شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتحة : فلسطين: قضية وطنية

موسم الهجرة نحو المشرق، تقليد عريق بالنسبة لقبائل الشمال الإفريقي. لقد كانت الرحال تشد إلى مكة تعبدا وملاذا بالنسبة لجميع مضطهدي العالم القديم في عقيدتهم، إذن ضدا على مواقفهم السياسية المعارضة. كما كانت تتم إلى الشام (فلسطين) زيارة وتعلما في مراكزها الكنيسية والكنسية عندما كانت منارات عقدية، فكرية ونضالية.
والعكس أيضا صحيح، ودلائله أكثر من أن تحصى، وذلك سواء من قبل المجتمعات أو الدول المشرقية في العراق واليمن ومصر والشام...إلخ. ومنها طبعا تلك التي أسست لها دولا فرعية مثل الفنيقيين في قرطاجنة.
ومع الفتوحات الإسلامية، التي حررت المغارب من تبعيتها واحتلالها من قبل دول شمال البحر الأبيض الأوروبية (رومان، وندال...). كان القادة الذين نجحوا في التواصل مع المغاربة، هم أولئك الذين قدموا من اليمن (جذور مشتركة)، وتوسلوا لذلك إلى الفتح عن طريق الحوار والإقناع لا العنف، وإذا اضطروا إليه، فإنه تم ضدا على المحتل الأوربي أو عملائه المحليين المغاربة.
إن شرق بحيرة الأبيض المتوسط الجنوبي، يعتبر امتدادا لغربها، سواء من حيث جغرافيتها الطبيعية أو البشرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية، بل إن حضارة الأبيض المتوسط عموما، شمالها وجنوبها، تعتبر حدثا مشتركا في جميع التواريخ قديمها ووسيطها وحديثها. وذلك فضلا عن راهنها طبعا.
علاقة المغاربة بالشام عموما، وبفلسطين منها خاصة، هي جزء من ذلك، غير أنه جزء خاص ومتميز، ليس بالنسبة لهم فقط، بل بالنسبة لمعظم شعوب البشرية في التاريخ، وحتى يومه. ذلك لأن المغاربة يقدسون قدسها، ويتبركون بمقاماتها، ويحنون إلى زيارتها، ويعتبرون قضيتها قضيتهم، والعدوان عليها عدوانا عليهم، فهي لم تكن بالنسبة إلى المعتدين عليها، احتلالا ثم استعمارا واستيطانا... سوى بوابة لاحتلالهم هم أيضا، أرضا واستعمارهم إنسانا وثقافة واقتصادا...
في فلسطين تمكن الاحتلال الروماني (العبودي) متحالفا مع التجار اليهود، من تحريف اليهودية، وتوظيفها إيديولوجيا وسياسيا لخدمة سيطرته عليها، وعلى المنطقة جميعا، ويستمر ذلك حتى يومه، من قبل ورثة الروم والصليبيين (الإقطاعيين) في أوربا وأمريكا الرأسماليتين.
وعندما انتفض السيد المسيح وصحابته، لأجل إرجاع "الدين" إلى أصحابه والسيف إلى غمده. وذلك عن طريق إصلاح الدين بعد إفساده (=تسييسه) وتقديسه بعد تدنيسه، وتمكينه بعد تهميشه، وتمنيعه بعد اختراق التجارة والإدارة لحصونه.. تعرض وأصحابه، والمؤمنون جميعا، وطيلة أربعة قرون، إلى اضطهاد واستعباد وتقتيل بالنار أحياء، وذلك من قبل الروم في بيزنطة ورثة الرومان في إيطاليا.
هذه بعض من معاني المشرق بالنسبة للمغاربة، اليهودية الأصلية التي جردهم من "أسلحتها"، احتلال أوربا، ثم ارتدت عليهم بها، بعد تحريفها وتوظيفها ضدا على المؤمنين بها وما تزال تفعل... اليوم وقد أضحت "حداثية" (؟!)
أما المسيحية (النصرانية) المناضلة، فما تزال الكثير من ملامحها الأصلية، مستوطنة بالمشرق. سواء بمصر (الأقباط) أو في الشام والعراق (السريان...)، فضلا عن روسيا واليونان (الأرثودوكس)، وهو بعض مما يفسر دينيا، الحملات الإفرنجية (المسماة بالصليبية) من قبل المسيحية الكنسية-الرومانية، وذلك لاستكمال التحريف (=التوثين، التسييس..) مشرقا، بعد أن نجح في أوربا الغربية، لقد كانوا (=النصارى واليهود العرب) المقصودين بالاجتثاث، أكثر ممن كانوا يصفونهم ب"المحمديين"، وهو الأمر الذي تجلى فاقعا، في تصدر المسيحيين العرب واليهود العرب، في مقاومة تلك الحملات الأوربية، وذلك خاصة عن طريق التمويل والتخذيل والاستخبار. وهو الأمر أيضا، الذي نبه إماما مصلحا ومناضلا، إلى البعد الترابي (الوطني والقومي) لتنزيل الدين، وأفتى بما يعيد اللحمة مع معتقدي غير الإسلام من العرب، ومواجهة غير العرب ولو كانوا مسلمين، إذا جاءوا محتلين (المغول)، فتطابقت لديه الملة مع المواطنة، واستحالت "الردة" عن الدين، إلى "خيانة" الأمة والأرض والسيادة الوطنية.
