ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحبيب طالب لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» .. مازالت للصحافة الحزبية أدوار و وظائف يتوجب إنجازها.. الظرف يستدعي مراجعات نقدية لأداء الصحافة الحزبية في المغرب..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 12 - 2010

- لعبت الصحافة الحزبية تاريخيا دورها التي وجدت من أجله، تواجدت دائما في عين العاصفة السياسية التي أحاطت بالعقل الوطني بعيد الاستقلال وأثناء سنوات الرصاص كما يصطلح عليها في الأدبيات السياسية المغربية ... الأستاذ لحبيب طالب ... هل لك أن تمر بعجالة على الأدوار والوظائف التي أنجزتها هاته الصحافة؟
- الصحافة الحزبية (وأشدد على «الوطنية « و»التقدمية») كانت بلا جدال، مدرسة إعلامية وسياسية واجتماعية وثقافية وتعبوية، كانت بحق أكثر من مجرد جريدة إعلامية كما هو الشأن اليوم. ولعل أفضل تعبير جامع لهذا الدور الاستثنائي والكبير، أنها كانت بحق «المثقف العضوي الجماعي» لأوسع الجماهير الشعبية. يكفي أن أذكركم بأن الجريدة الحزبية فيما مضى، كانت تقرأ في كل تفاصيلها قراءة جماعية، ليس من قبل الحزبيين وحسب، بل ومن قبل المواطنين العاديين أيضا، وحتى أولئك الذين لا يحسنون القراءة يستعينون بأحد المتعلمين القريبين منهم. هذه الظاهرة التي عايشناها مع جريدة «العلم» و «التحرير» و»الكفاح الوطني» وما تلاهن من اشتقاقات صحفية مماثلة، لم نعد نرى لها مثيلا اليوم ولو في الدائرة الحزبية نفسها.
ولا ريب في أن للثورة الإعلامية التي غزت العالم، والتي اندرج فيها المغرب أيضا، دورا أساسيا في ضمور هذا الانشداد القوي الشغوف بالجريدة الحزبية عما كان عليه في الماضي، نظرا لتعددية وغزارة مصادر الخبر والمعرفة، ولتنوع وسائلها لما فوق درجة الإشباع الشخصي. إلا أن ذلك لا يفسر كل هذا الإشكال كما سنرى.
ذلك أن ما كان مركز القوة لدى الصحافة الحزبية، كما أراه، ليس في أنها كانت اللاعب الوحيد في ميدان إعلامي لم يشهد بعد انعكاسات الثورة العالمية عليه، ولا في أنه لم يكن ينافسه بعد سوى إعلام رسمي أو شبه رسمي متخلف وجامد وتبجيلي، بل كان مركز القوة هذا، في أن الجريدة الحزبية كانت بكل جدارة واستحقاق الناطقة، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، بلسان كتلة شعبية عريضة متماسكة وناهضة. وكان ذلك هو سر سحرها وقوتها ولغز أدوارها ومكانتها التاريخية الفائقة. ولقد كانت الجريدة الحزبية هي المعبر والفاعل في هذا الاستقطاب السياسي والثقافي والاجتماعي المتواتر والذي لم يكن قد ضعف تماسكه وحيويته بعد...
ولوجود هذا الترابط العضوي بين الحركة الاجتماعية والجريدة الحزبية، صارت الجريدة أكثر من مجرد وسيلة إعلامية باردة، كما هي صحف اليوم، ولذلك كان المس بها من قبل الحكم أكثر بكثير من مجرد حدث من حوادث السير «العادية» في المس بحرية التعبير، إذ كان كل حدث من هذا النوع يطال مباشرة الصراع الاجتماعي والسياسي في كليته، ليأخذ دلالته وموقعه السياسيتين والفوريتين في مجرى هذا الصراع الشمولي، اندفاعا أو مراوغة أو تراجعا.
ولذلك أيضا، كانت موضوعات الصراع السياسي التي تختار الجريدة الحزبية تناولها وولوج معاركها، موضوعات مرتبطة بقدرات الحركة الاجتماعية في مجموعها، لا يحكمها كما يجري اليوم، منطق السبق الصحفي، أو دواعي الإثارة وإغراءات السوق ... ولذلك، كانت الصحافة الحزبية بمثابة الترمومتر الحقيقي لمستوى نضج وفاعلية الحركة الاجتماعية الشعبية كما هي في الواقع، لا كما يفترضها خيال الصحافيين. وكان ما يسمى «بالرقابة الذاتية» في الخطاب الصحفي مراسا شاقا في العقلانية النقدية السياسية، لأن كل كلمة في الخطاب الصحفي لها ثمنها السياسي ولها وظيفتها الميدانية المحددة في تحصيل المكاسب وتحصينها وإنماء الوعي والقدرات الشعبية في أفق استراتيجي واضح. وخلاصة القول، إن أردت البحث في دور ومآل الجريدة الحزبية، فلا مناص من البحث في الحالة التي كانت وصارت عليها «الكتلة الشعبية العريضة» تماسكا ونهوضا، أو تراجعا وتفككا. فلا فكاك بين أحوال الأمرين. أما طرح القضية، وكأن الصفة الحزبية هي العائق، فليس في ذلك إلا مضيعة للوقت،ولن يفضي في أحسن الأحوال، في ظل الشروط السياسية والإعلامية القائمة، إلا إلى معالجة تقنوية سطحية وشكلية.
