إن المحاكمة الحقيقية للسياسة الحكومية حول مطالب المرأة المغربية ومعاناتها, أن هذه المحاكمة لا تكمن فقط في المسيرة الوطنية الحاشدة للنساء بالنظر الى حجمها وطبيعة المشاركات فيها ووزن الفعاليات السياسية والحقوقية والجمعوية،والمتراصين في مقدمتها لدعم مطالب المرأة المغربية المشروعة في التحرر والمساواة والانصاف. فالمحاكمة الحقيقية والمؤلمة والتي تبرز لمن لازال يحتاج إلى دليل على فشل السياسة الحكومية في تحريك ملف المرأة والذي لا يزال يراوح مكانه، فالمحاكمة الحقيقية لابد أن تفتح ملفات جديدة ظهرت علي السطح وعلى صفحات ونشرات المنابر الإعلامية الشعبية والقريبة من آهات المواطن المغربي في الاسابيع القليلة الماضية، ولقد عكست وقائع هذه الملفات بجلاء وبوضوح واقع المعاناة والحيف والحرمان والتهميش والحكرة، الذي تعاني المرأة من مضاعفاته بشكل فظيع ومأساوي بالنسبة للملف الاول, فوقعت بداية فصوله التراجيدية على الساعة الثانية صباحا من يوم الاثنين 16 فبراير الأخير بدوار غويبة بجماعة زومي التابعة لإقليم وزان، حيث تعرضت سيدة في منتصف السبعينات من عمرها لاعتداء شنيع داخل كوخها المتواضع بعد ان نجح المعتدون من اقتلاع باب الكوخ بالعنف والقوة والذي كان مغلقا من الداخل بواسطة حجارة متوسطة الحجم, مما أدى الى اهتزاز السقف الذي تحتمي به العجوز الذي كان عبارة عن قطعة هشة من القصدير، وساعدت القوة البدنية والفتوة التي يتمتع بها الجاني في السيطرة على الضحية وربط يديها خلف ظهرها قبل ان يشرع في نزع ملابسها، معرضا إياها بكل أشكال الضرب والسب والجرح والتهديد بل ان هيستيريته وهيجانه ازداد عندما نجحت العجوز المسكينة في فك احدى يديها وأمسكت بالعضو التناسلي للمعتدي دفاعا عن نفسها وشرفها، كما أن المعتدي تجرأ على المزيد من الإهانة والإذلال للضحية عند مطالبته لها بتهييجه جنسيا. وبعد ان قضى وطره ترك الضحية المسكينة في وضعية صحية حرجة وفي حالة نفسية مهزوزة. ولقد اعتبرت الشريفة الوزانية ان كل أشكال العنف والإذلال التي تعرضت لها من طرف الجاني كانت أهون بكثير من الألم والمعاناة التي أعقبت هذا الاعتداء من إهمال ولا مبالاة واشكال متنوعة من الإهانة والابتزاز من جهات كان من المفروض والواجب أن تقدم لها الرعاية والحماية والتضامن والمساعدة والدعم النفسي. فالشريفة الوزانية تسائل قطاع الصحة العمومي والوزير المكلف بتدبير شؤون هذا القطاع في أسباب عدم الاهتمام لحالتها البدنية والنفسية وعدم توفير الرعاية الصحية والإجتماعية اللازمة من جراء الكدمات والجروح والمعاناة النفسية التي خلفها الاعتداء الإجرامي الشنيع الذي كانت ضحيته, كما تؤكد هذه المرأة المسكينة انها حرمت من حقها في الحصول على الشهادة الطبية والتي تثبت مدة عجزها، اذ تؤكد الأخبار الواردة في شأن هذه الواقعة ان الضحية تعرضت للابتزاز للحصول على الشهادة الطبية اللازمة في مثل هذه الحالات، وتسائل الشريفة الوزانية كذلك المصالح الأمنية حول أسباب عدم إلقاء القبض على المعتدي الذي ظل يصول ويجول في الدوار دون ان يسأل عما اقترفه من اعتداء شنيع وجرم فظيع, خاصة الاعتداء على شرف وكرامة امرأة مغلوبة على أمرها، ورغم ان المتهم يتوفر على سوابق في الجريمة واقتحام بيوت وحرمات السكان ليلا ومطاردة النساء والفتيات في احياء وحقول المدشر. اما الملف الثاني في هذه المحاكمة الشعبية للسياسة الحكومية, فيتعلق بانتحار ثلاث نساء في ظرف اربع وعشرين ساعة بمدينة سوق اربعاء الغرب - وهي وضعية خلقت ردود فعل قوية وسط الساكنة، فالضحية الأولى تجرعت مادة مسمومة على اثر تعرضها للاغتصاب والحكرة من طرف شاب من ذوي السوابق في الإجرام