هذا في التاريخ، مشرق المغرب هو بالنسبة للمغاربة، منبع قيم ومثل، وبؤرة صراع بين الدين القويم والسياسات غير الشرعية: العدوانية، احتلالا أو استعمارا.
{ { { {
وعندما انطلقت الدعوة الإسلامية، ومرة أخرى في مشرق المغارب، اعتبرت نفسها: اليهودية الأصلية والإصلاحية المسيحية "إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى". ولهذا التحق به المغاربة جميعا يهودا ونصارى وفطريين، إلا أقلية
ولم يكن ذلك من "اختيارها" بل أرغمت على التهميش من قبل النخبة النافذة ? الحاكمة، وذلك لأجل توظيفهم في أداء خدمات "حيوية" غير أن ميثاق وحدة المجتمع وضميره الأخلاقي، لا يستسيغانها (الربا ? التجسس ? القمار ? الصنائع الخطرة أو المؤذية ?الغش...).
ومن المعروف أن فتح الأندلس من قبل القائد المازيغي العظيم طارق بن زياد. ما كان ليتم بيسر، لولا التمويل والتجهيز والاستخبار... الذي قام به اليهود المغاربة بمدينة سبتة، وذلك بالنسبة لهم بهدف الانعتاق من عنف بقايا الرومنة في إسبانيا.
هذا مرة أخرى، هو بعض مما تعنيه علاقة مغرب - مشرق. ومن يحرم المغاربة من مشرقهم، أو المشارقة من مغربهم، يجد نفسه موضوعيا، في خدمة أعدائهما: في الغرب الاستعبادي قديما، والإقطاعي في العصر الوسيط والرأسمالي-الاستعماري، حديثا وراهنا. وهذه اليوم هي وظائف الجماعات الأصولية، الدينية منها (الصهيونية والإسلاموية) والقبلية الفلكلورية والعنصرية والحداثوية (العولمية والفرنكوفونية).
{ { { {
وبعد، سنقتصر أدناه، على إيراد أهم الوقائع التاريخية الدالة على حقيقة مواقف المغاربة دولة ومجتمعا، وهم في العلاقة مع المشرق موحدون، إنه المغرب العميق حقا وصدقا، لا السطحي أو المنتحل والمزور.
1 - في العصر الوسيط:
-صلاح الدين الأيوبي يطلب الدعم والنجدة من شقيقه يعقوب المنصور الموحدي، وذلك لاستكمال تحرير الثغور الساحلية (عكا ? صور وطرابس الشام) فيسعفه بأسطول من 180 سفينة حربية، ولقد كانت الأقوى عالميا، في ذلك العصر. ونفس الدعم لاحقا مع السلطان نور الدين (ابن جبير) وذلك بعد أن بادر الكثير من المغاربة سلفا، إلى الهجرة برا أو بحرا مجاهدين متطوعين، في جيش التحرير بقيادة صلاح الدين.
-يؤسس الملك الأفضل (-1225) ابن صلاح الدين. للمغاربة حيا خاصا بهم في القدس، قرب المسجد وحائط البراق، حماية لهما بهم. وبه مدرستان (الأفضلية والمالكية). وذلك حتى يحافظوا على ما يميزهم: ويحموا المقدسات في نفس الوقت، من الاحتلال ومن التهويد، مندمجين مع بقية الساكنة معاشا وتدينا... [ باب المغاربة هو أهم أبواب القدس، وأقربها إلى المسجد الأقصى، وأضعف نقاط الدفاع عنها. ومنه كان الإسراء ومنه دخل عمر بن الخطاب محررا. ولهذا خصصت حارته، (45000م2) للمغاربة، لأنهم كما قال عنهم صلاح الدين "... أسكنت بالبطن اللين، بالمكمن الخطر على القدس (...) من يفتكون في البر وينتقضون في البحر، يجاهدون عاما ويحجون عاما يقصد المغاربة طبعا].
-عموم الحجاج المغاربة كانوا يعرجون على زيارة القدس (تسمى عندهم: التقديس)، ومنهم من كان يختار الإقامة المؤقتة أو الدائمة، ومنهم أعلام كالطرطوشي وابن العربي المعافري (سافر مع أبيه في سفارة من قبل القائد يوسف بن تاشفين، ثم أقام مجاورا هنالك) وابن الكازروني وصالح بن حرزهم والمقري التلمساني... وكانوا بذلك من أوائل من مارس فضيلة الإحرام انطلاقا من القدس طبقا لحديث أم سلمة: "من أهل من بيت المقدس...".
