لم يكتب لهناء حياة سعيدة كباقي أقرانها، حيث منذ أن فتحت عينيها بقرية قرب مدينة سطات عاشت شبه يتم، إذ كان والدها قد طلق والدتها لتنتقل للعيش معها في عدد من الغرف قبل أن تستقر في بيت في البيضاء رفقة والدتها التي جربت العديد من الأعمال قبل أن تحترف الدعارة. ولجت سعيدة المدرسة، إلا أنها لم تنجح في تخطي الأقسام الابتدائية لتغادر المدرسة، حيث لم ينتبه لها أحد ولم تستطع متابعة الدراسة، حيث رأت سعيدة والدتها وهي تعيش كل يوم مع رجل، بل أهملتها غير ما مرة وتركتها وحيدة في الغرفة مقفل عليها من بداية الليل إلى بداية الصباح، حيث تأتي في حالة سكر طافح ليزداد الإهمال إهمالا. كبرت سعيدة وبلغت سن الرشد، حيث بدأت هي الأخرى تسقط بين الفين والآخر فريسة بين مخالب رجال لا يعرفون إلا لغة الجسد والجنس. لم تكن راضية عن هذه الحياة وقررت ذات يوم أن تغادر إلى مدينة أكادير بحثا عمن يقيها شر الليالي الحمراء التي أتعبتها حيث توجهت، رفقة صديقاتها، من أجل البحث عن عمل. وعند وصولها إلى مدينة مراكش، التقت نور الدين الذي لم يكن أقل منها تعاسة. لحظتها، كان يتاجر في المخدرات، حيث بعد أن أمطرها بوابل من الكلام المعسول وبعد أن أحس أنها سقطت في شراكه، اقترح عليها ربط علاقة غرامية والعيش معا تحت سقف واحد، وهي الفكرة التي اقتنعت بها وقررت التخلي عن السفر إلى أكادير والمكوث بمراكش الحمراء التي جذبتها أضواؤها وساحتها ونشاطها أيضا. تحولت سعيدة من حياة الشقاء إلى حياة النعيم، حيث أصبح نور الدين تاجر المخدرات يغدق عليها من المتحصل من بيعه المخدرات ويعاشرها معاشرة الأزواج في بيت جدته المسنة حيث فتح عينه هو الآخر على هذه السيدة التي كانت تعيش على الكفاف والعفاف. ظروف صعبة لم تمر الأيام الحلوة كما كانت تشتهي سعيدة سليمة حيث تم القبض، ذات مساء، على نور الدين وتم إدخاله السجن، بتهمة الاتجار في المخدرات. لم تجد المتهمة بدا من مغادرة مدينة مراكش، بعد أن استحال عليها العيش وحيدة دون معيل حيث عادت أدراجها من حيث أتت لتحمل سفاحا، وتلد من شخص آخر قبل أن تعود مرة أخرى إلى مراكش، لتغادرها نهائيا بعد عدة مداهمات أمنية كانت تستهدف خليلها المتهم بالاتجار في المخدرات. وبعد نقاش مستفيض بينهما، قررا العودة إلى ضواحي سطات من أجل تدبير أمورهما والتفكير في مستقبلهما الذي انهار بعد مداهمات متكررة للشرطة وتضييق الخناق عليه. أزمة بلا حلول ركب المتهم وخليلته أول حافلة متوجهة إلى سطات ومنها انتقالا إلى الضاحية من أجل الاختباء مؤقتا من مطاردات الأمن بعدما أصبح مستهدفا من طرف فرقة مكافحة المخدرات، في مراكش. فكرا في مغادرة المدينة والبحث عن مورد رزق، فكانت وجهتهما، هذه المرة، إقليمسطات. استقر بهما المقام في بيت والدة عشيقته، غير أنه لاحظ أن والدة المتهمة ازدادت جشعا وأصبحت مهتمة بمداخيل عشيق ابنتها ولم ترغب في عقد قرانهما، رغبة منها في أن تستمر المتهمة في الدعارة وجلب المزيد من الأموال، ففكرا في الرحيل، معا، إلى إقليمالجديدة. في إقليمالجديدة، بدأت بوادر الأزمة تؤثر على المتهم، بعد أن نفد ماله، خاصة حين أصيبت مولودته بمرض مزمن في القلب، وما يتطلبه ذلك من مصاريفَ مالية باهظة قصد العلاج، وكان المتهم لا يقوى على الشغل، لأنه كان موضوعَ مذكرة بحث على الصعيد الوطني، فاقترحت عليه المتهمة أن يعودا، من جديد، إلى إقليمسطات لاقتراض بعض المال من والديها، وتركا الطفلة عند إحدى جاراتها في سيدي بنور. حلا ضيفين على والدة المتهمة، وفاتحت سعيدة والدتها في موضوع السلف، لكن الأخيرة أخبرتها أنها لا تستطيع منحها سلفة، لضيق ذات اليد. وفي اليوم الموالي، توجها إلى بيت والد المتهمة، الكائن في الضواحي. عند وصولهما إلى عين المكان، وجدا والدها وحيدا في منزله، بحكم انفصاله عن زوجته، وجالساه في إحدى الغرف وطلبت منه سعيدة منحها قرضا ماليا بقيمة 2000 درهم، بعد أن شرحت له ما تعانيه من أزمة مالية ووصفت له حالة ابنتها المربضة، إلا أنه ثار في وجهها مخبرا إياها أنه لا يتوفر على المال، وغادرا الغرفة، وفي نفسهما حسرة من الموقف اللاإنساني في نظرهما. ليلة