في جعبتها أزيد من أربعين سنة من الممارسة الاحترافية في المجال الذي تخرجت منه، بمعنى أنها ليس متطفلة ودخيلة على الميدان الذي أبدعت فيه ولازالت إلى اليوم الذي تكرس فيه انشغالاتها واهتماماتها المهنية بكل القناعة والإيمان اللذين ترى من خلالهما أنهما يخدما الوطن وابناْ وبنات الوطن.. هي خريجة معهد الدولة للفنون المسرحية بموسكو ، أيام دولة الاتحاد السوفياتي، حيث حصلت على ماجستير في الإخراج المسرحي عام 1973، و بدأت في إخراج العديد من البرامج الثقافية والتربوية، ثم أخرجت العديد من المسرحيات، والمسلسلات، والأفلام، بعد التحاقها ببلدها المغرب. إنها المخرجة المقتدرة فريدة بورقية التي التقتها « الاتحاد الاشتراكي» في إطار الأنشطة السينمائية التي يقوم بها النادي السينمائي لسيدي عثمان لدعم الإنتاج الوطني وتكريم بعض مبدعيه للعطاء و التحفيز.. ، حيث عرض لها بالمناسبة فيلمها السينمائي الأخير «» زينب زهرة أغمات» ،» بحضور مجموعة من الفنانين الذين ساهموا في إنجاح هذا العمل التاريخي.. الذي يعد بحق إخراجه « مغامرة سينمائية» على ضوء تكاليف الإنتاج، التوزيع ، الترويج، وتحقيق الأرباح المنتظرة، مغامرة تود بورقية تكرارها ليس لمرة ثانية أو لثالثة.. بل لمرات عديدة لإيمانها بأن الأعمال السينمائية و الدرامية عموما تعد وثيقة تاريخية لن تموت بموت الإنسان الذي أنجزها، وهذا هو الهدف ، في ما يبدو ، أنه تحيى لأجله مهنيا .. التواضع، العفوية، الطلاقة و الانسيابية.. مظاهر سلوكية مميزة طبعت إجراء هذا الحوار الذي أجري متقطعا ، مرة جلوسا، ومرة أخرى وقوفا، بالنظر لا لتزاماتها تجاه التظاهرة التكريمية.. والاستجابة تارة أخرى لطلبات الجمهور و الزملاء والمهنيين والمنظمين.. حصل ذلك بدون تذمر أو تكبر أو استعلاء، بكل أريحية وتقدير كبير لعموم حاضري التظاهرة السينمائية وللجسم الصحافي على الخصوص.. أخرجت بورقية منذ التحاقها بالتلفزة المغربية في منتصف السبعينات من القرن الماضي مجموعة من برامج الأطفال والأفلام الوثائقية ذات الطابع السوسيوثقافي (أفلام وثائقية عن المرأة المغربية بمناسبة السنة الدولية للمرأة وبرنامجي «سباق المدن» و«رسامو الشمال» كنماذج) والأعمال الدرامية (مسلسلات وأفلام بشكل خاص)، كما قامت بتغطية العديد من التظاهرات .ولعل أول فيلم تلفزيوني أخرجته رفقة العيادي الخرازي كان عنوانه «المنزل المطلوب»، وبعده أخرجت ما يقارب خمسة عشر فيلما من بينهم «دوار الشوك» و«الحي الخلفي» و« صدفة الخاتم» و«بنات رحمة» و«القرصان الأبيض» ... وما يفوق عشرين مسلسلا من بينهم «خمسة وخميس» و«جنب البير» و«الدار الكبيرة» و«حوت البر» و«عز الخيل مرابطها» و«أولاد الناس» و «جنان الكرمة» و«دواير الزمان» و«المجدوب» ...أما أول فيلم سينمائي من إخراجها فقد كتب قصته الفنان محمود ميكري بعنوان «الجمرة» (1982) وقام ببطولته الكوميديان مصطفى داسوكين ومصطفى الزعري وآخرون، وبعده أخرجت لحد الآن فيلمان آخران فقط هما «طريق العيالات» (2007) من بطولة منى فتو وعائشة ماهماه وآخرين (سيناريو يوسف فاضل) و«زينب زهرة أغمات» (2013) من بطولة فاضم العياشي إلى جانب محمد خويي وعبد السلام البوحسيني وفريد الركراكي والراحل محمد مجد وآخرين (السيناريو من توقيع محمد منصف القادري). هي الآن بصدد تصوير فيلم سينمائي وثائقي بعنوان «إناس إناس» (2015)بأماكن متفرقة من خنيفرة وميدلت وتينغير حول الفنان الراحل محمد رويشة، والذي ستتحث من خلال الحوار التالي عن كواليس وبدايات إخراجه... - تخوضين هذه الأيام تجربة جديدة في إخراج الفيلم الوثائفي، هل من تفاصيل عن هذا العمل، وكيف انبثقت فكرته؟ -فكرة إنجاز فيلم وثلئقي عن الراحل الفنان الكبير محمد رويشة انبثقت عند ذهابي إلى مدينة خنيفرة على أساس معاينة بعض الأماكن من أجل تصوير عمل جديد لي، ولما وصلت إلى هذه المدينة الجميلة، التي كانت تحتضن الفنان الراحل، الذي كانت لي « معرفة» سابقة به، وحضر في حفل اختتام إنجاز مسلسلي التلفزيوني « المجدوب» وانخرط في ليلة فنية ساهرة مع طاقم المسلسل.. قلت لما وصلت إلى مدينة خنيفرة صادفت أحد الأصدقاء الذي قال «أريد أن اقترح عليك موضوعا أحبذ كثيرا أن تنفذيه، موضوعه يدور حول المسار المشوار الفني للس محمد رويشة، ولدي جميع المعطيات.. « . فحددنا لقاء وتحدثنا عن المرحوم، فوجدت مادار ما بيينا حول رويشة يعكس صورة لشخصية فنية جد كبيرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى..إنه باختصار إنسان عملاق، ومادة الاشتغال حوله موجودة ، ولا أعتقد أنها متوفرة بشكل متنوع و ثري لدى أي فنان آخر.. سواء في طفولته، شبابه وكهولته أو حياته بصفة عامة.. أو في علاقته بالناس .. فقلت آنئذ هذا يحتاج إلى « سيناريو فيلم طويل ، لكني ترددت على التو. - لماذا؟ - لأن إنجاز هذه النوعية من الأفلام، التي تتناول سيرة أحد الأشخاص المعروفين، تتطلب موافقة أفراد عائلته و» التفاهم» معهم.. لأنه لا يمكن « طرح» كل شيء.. فقلت لنفسي لماذا لا أشتغل على نوعية الفيلم الوثائقي - التخيليي في هذا الموضوع.. بعد ذلك مباشرة ، وبدون انتظار، أخذت أتتبع مسارات العمل من كل جوانبه، وعوض أن أقيم في مدينة خنيفرة لمدة يومين كما كانت المدة برمجة من قبل، أطلت الإقامة بالمدينة لجمع المادة الوثائقية من شخص لآخر، بل وصلت درجة البحث إلى منطقة تنغير ومنطقة مسقط رأسه وبحث علاقته مع والدته وأبنائه ومع أناس المجتمع العاديين و مع أصدقائه القريبين.. ومن ثم وجدتني أما شخصية أقول بصددها: ما شاء لله، ما شاء الله .. وقد شرعت في عملية تصوير الفيلم منذ أيام بعد كتابة السيناريو وتقديمه للمركز السينمائي المغربي، مع التذكير بأني أموله حاليا من جيبي الخاص - تمويل ذاتي - . - وماذا عن الدعم السينمائي في هذا الإطار؟- - يمكن أن يأتي بعد الإنتاج، المهم بالنسبة لي أنني مقتنعة بهذا العمل، ولابد لي من الإنجاز، فأخذت اقترض من هنا و هناك لتحقيق هذا المبتغى الفني.. - وهل هناك مشروع تصوير آخر في الطريق؟ - فعلا هناك مشروع سيرى النور بإذن لله، و يتعلق بفيلم سينمائي جديد طويل ، يأتي بعد فيلمي : زينب بنت أغمات» الذي يحكي عن سيدة مغربية تاريخية ذكية ذات شخصية قوية، كان قدرها أن يكون يوسف بن تاشفين هو رابع زوج لها وتستحق أن يكتب عنها المؤرخون وأن تدور حول شخصيتها أعمال درامية كما هو حال العديد من الشخصيات النسائية التاريخية العربية اللواتي لم يأخذن نصيبهن من في هذا الجانب،.. و عموما بالنسبة لي فقد شق الفيلم طريقه في العرض ، ويعتبر بالنسبة لي صفحة قد طويت مع أنه سيتم بثه في شهر فبراير الجاري في إحدى التظاهرات الثقافية الفنية بألمانيا منظمة من طرف وزارة الهجرة بمناسبة تنظيم الأسبوع الثقافي..، المشروع فتح صفحة أخرى من موضوع المرأة و الهجرة ، من خلال قصة فتاة ستهاجر لدولة الإمارات العربية المتحدة. -لماذا تستحضرين المرأة كقضية وموضوع في جل أعمالك..؟ -من سيتحدث عن المرأة إذا لم أتكلم عنها .. وإذا لم اثر قضاياها وانشغالاتها.. زيادة على ذلك فاهتماماتي لا تنصر في هذا الموضوع فقط بدليل إنجازي حاليا لوثائقي - تخيليي عن الفنان الكبير الراحل محمد رويشة. - هل من الممكن نتابع بصمات المخرجة فريدة بورقية في عمل سينمائي تاريخي آخر؟ - ولماذا لا. فإخراج الأفلام التاريخية شيء جيد، هذا الصنف من الدراما لا يموت ويحتفظ به دائما في الخزانة عند الحاجة لأجل المشاهدة وإعادة المشاهدة، أما الأفلام الأخرى « الموديرن» تموت على التو ، حقيقة أنها تجني اربحا كبيرة ولكنها مع ذلك يخفت بريقها. وهذه إشارة ينبغي اعتبارها من أجل التوثيق الأعمال السينمائية التاريخية في خزانتنا السينمائية، لأنه لا يمكن أن نوثق فقط إلا الأعمال التجارية التي أقول مرة أخرى إن هذه الأفلام تموت شهرين بعد تعليق ملصقاتها لأجل العرض للعموم. فنحن نموت، ولكن الأفلام التاريخية العكس.. - ما هي الظروف الاجتماعية و الثقافية.. إذا جاز التعبير التي أعطتنا المخرجة فريدة بورقية؟ -هذه مسألة مهمة، وتعد أول مرة يسألني عنها صحافي.. فريدة بورقية بنت مدينة الدارالبيضاء، ازددت في حي درب السلطان الشعبي وبالضبط في كاريار كلوطي، وترعرعت بين الجيران و الجارات وسط أبناء الطبقة الشعبية، ودرست في مدرسة شعبية قريبة من قيسارية « الحفاري». إذن تكونت وسط طبقة شعبية وليس طبقة مترفة بورجوازية، لأننا « كنا على قد حالنا، نتقداو من السويقة، و الوالدة تهيئ الأكل على قدر الحال» .إذن عشت هذه الظروف التي بصمت مخيلتي إلى الآن، حتى ولو عشت ظروف « الغربة» وهاجرت إلى الخارج لأجل الدراسة، لكن دربنا و حومتنا لم أنسهما، ومازلت اجتماعية في طبعي وسلوكاتي.. ، أتكلم مع بائع الخضر، أحاور الجزار، وبائع الفحم كذلك، الجميع عندي سواسية وفي مقام واحد، لأنه «»بقا في دمي تاشعبيت»«... وهذه القناعة الراسخة في سلوكاتي هي التي جعلتني أتعامل وأتفاعل مع هذه الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية الشعبية.. ومن هذا المنطلق لا أعتقد أن أي شخص كان يمكن أن ينجز عملا ذا طابع شعبي بما تحمله الكلمة من معنى، إلا شخص واحد، وهو شفيق السحيمي، أقول هذا بصريح العبارة، ولا ينبغي أن نكذب على بعضنا البعض.. فممكن أن مخرجا ما تكون له الإرادة القوية لإخراج عمل مطبوع بالشعبية، «ولكن »غادي يغلب عليه ذك الشيء الذي لم يعشه»«. إذن باختصار، فقد عشت في ذلك المجتمع، وصرت من ذلك المجتمع، ولحد الآن لازلت فيه. - في هذه الظروف التي عشتي فيها، ما هي الدوافع التي كانت وراء توجهك للاشتغال في المجال السمعي البصري؟ - قبل هذا، ينبغي أن يعرف القارىء أنه في سنة 1982، كنت أخرجت فيلما سينمائياً طويلا تحت عنوان» »الجمرة»«، وهو أول شريط سينمائي، بحجم 35 سنتمتر، و لحد الآن، موجود في الخزانة السينمائية. لو شاهدته، لاستخلصت أنه تم تصويره البارحة. وهذا الشريط السينمائي لما صورته «و »كليت عليه العصا» بسبب القروض البنكية التي كان علي أداؤها«، قررت نهائيا أن أبتعد عن الاشتغال في المجال السينمائي، لأنه، بكل بساطة، «العمل في هذا الميدان »كيدخل الحبس»«، وبالتالي اكتفيت بالاشتغال في وظيفتي، كمخرجة في مؤسسة الإذاعة والتلفزة المغربية، أحصل على أجرتي الشهرية، أقترح أعمالا معينة، ويتم قبولها، ومن ثمة، كان هناك توقف من سنة 1982 إلى 2007، وطيلة هذه الفترة، بقيت مواكبة للتلفزة والاشتغال في الأعمال الاجتماعية من قبل مسلسل »»حوت البر»«، وما تبعه من أعمال درامية تلفزيونية أخرى. إلى سنة 2007، حيث أخرجت الفيلم السينمائي «»طريق لعيالات««. لماذا إخراج هذا الفيلم الثاني لي، الإجابة باختصار، هي أن الكثير من المفاهيم في هذا المجال، تغيرت في ظل إدارة سينمائية جديدة، إضافة إلى أن الكثير من الأصدقاء والمهنيين... حفزوني على دخول المغامرة من جديد، فكان إذن إخراج « »طريق لعيالات»« الذي نال الإعجاب الكثيرين.. - وماذا عن الدوافع الأولى التي وجهتك إلى عالم التلفزة والسينما؟ -أذكر، بداية، أن ديبلومي المهني الذي حصلت عليه في الاتحاد السوفياتي سابقاً، وبعد رجوعي إلى بلدي، ، لم يعرف المسؤولون هنا بالمغرب في أية خانة يصنفونه، هل في المسرح، في التلفزيون... وفي أية درجة مهنية... وظللت على هذه الوضعية لمدة إلى أن أعلن عن