بل وسنوا تقليد "صلاة الرغائب" (منتصف شهر شعبان) ابتهالا لتحرير القدس، وتعويضا عن انقطاع زياراتهم لها بسبب الاحتلال الإفرنجي (الأوربي) وكذلك "أفتوا"، تشجيعا للوقف بها، بأن من وقف أربع وقفيات بها، أولها، يكون كمن حج.
-أوقاف المغاربة عامة، وخاصة منهم (أبو الحسن المريني، أبو مدين الغوث والمصمودي) أوقافا مشهورة في هذا الصدد. سواء في عين المكان، للصرف على المحتاجين من المغاربة المجاورين بها. أو في المغرب نفسه، للإنفاق على أعتابها المقدسة وعلى فقرائها (بلغت مساحة وقف أبي مدين في قرية كارم الفلسطينية 15 ألف هكتار) وذلك بعد أن جاهد هنالك واعتقل من قبل الإفرنج وأطلق سراحه....
ومن ذلك، مصاحف بخط يد الملوك، مصحف أبو الحسن المريني (-1337 كان 30 مجلدا من رق الغزال)، أو تحفا تتفتق فيها عبقرية الفنانين-الصناع المغاربة في مختلف فنون الخط والرسم والتزويق والتذهيب والتغليف.. وأوقف على قراءتها في عين المكان أوقافا في ريف القدس وفي الرملة (صلاح الدين كتب مصحفه الموقوف بدمه).
هكذا إذن كان مغاربة العصر الوسيط في علاقتهم بفلسطين: جهاد وزيارة ومجاورة وتعلم ودعم اقتصادي-اجتماعي...
-أما الرحالة المغاربة نحو الشام، والذين عرفوا المغاربة بأوضاع أشقائهم في المشرق، فكثيرون أشهرهم: العبدري (1291) /محمد بن عمر الفهري (من سبتة)
(-1321) / القاسم التجيبي (-1329) / محمد الوادي آشي (-1348) / ابن بطوطة
(-1369) / البلوي (-1378)/ ابن الأزرق (-1378) وابن جبير... ولم ولن يكون المكناسي (1100ه) آخرهم.
- أما الشهداء المغاربة دفاعا عن عروبة وإسلامية البلاد المشرقية، وخاصة فلسطين، فلقد كانوا بالآلاف، ومن مختلف المناطق والقبائل والمدن وشتى المهن، بمن في ذلك النخبة العلمية والدينية والحرفية والتجار خاصة في العام 1099 (ابن الأثير: الكامل) وفي معركة واحدة ضدا على غزاة فلسطين من الإفرنج، استشهد ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مجاهد مغربي (=مغاربي).
-ولقد بلغ خوف الإفرنج وحقدهم على المغاربة، أن فرضوا عليهم مكسا (ضريبة) إضافيا خاصا على من يرغب منهم في زيارة فلسطين خلال رحلة حجهم ذهابا أو إيابا (ابن جبير 247- 253).
-لا تقل نسبة المغاربة من بين أولياء وصلحاء القطر المصري الشقيق عن 80%. إن الدين الشعبي في مصر، وزواياه وطرقه ومواسمه وأضرحته... تكاد تكون جميعا ذات أصول مغربية (=مغاربية).
-ويجب التذكير بالمناسبة أيضا، أن استقبال المغاربة لأشقائهم من المشرق، لم يكن يقل بحال عن الهجرة المغربية نحو الشرق، وتكفي حجة على ذلك، أن قيام الدولة الفاطمية في مصر وعموم الشرق الوسيط، لم تكن سوى فرع عن أمها المغاربية (تونس) ذات الجذور الموحدية، لم تهاجر إدارة الدولة فقط، بل جموع غفيرة من المغاربة كانوا في نواتهم الأولى من الأطلس الصغير. وهو بالمناسبة أيضا، بعض ما يفسر كون أكثر تجار القاهرة والإسكندرية الكبار، جذورهم من أسر ومن عائلات مغربية.
-كان المشارقة يهتمون بافتكاك الأسرى المغاربة من الإفرنج، قبل افتكاك المجاهدين الأسرى من المشرق ذلك ".. لأن هؤلاء يفكهم أهلوهم وجيرانهم، أما المغاربة، فهم غرباء، لا أهل لهم" الأمير نورالدين (المعروف بالشهيد).
لنختم بهذا الاستشهاد الدال، عندما راسل والد ابن العربي ابنه وهو مجاور في القدس، وذلك في شأن مرافقته له إلى الحج. أجابه المعافري الابن، معتذرا عن الحج في القدس قائلا "...إن كان لك نية في الحج، فامض لعزمك، فإني لست برائم من هذه البلدة، حتى أعلم علم من فيها..." (المقدمة ج6 ص250) وكانوا كُثرا، منهم: إبراهيم النابلسي / عطاء المقدسي / الزوزني / الصاغاني / الزنجاني والريحاني...