حمراء للتخطيط للقتل في مساء نفس اليوم، وبعد أن أسدل الليل خيوطه على المدينة، توجهت سعيدة ونور الدين إلى حي نوال الشعبي، حيث تكفلت سعيدة باقتناء أربعة أقراص مهلوسة وأربع قنينات من الخمر الأحمر، وقصدا المنطقة التي يتواجد فيها منزل والدها، وجلسا غير بعيد من منزله وتناولا الأقراص المهلوسة وشربا الخمر... وفي حدود الفجر، وبينما كان الوالد يغطّ في نوم عميق، اقتربا من المنزل، حيث تسلقت سعيدة الباب الحديدي المؤدي مباشرة إلى الحظيرة وقامت بفتح الباب الرئيسي، وشرعا في انتقاء رؤوس الماشية!... وماهي إلا لحظات حتى سمع الوالد حركات غير عادية بالقرب من الحظيرة، خرج من المنزل وبيده قطعة حديدية وتفاجأ بوجود ابنته وسط الحظيرة، ممسكة بخروف... حاول ضربها بواسطة القطعة الحديدية، وهي نفس اللحظة التي باغته فيها المتهم من الخلف وأسقطه أرضا، وشرع في ضربه بواسطة القطعة الحديدية ذاتها. وبمساعدة ابنته سعيدة، قام المتهم بحمل الضحية إلى إحدى الغرف، وهناك قاما بتكبيله بواسطة حبل بلاستيكي، حيث كبلا يديه ورجليه، وعندما شرع الضحية في الصراخ، طلبا للنجدة، جلست سعيدة فوق ركبتي والدها الضحية، فيما نور الدين شرع في توجيه لكمات قوية له في شتى أنحاء جسمه، وكانت ابنته توجه له الضرب بواسطة القطعة الحديدية، إلى أن خارت قواه. ولفظ أنفاسه الأخيرة، فقاما بنقله إلى غرفة داخلية وألقياه فيها، ممددا على بطنه. توجها إلى المدينة، حيث استأجرا شاحنة نقلا على متنها 12 رأسا من الغنم وقصدا السوق حيث قاما ببيع القطيع سلما مبلغ 500 درهم لسائق الشاحنة، الذي كان يعرف المتهمة وأفراد أسرتها.. انتحال صفات خوفا من الانكشاف مباشرة بعد ارتكابهما هذه الجريمة، عادا، مرة أخرى، إلى إقليمالجديدة ومنها غادرها إلى إحدى مدن الشمال. وهناك اكتريا شقة صغيرة. شرع المتهم في بيع الأثاث المستعمل، غير أنه وقع في شجار مع أحد أبناء المنطقة،كان قد حرض سعيدة على الفساد، وتطور الأمر إلى تبادل الضرب والجرح وتم إلقاء القبض على المتهم، الذي كان يحتفظ ببطاقة تعريفه الوطنية في منزله. وقد تمكن من انتحال صفة أحد أبناء جيرانه في مراكش وأدانته المحكمة بشهرين، حبسا نافذا، وتم إلقاء القبض على سعيدة أيضا، من أجل لإقامة علاقة جنسية غير شرعيةّ، والتي انتحلت -بدورها- صفة ابنة خالتها، وتم الإفراج عنها وانتظرت خليلها، حتى خروجه من السجن. البحث عن عمل يوقع المتهم بعد الإفراج عن نور الدين، مكث في نفس البلدة رفقة عشيقته إلى أن تدبر عملا في ضيعة فلاحية، بثمن مغر وصل إلى 3500 درهم شهريا، إضافة إلى المسكن. لكن صاحب الضيعة طلب من المتهم بطاقة تعريفه الوطنية، بداعي تعرضه للسرقة من طرف عامل سابق، وتوجه إلى رجال الأمن للاستفسار عن هوية مستخدمه الجديد، عن طريق تنقيط بطاقة المتهم الوطنية، فتم اكتشاف أنه موضوع بحث من طرف رجال الأمن في قضية جريمة قتل وتم القبض عليهما وتسليمهما للشرطة الولائية في إقليمسطات، إذ اعترفا بالمنسوب إليهما، بعد مضي حوالي سنة وثلاثة أشهر على تاريخ ارتكاب الجريمة... مثول المتهمين نور الدين وسعيدة أمام المحققين قاد إلى الكشف عن حاجتهما للمال من أجل إنقاذ ابنتهما التي كانت تعاني من مرض القلب ولم تكن لهما نية قتل صهره ووالد زوجته. أحيل المتهمان على المدعي العام الذي تابعهما من أجل القتل العمد مع سبق الإصرار المتبوع بجناية السرقة الموصوفة وأحالهما على التحقيق الذي تابعهما بنفس التهم وأحالهما على غرفة الجنايات التي بعد أن مثلا أمامها عدة مرات اعتبرت المحكمة القضية جاهزة للمناقشة والحكم حيث لم تستطع المتهمة حبس دموعها إلا أنه لم تنفع دموع الندم. وبعد أن التمس دفاعهما ظروف التخفيف بحكم أن المتهمان لم تكن لهما نية قتل الضحية، وبالتالي تكييف الملف إلى ضرب وجرح مؤدي إلى القتل إلا أن المحكمة، بعد المداولة، آخذتهما من أجل المنسوب إليهما وقضت في حقهما بالسجن المؤبد وهو ذات الحكم الذي أيدته غرفة الجنايات الاستئنافية. ملحوظة: حفاظا على الحياة الخاصة للمتهمين والضحايا نتعمد إختيار أسماء مستعارة وأن أي تشابه في الأسماء أو الأحداث مجرد صدفة.