والاغتصاب، والضحية الثانية اختارت ان تضع حدا لما تعاني من حالة نفسية هشة، باستعمال حبل شنقت به نفسها وذلك بسبب ما تعانيه الضحية داخل أسرتها وفي محيطها الاجتماعي من احتقار وإهانات بسبب كونها مطلقة. في حين فضلت الضحية الثالثة ان تضع حدا لحياتها من حالات الاحتقار المستمر التي تتعرض لها باستمرار, وذلك بتناول كمية كبيرة من مبيد الحشرات بعد أن أرغمتها أسرتها على الزواج المبكر والارتباط بشخص لا ترغب في ركوب قطار الحياة معه وكأن الاسرة تريد التخلص منها خوفا من المفسدين. أو درءاً للعار. وعند البحث عن الخيط الرابط بين أحوال الضحايا الثلاثة، يتبين أن ما يجمع بينها هو كون المرأة في المغرب تعيش في مجتمع ذكوري يتسم بانعدام المساواة والحيف والحرمان من هامش الحرية والكرامة والقيم الإنسانية. فوضعية الاحتقار والإحساس بالقهر والحيف هو العنصر المشترك في كل هذه الحالات، إذ أن المجتمع الذكوري يعتبر المرأة كائنا غير راشد وناقص العقل والدين وقنبلة موقوتة للفضيحة والعار. لهذا، فإنها لا تستحق أن تحظى وتتمتع بنفس الحقوق والحريات التي يتمتع بها أخوها وزوجها وأبوها، كما أن المرأة في مثل هذه المجتمعات لا تستفيد من الحماية الاجتماعية والقانونية والمؤسساتية، حينما تتعرض للعنف والإهانة والحيف، وكل الوسائل الايديولوجية التي يعتمد عليها المجتمع لترسيخ المعتقدات والأعراف كوسائل للدعم والضغط والضبط الاجتماعية التي تكرس هذه المكانة الدنيوية للمرأة في المجتمع للمزيد من التحكم والتسلط. والملف الثالث في إطار هذه المحاكمة الإنسانية وذلك على سبيل المثال فقط لا الحصر فهو يتعلق ببائع متجول بمدينة تازة، قرر أن يعرض ابنتيه للبيع بالمزاد، بسبب الوضعية الاجتماعية التي يعيشها بعد تعرضه للإهانة والحكرة، إثر مصادرة عربته اليدوية، والتي كانت تشكل مصدراً وحيداً لقوته اليومي رفقة ابنتيه وزوجته. ولقد شكلت هذه الواقعة خطوة احتجاجية واستثنائية تطرح أكثر من تساؤل حول الأوضاع الهشةالتي تعيشها الشرائح الاجتماعية، بعد انسداد الآفاق وعدم ملامسة أي إجراء أو مبادرة تنم عن رغبة الحكومة الحالية في تحسين أوضاع هذه الفئات والشرائح التي تعيش حالة الفقر والهشاشة، إضافة إلى الشطط في استعمال السلطة. تلك عينة فقط من الملفات التي تفضح فشل الحكومة في سياستها الاجتماعية والاقتصادية، واختارت أن تبقى أمام ضرورة تحسين أوضاع الهشاشة والفقر والحگرة في موقف »كم من حاجة قضيناها بتركها على حالها«. فليس عيباً أن ننخرط في رقصة أحواش بمدينة الدشيرة، أو أن نضع طربوش كناوة بمدينة الرشيدية، أو أن نستمر في سياسة »عفا الله عمَّا سلف«، ولكن ليس من الإنصاف، وليس من الإسلام، وليس من الوطنية، ولا ينبغي على إنسان مسؤول ويملك نزراً يسيراً من الإحساس بالمسؤولية ويقتنع بقيم الإنسانية النبيلة ويتوفر على ضمير حي ويتملكه حس المواطنة الصادقة، لا يمكن ولا يجب على هذا المسؤول أن يترك الحبل على الغارب ويتقاعس في محاربة المنكر والفساد ويتلكأ في محاسبة الذين تعوّدوا على الإفلات من العقاب، والممارسين يومياً شططاً في استعمال السلطة ويتأخر في تسطير وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة في المحاكم والطرقات والإدارات العمومية والمسؤوليات الحساسة، حكومية كانت أو خصوصية، فهذا الشطط وهذه الإهانات وعدم إنصاف المظلوم. كل هذه الممارسات تدفع المقهور إلى الانتحار أو عرض فلذات كبده للبيع. وإذا قَبِلنا على مضض ورغم أنوفنا سياسة »عفا الله عمَّا سلف«، فإن الألم الذي يعتصر قلوبنا ويُثير مشاعرنا، يجعلنا نصمم على عدم قبول سياسة الحكومة الحالية في الآونة الأخيرة، والتي تحمل شعار »عفا اللَّه عمَّا يقع«.