-ولقد ساهم المغاربة في التآليف التي توقفت عند فضائل بيت المقدس، من ذلك مثلا (فضائل بيت المقدس وفضائل الشام) (مخطوط) للإمام إبراهيم بن يحيى
المكناسي (ق7) من موضوعاته: الترغيب في سكن بيت المقدس ? من سكن فلسطين من الصحابة ? تسبيح الملائكة في بيت لمقدس ? الدعاء بالبركة للشام ? فضل الإقامة بالشام ? من توفي بالشام من الصحابة...
إفادة منه: القدس عنده تعني الطهارة والبركة / وروح القدس: جبريل عليه السلام / وهي صفة الله سبحانه / ومنه قيل للسطل قدس، لأنه يتطهر منه.
ويروي عن كعب، أن بسواحل الشام قبور ألف نبي وبدمشق خمس مئة وبفلسطين وبالأردن وبيت المقدس مثل ذلك...إلخ.
2 - في الحديث والمعاصر:
وكما توافق وارتبط العدوان الإقطاعي ثم الرأسمالي على المشرق والمغرب العربيين في ذات الأوقات تقريبا ودائما، وذلك في العصرين القديم والوسيط، فكذلك وقع ويقع الأمر في العصر الحديث وراهنا.
فعندما انطلقت الحركة الصهيونية كصناعة رأسمالية أوربية، ضدا على الشعب الفلسطيني (مسلمين ومسيحيين ويهودا). كانت نقطة انفجارها في العام 1882. من حائط البراق بالذات، أي عمليا من حي المغاربة المحايث، للحائط، والمسؤول عن حمايته.
والاحتلالات الأوربية للبلاد المغربية، شملت فلسطين في نفس الوقت وفي نفس الشروط، ولذلك فلقد كان الشرط واحدا والمعركة واحدة والمصير واحد، لم يقرر ذلك الوضع الجغرافي الموحد فقط، ولا التاريخ والثقافة والمصالح المشتركة فحسب، ولا.. وإنما أيضا، لأن العدو هو نفسه. أوربا ثم أمريكا الرأسماليتين (أحباء بعض "المغاربة") هو الذي فرض وحدة الأوضاع ووحدة المعركة ووحدة النضال ووحدة المستقبل. وفي العام 1929 انفجر ما سمى ب"ثورة البراق"، وسقط فيها الكثير من الضحايا اليهود والمسلمين، وكان من بينهم طبعا مغاربة. وانطلقت لذلك في المغرب سلسلة تجمعات وتظاهرات وبيانات استنكار واكتتابات تضامن. وكانت مناسبة تعلم فيها المغاربة الصيغ المدنية الجديدة في النضال، وإنتاج نخبة سياسية شابة وقائدة، وتحدي الاستعمار الأوربي، الذي يشمل بحمايته أو انتدابه، الأرضين معا المغرب والشام العربيين بنفس الوسائل، ولذات الغايات.
وعندما دعا القائد الفلسطيني (أمين الحسيني) في العام 1931، إلى مؤتمر إسلامي بالقدس، لمناهضة التآمر الأوربي-الصهيوني، وللتضامن مع الشعب الفلسطيني، حضره ثلاثة شبان مغاربة، ممثلين للشعب المغربي (المكي الناصري ? محمد بنونة والمكي الكتاني).
وفي العام 1933 وتلبية لنداء الزعيم أحمد السنوسي بصفته رئيسا ل"مكتب المؤتمر الإسلامي الدائم" بالقدس، أقيمت صلاة الغائب في بعض مساجد المدن المغربية الجامعة.
وعندما عزمت الإدارة الاستعمارية لفلسطين سنة 1937 تقسيمها بين الإنجليز والعرب والشتات اليهودي الأجنبي، تمت في المغرب سلسلة تجمعات بالمساجد وإلقاء خطب وإرسال برقيات تضامن واستنكار.
وعندما تقرر "أمميا" تقسيم فلسطين في العام 1947 اتسع التضامن ليشمل القصر الملكي، الذي بادر ديبلوماسيا بالاستنكار والرفض أمام السلطة الفرنسية الحامية، ولدى الجامعة العربية (عن طريق الزعيم علال الفاسي المقيم زمنئذ بالقاهرة) معتبرا القرار "عدوانا على الإسلام وإهانة للمسلمين" ومع اشتداد المظاهرات الشعبية، توجه باعتباره أميرا للمؤمنين بخطاب إلى الشعب المغربي في نفس الموضوع وبنفس مواقف الاحتجاج والرفض....
