجة شرعية للجبلي وأخرجت عقد نكاح من جيبها الذي لم يسبق له أن تزوج بها وهو ما قاد رجال الأمن إلى فتح تحقيق في أقوال كل طرف. وماهي إلا لحظات حتى تم الكشف عن خيوط هاته المؤامرة.. فقد تبين أن صديق الطفولة استولى له على نسخة من بطاقته الوطنية عندما وضع فيه ثقته وفتح له باب منزله، حيث أعماه الطمع وقرر تزويجه بامرأة قريبة منه حتى يستحوذ الاثنين على إرثه.. إذ عمد الطيبي إلى استئجار شخص تقدم أمام عدلين على أساس أنه الجبلي وتم عقد القران مع العجوز الشمطاء التي حصلت على عقد الزواج. وعندما تم استكمال المخطط الجهنمي الذي خطط له الطيبي بكل إحكام هاجمت العجوز منزل الجبلي من أجل فرض الأمر الواقع.. إلا أن الخطة انكشفت وتم اعتقال الطيبي وميمونة، حيث تم اقتيادهما برفقة الفقيه الذي كان شاهدا على هذه المؤامرة الدنيئة إلى مصلحة الأمن. وبعد استكمال البحث، أحيل الاثنين على الوكيل العام الذي تابعهما من أجل التزوير في محرر عرفي والتحريض على الفساد والتزوير واستعماله ووضعهما رهن الحبس الاحتياطي. وبعد ان اعتبرت الهيئة القضية جاهزة، وبعد أن أدلى الدفاع بأوجه دفاعه، حجزت القضية للمداولة، حيث أدانتهما من أجل المنسوب إليهما وعاقبت الطيبي بسنتين اثنتين حبسا نافذا فيما حكمت على ميمونة بستة اشهر حبسا نافذا. وأمام هذه الواقعة الغريبة، حمل الجبلي حقائبه وأغلق الباب مقررا العودة إلى ديار الغربة عارضا منزله للبيع. تنبيه: الأسماء التي اخترناها مستعارة وأن كل تشابه في الأسماء أو الأحداث فهو مجرد صدفة ليس إلا..