(أما مواقف ومبادرات "حزب الاستقلال"، فتوضح بعضها، الوثائق المرفقة، فضلا عن حملات جمع التبرعات، والتي كانت الأهم على المستوى الإسلامي كله).
وعند اندلاع الحرب العربية الأوربية (الصهيونية) في 1948 بفلسطين، هاجر الكثير من المغاربة نحو الشرق (مصر والأردن) برسم جهاد التحرير. متوسطين لذلك "مكتب المغرب العربي" بالقاهرة بقيادة الزعيمين العروبيين الخطابي والفاسي، وكانت القائمة طويلة. وكانت تلك أيضا مناسبة لتدريب المناضلين المغاربة على المقاومة المسلحة، والتي فجروها لاحقا في أوطانهم بالمغارب.
وفي ظل واقع الاحتلال الفرنسي للمغرب، احتج الملك على رسو باخرة "إسرائيلية" في ميناء الدارالبيضاء، معتبرا إياها باخرة عدوة. لقد كان الاستعمار الفرنسي بالنسبة له، أهون من الصهيونية وقيام "إسرائيل".
وهو نفسه أيضا، لم يتردد في التدخل لدى السلطات المحتلة (دوغول) من أجل الإفراج عن القائد المناضل ومفتي القدس، أمين الحسيني. عندما كان معتقلا بالسجون الفرنسية، ثم ساهمت الحركة الوطنية المغربية بفرنسا (الهادي الديوري) في تدبير هروبه من سجانيه ومغادرته فرنسا.
{ { { {
لم تكن الصلة في اتجاه واحد، بل في اتجاهين دائما، جدلية نضالية متواشجة ومتكاملة، منذ تشكلت هذه الجغرافية المتصلة، ومنذ تأسس للتاريخ حضور في هذه المنطقة المترابطة، بل وما قبل التاريخ أيضا.
لقد توصلنا إلى أن المغاربة اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام انطلاقا من دعوتهم إلى ذلك من قبل أشقائهم المشارقة.
وجميع حضارات المشرق بلغت المغرب، أهمها الفرعونية والعاشورية والفينيقية...
وعندما أسس المغاربة لهم دولا مستقلة سياسيا، اعتبروا أنفسهم مرتبطين، بل وتابعين دينيا للشرق. واقتصر ملوكهم غالبا على صفة "أمير المسلمين" في مقابل "أمير المؤمنين" الخليفة في بغداد.
وما كان من الممكن تصور قيام نضالات التحرير الوطني المغاربي، وفي القمة منه المقاومة وجيش التحرير، بدون استحضار الشرق وأدواره غير المحدودة من أجل تحقيق ذلك سواء ثقافيا وإعلاميا ودبلوماسيا... أو عسكريا (مصر والعراق).
لقد استقبل الشرق، وفلسطين (نابلس) خاصة، الكثير من الطلاب المغاربة للتحصيل العلمي والجامعي وخصوصا منهم من شمال المغرب، حيث كانت إمكانية ذلك أكبر، أولئك، خاصة من أسرة (آل بنونة) وهم من أسسوا للوطنية في الشمال وفي المغرب عموما: وعيا وتنظيما وثقافة وإعلاما. وذلك بعد أن تتلمذوا على أيدي أعلام الفلسطينيين، خاصة منهم: الحسيني والدواليبي ونويهض وزعيتر وطوقان وعلى الظاهر... وجرائد "الشورى" و"الجامعة الإسلامية" و"العرب" (كانت تخصص صفحة أسبوعية للمغرب. وكان مراسلها فيه، هو الصحفي الرائد: سعيد حجي).
وعندما انطلقت ثورة الشمال بقيادة الزعيم الخالد الخطابي، وجدت لها أصداء لدى الشاعر الفلسطيني قدري طوقان، فأنشد ما أضحى نشيدا للثورة:
في ثنايا العجاج / بينما الجوداج / يتهادى نسيم / نحو عبد الكريم / ريفنا كالعرين / والتحام السيوف / والمنايا تطوف / فيه أزكى سلام / الأمير الهمام / نحن فيه الأسود / ريفنا نحميه.
وفي العام 1930، حيث عمدت فرنسا إلى تعميق سياسة "فرق تسد" وذلك بإصدار القانون المعروف ب"الظهير البربري" تحرك الشرق جميعه متضامنا ومستنكرا ومتظاهرا، وعلى جميع المستويات الشعبية السياسية والثقافية والرسمية.
والمصريون، هم الذين حرروا، ثم حموا وكرموا، الزعيم القائد محمد
ع. الكريم الخطابي، ودعموا "مكتب المغرب العربي" بجميع الوسائل وسلحوا المقاومات المغاربية، ودعوا لها، ولرجوع الملك في "صوت العرب" وعلى المنابر الدولية جميعا.
في المقابل، فإن الكيان الغاصب لأرض فلسطين، عمد إثر عدوان 1948 الذي تطوع في كفاحه الكثير من الأبطال المقاومين المغاربة، إلى السطو على الوقف المغربي، ثم لاحقا وخاصة إثر احتلاله شرق مدينة القدس مباشرة، إلى الإجهاز على البقية الباقية منه، حيث هدم حارة المغاربة بعد ثمانية قرون من إعمارها مغربيا، بما في ذلك مراكزها الدينية (جامع البراق/زاوية المغاربة) وصادر وقفها جميعه حتى يومه. وشرد ساكنتها المغربية، أسر: الزاوي والجربي والدكالي والمراكشي والشاوي والفلالي والسباعي والفاسي والضراوي والتواتي والسرغيني والسويسي والتازي والحلفاوي والشنقيطي والفكيكي والتيجاني والمصلوحي والجبلي والخطيب... إلخ...إلخ وذلك بعد أن كانت، وكان الحي، هو القلب النابض، وعلى جميع المستويات لمدينة القدس الشريفة.
لقد صادروا مفاتيح باب المغاربة، ثم خصصوه للسياح والمتطرفين اليهود، ثم أغلقوه نهائيا (2000) ثم في (2007) هدموا طريق المغاربة وباب المغاربة وخلعوا الرصيف العثماني ونهشوا الكتف الغربي للمسجد الأقصى، ثم هدموا غرفتين منه... وحولوا حارة المغاربة إلى ساحة "مبكى" قبالة حائط البراق.. كل ذلك تمهيدا للجريمة الأكبر والأخطر والمنذرة بحرب كونية محدقة ألا وهي هدم أولى القبيلتين وثالث الحرمين.. وكذلك هم يفعلون في التاريخ دائما، مستعجلين نزول "الماسيح" ومن تم نهاية العالم، حسب معتقداتهم الأسطورية.
لقد قتلوا بعض المغاربة تحت أنقاض منازلهم، في اعتراف صحفي (يورساليم) صرح بن موشيه (81 عاما) "...قبل أن نزيل الحي، مرت سرية بين البيوت، معلنة ضرورة مغادرة الحي خلال ربع ساعة، وبعد أن فرغنا من هدم الحي وجدنا بين الأنقاض، جثث قسم من الناس الذين ظلوا في بيوتهم" وحتى يومه، تستمر 135 أسرة مغربية هنالك مرابطة وبدون مأوى رسمي، مؤكدين على النموذج "الأصيل" للمغربي القح والحر والحقيقي لا المتخاذل الخنوع والذليل...
{ { { {
وفي العام 1965، وحين نضجت الشروط فلسطينيا لإعادة تأسيس حركة وطنية مسلحة تحت اسم "فتح". فلقد كان الزعيم علال الفاسي، ومعه حزب الاستقلال، أول معترف بها وداعم لها عربيا وإسلاميا. بل تمة ما يشير إلى مساهمته الاستشارية في تأسيسها، بدليل حضور اسمه الحركي لديهم، حيث كانوا يلقبونه ب"الوالد". وعلاقته بزعمائهم متينة، وذلك منذ أن كان منفيا معهم بالقاهرة وتدخل لأجلهم في الخمسينيات (ومنهم الطالب ياسر عرفات) عندما اعتقلت السلطات الأمنية بعضهم إثر مظاهرة. واستجاب لتوسطه، القائد الرئيس: جمال ع. الناصر.
ويأتي العام 1967 وهزيمة الجيوش العربية في مواجهة الغدر والخديعة، من قبل الإمبريالية الأمريكية وقاعدتها العسكرية في فلسطين المحتلة. وتشكل أكبر صدمة وعي، في تاريخ الشباب المغربي، الذي انتفض في الشارع، وانتفض خاصة في الجامعة، وانتفض على قياداته الحزبية والثقافية والدينية.. وكانت نقطة انطلاق ما يسمى ب"اليسار الجديد" والذي لا يمكن فهم أو تحليل مغرب السبعينيات والثمانينيات بدون إدخاله في الحساب والتحليل، كفاعل رئيس، وعلى جميع المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية-النقابية... في المغرب المعاصر.
ونفس الأمر حدث بالنسبة للأحزاب الوطنية، خاصة من ذلك الزعيم ع. الرحيم بوعبيد في خطبة نقدية شاملة، بما في ذلك للذات الحزبية. في سينما النهضة بمدينة سلا، على إثر الهزيمة مباشرة... ثم برقية القائد النقابي المحجوب بن الصديق الاحتجاجية، والتي اعتقل وحوكم وسجن على إثرها... ثم جاءت المبادرة الوطنية بتأسيس "الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني" بقيادة أبو بكر القادري، والتي كانت اللبنة الأولى للتأسيس اللاحق ل"الكتلة الوطنية" (1970) (جدل النضالين الوطني والقومي).
ثم بادر الشهيد عمر بنجلون، رفقة الشاعر الوديع الآسفي، إلى تأسيس جريدة "فلسطين" (1968) وكانت مساهمة متميزة في تاريخ الوعي السياسي الوطني، والممارسة الصحافية في المغرب، وكانت مبادرة فريدة في الساحتين العربية والإسلامية.
ثم صدر لاحقا العدد الخاص من مجلة "أنفاس" (1969) والذي كان مناسبة لنقد ذاتي شامل للنخبة المغربية في المسألتين الفلسطينية خاصة والقومية عموما. وشكل منعطفا حاسما في تاريخ اليسار المغربي، أعقبته الأعداد العربية من "أنفاس" والتي كانت اللسان الثقافي للتنظيمين: إلى الإمام و23 مارس.
أما إدارة الدولة، فلقد بادرت (حرة أو مضطرة) إلى إرسال تجريدة عسكرية توقفت بمدينة بنغازي في ليبيا، لأن الحرب كانت قد انتهت، وفرضت على المغاربة ضريبة غير مباشرة لفلسطين (السجائر وقاعات السينما) لم يحاسبها أحد بعد ذلك وحتى يومه على مآلاتها (؟!)
في العام 1969، وعلى إثر جريمة محاولة إحراق المسجد الأقصى من قبل المحتل الصهيوني، دعا ملك المغرب، إلى عقد مؤتمر قمة إسلامي (الرباط) يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الأقطار الإسلامية، كان الموضوع هو فلسطين عموما والقدس خاصة، وكان بمثابة تصحيح للمخطط الأمريكي الأسبق لتشكيل حلف إسلامي ضدا على الاتحاد السوفياتي، والذي أفشلته مصر بقيادة جمال ع الناصر في حينه. قبل أن تحول أمريكا وجهتها نحو تأسيس وتمويل وتوجيه وتوظيف المجتمعات "المدنية" الإسلامية، بديلا عن إدارات دولها (الحركات الإسلاموية) وذلك لخدمة نفس هدفها الإمبريالي في السيطرة على أوربا الشرقية: إنسانا وثروة وسياسة، وترسيخ سيادتها الاستعمارية على ما يسمى ب"الشرق الأوسط".
كان التحدي الاستعماري لفلسطين، مناسبة لتململ العالم الإسلامي، وتأسيسه ل"منظمة المؤتمر الإسلامي" (التعاون الإسلامي لاحقا)، ومرة أخرى يبرز جدل الوطني والديني هذه المرة، والفضل يعود للمغرب دولة وشعبا.
وفي العام 1972 ساهم المغاربة عن طريق هيئاتهم الحزبية النقابية الوطنية في تأسيس "الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية" في بيروت.
أما في حرب 1973 التحريرية، والتي أجهضت وأضحت "تحريكية" بسبب الموقف الإنهزامي للقيادة البورجوازية المصرية، فلقد كانت مساهمة المغرب إدارة وشعبا. مما يسجله التاريخ بمداد الاعتزاز.
لقد تم تحالف دولي رائع بين أوربا (غربها وشرقها) والعالمين الإسلامي والعربي، وأغلبية دول الجنوب.. ضدا على الاحتلال الإسرائيلي، لسيناء خاصة، ومن تم إقفال قناة السويس، الأمر الذي أضر اقتصاديا وتجاريا بالجميع، ما عدا أمريكا، وربيبتها إسرائيل طبعا، اللتين استفادتا من الإقفال، بل إن عدوان (67) كان هدفه ذلك بالذات.
وجه الملك الراحل، خطابا في الموضوع إلى الشعب المغربي، وفتح باب التطوع أمام جنود القوات المسلحة الملكية، وتطوع الآلاف، كانت أكثريتهم من المناطق الناطقة بالمازيغية، أختير منهم بالقرعة تجريدتين (5 آلاف) أبليا بلاء أكدتا فيه شجاعة المغاربة وغيرتهم القومية والإسلامية، واستعدادهم للبذل والتضحية من أجل القضية. لقد كانت بالنسبة لهم إذن قضية وطنية.
بقية المغاربة سارعوا إلى التبرع بالمال وبالدم، وجمع منهما الكثير الوفير.
وعندما قرر الصهاينة، تصعيد جرائمهم، وذلك بإعلان ضمهم للقدس الشرقية واعتبارها عاصمة لكيانهم الاستعماري (1979). بادر المغرب الرسمي مرة أخرى إلى الدعوة إلى مؤتمر إسلامي خاص بالموضوع (فاس) انبثقت منه "لجنة القدس" ثم "بيت مال القدس" تحت رئاسة المغرب، وهما قائمان حتى يومه.
{ { { {
بقية حكاية الارتباط العضوي والجدلي بين المغرب ومشرقه، والعكس، يكاد يعرفها الجميع من الشبيبة المغربية الصاعدة والواعدة. فلا حاجة إذن لتذكيرهم بها، إلا على سبيل الإشارة والتلميح.
لقد تم اختراق، ومن تم تجميد أنشطة "الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني" وشمل نفس المخطط بقية الهيئات المدنية التي كانت مناضلة في الموضوع، سواء أكانت حزبية أو نقابية أو ثقافية. وتعثرت إجتماعات "لجنة القدس"، بل وفتح "مكتب إسرائيلي للاتصال" تمهيدا لما هو أسوء، غير أنه أغلق لاحقا ورسميا، وبقي التطبيع مع العدو تجاريا وسياحيا.. ووقع الاشتغال في صفوف بعض "المثقفين" وبعض الشبيبة، المغفلة أو المغرضة، مستغلين عدم المعرفة وأحيانا الحاجة.. للدفع بها نحو التطبيع مع الصهيونية وكيانها الاستعماري. واشتغلوا لأجل تحقيق ذلك خاصة في أوساط بعض العنصريين "المزوغيين" (خلاف المازيغيين) ممن يعادون ويحاربون إخوانهم المغاربة، من المقتنعين بالعربية وبالاتحاد العربي، سبيلا للتنمية وللتقدم وللديمقراطية.. ولم يتأخر حزب فرنسا (الفرنكوفونيين) عن دعم هذا التوجه وتغذيته، وذلك بمختلف السبل الرسمية والمدنية، وخاصة من ذلك عن طريق الإعلام والصحافة (2M خاصة).
رغم ذلك، وربما بسبب ذلك، استمرت معركة المؤسسات والتوجهات قائمة، فاستعيض عن تحجيم جمعية المساندة بهيئة "مجموعة العمل من أجل فلسطين" بتنسيق الأخ خالد السفياني وحضور الكثيرين من الرموز أمثال: ع. الرحمن بنعمرو.. والتي اشتهرت لدى المغاربة وعموم الساحة العربية، بل والدولية، بالمظاهرات المليونية في الرباط كلما حزب القضية حازب. وحيث أظهر الشعب المغربي فيها جميعا، كيف أنه يعتبر القضية الفلسطينية في صلب برامجه للنضال الوطني.
وعن "مجموعة العمل.." انبثقت مؤخرا (2013) جمعية مختصة بمناهضة التطبيع في جميع أشكاله (الأخ وايحمان)، وهي اليوم تشتغل إلى جانب سوابقها في الموضوع، خاصة منها تلك التي يقودها المناضل الشهم والممثل النموذجي لحقيقة الطائفة العربية اليهودية في المغرب: سيون أسيدون.
{ { { {
كل ذلكم حديث سياسة، وكان من الممكن الاستغناء عنه جميعا، والاقتصار على المؤشر الأكثر فاعلية وعمقا ودلالة، ألا وهو الروابط الثقافية، وفي المقدمة منها الدينية بين مشرق الوطن العربي ومغربه. ولا يفهم المغرب، حديثه ومعاصره (فضلا عن قديمه ووسيطه) بدون الحركة السلفية في المشرق (الأفغاني وعبده...) وبدون رواد الآداب العربية الحديثة (المنفلوطي وشوقي وطه حسين ومحفوظ ودرويش...) وبدون من شنغوا أسماعنا جميعا بالروائع الخالدات (محمد ع. الوهاب وأم كلثوم وفيروز...) وكذلك الأمر في المسرح وفي السينما وفي الكتاب والمجلة والصحيفة والقنوات التلفزية والإذاعية... على جميع هذه الأصعدة وغيرها مما لا تعرقله الحدود السياسية الاستعمارية التجزيئية، فنحن أمة واحدة بخصوصياتها الجغرافية واللغوية والفلكلورية... مصيرها أن تتحد، مثل غيرها من الأمم المعاصرة، وستتحد، إذا هي استمرت في مقاومتها وكفاحها، من أجل الاستقلال والسيادة والتقدم والديمقراطية.
{ { { {
لا أدري، أين تضع الأقلية الهامشية من "المثقفين" المغاربة، ممن يعتبرون، نقيض التاريخ ونقيض المجتمع والدولة، أن فلسطين مسألة "تضامن" وليست "قضية وطنية". إذا كانوا حقا مغاربة، فذلك تاريخ المغاربة في علاقتهم بفلسطين وتلك مواقفهم، وإذا كانوا غير ذلك، فعليهم أن يفصحوا عن حقيقة أهدافهم السياسية، ويتحققوا من أن عدميتهم القومية، نابعة من عدميتهم الوطنية. فهذه من تلك، وتلك من هذه، والذي يفتقد الحس الوطني، يفتقد بالضرورة وبالنتيجة الحس الديمقراطي... وسينتهي حتما، إذا لم يمارس نقدا ذاتيا، إلى "الداعشية" الفكرية وحتى السياسية. كما هو مصير كل عديمي الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.