- الصحافة الحزبية أيضا كان دورها لصيقا بالدور السياسي الذي ينتجه العقل الحزبي المرتبطة به ... اليوم هذه الصحافة التي تمرست على المعارضة في ارتباط دائما بالأحداث والوقائع السياسية التي كان ينتجها المغرب الرسمي... انتقلت مع أحزابها إلى تدبير الشأن العام .. لم تحدث المسافة التي كان يجب لها ... الحكومة حكومة، والحزب حزب، والإعلام إعلام ... هل يمكن أن تفصل لنا في ذلك انطلاقا مما سبق ذكره؟
- في جانب من جوانب المعضلة السابقة كما طرحتها، أي النظر إلى حالة «الكتلة الشعبية العريضة» ومآلتها، يمكن القول، أن من بين أسباب حالة التفكك والتراجع الراهنيتين، أن الأحزاب الديمقراطية لم تهيئ بالقدر الكافي، ولم تحسن تماما الاستفادة من انتقالها إلى موقع تدبير الشأن العام الحكومي. لقد اختارت بحق الموقف الصائب المطلوب آنذاك وطنيا وشعبيا في أن تتحمل جزءا من المسؤولية الحكومية، في ظل شروط مؤسساتية ودستورية وانتخابية ليست في جلها بالقدر المرضي، أملا ورهانا منها على إمكانية تحقيق انتقال ديمقراطي سريع، يفضي إلى وضعية مؤسساتية ودستورية منتجة وسوية، تخرج المغرب من مآزقه الدائمة، وتعطي للحركة الشعبية، في مناخات أكثر ديمقراطية، قوة دفع أكبر تزيد من دفقها و تماسكها وفعاليتها.
كان هذا الموقف من حيث المبدأ موقفا صائبا وسليما، بل لا أغالي إن قلت، أنه كان الموقف الوحيد الممكن من منظور الفعالية التاريخية، إن صح هذا التعبير. إلا أن القوى الديمقراطية صاحبة هذا الموقف وهذا الأفق، المعقولين والسليمين، لم تتدارس بعناية جماعية (وأشدد على الجماعية) كل مستلزماته التكتيكية في كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والنقابية والسياسية والحزبية والإعلامية. وبتعبير آخر، كان من الواجب أن تترك القوى الديمقراطية تلك المسافة النقدية الضرورية بين عملها الحكومي من جهة، وعملها الحزبي من جهة ثانية، وعملها الإعلامي من جهة ثالثة.
ومن الواضح أن هذا السلوك السياسي المفترض، يجد كل موجيباته في طبيعة تناقضات المرحلة الانتقالية نفسها، حيث كان ينبغي على الأحزاب الديمقراطية أن تضع تصورا مجتمعيا استيباقيا لهذه التناقضات، لتؤسس عليه مواكبتها للإفرازات التي سيحدثها عملها الحكومي في المرحلة الانتقالية، استثمارا لهذا العمل ودرءا لجوانبه السلبية على استقلاليتها وهويتها وعلى علاقاتها وارتباطاتها الشعبية.
وبكل صراحة، وبقراءة فاحصة للتجارب الحكومية في مجملها، يمكن الزعم بلا مبالغة، أن الحد الأدنى من هذا الوعي الحزبي الاستباقي والجماعي المنظم، لم يكن متوفرا، ولا حتى كان هما حاضرا بقوة في هذا المنعطف السياسي الكبير، من المعارضة إلى إدارة الشأن العام الحكومي وفي شروط سيئة. ولذلك شاهدنا حالات الارتباك والغموض والانتظارية وانعدام المبادرة في مجمل العمل الحزبي. وبالتالي، كان لابد من ضمور العلاقات الحزبية الشعبية، والذي أدى بالنتيجة إلى التخبط في هذه المفارقة التي نعاني منها إلى اليوم، بين أفق سياسي صائب مبدئيا، وبين العجز المزمن في استثماره شعبيا. ولذلك، تحملت القوى الديمقراطية لوحدها كل نقائص وسلبيات التجارب الحكومية، بينما استفاد الآخرون من إيجابياتها لحسابهم الخاص. وكان الإعلام الحزبي أكبر ضحية وأمثل تشخيص لهذا التخبط والعسر.
* ألا يمكن القول ... بأن الصحافة الحزبية وبالنظر إلى «رجع الصدى» الذي كانت تستقبله من داخل الذات الحزبية، لم تكن مهيئة على الإطلاق للاندماج مع المستجدات الإعلامية والمهنية والتنافسية، رغم أنها كانت سباقة إلى تأسيس كل ما نراه من مواضعات ومرجعيات وطنية في المشهد الإعلامي ...؟
حتما كان لابد من أن ينعكس هذا الوضع الحزبي الخامل والمشوش الرؤية على الواجهة الإعلامية. وهنا لابد من بعض التوضيحات رفعا لكل لبس. إن الصحافة الحزبية لا تعني بالضرورة الخضوع التام والمطلق لسيطرة الحزب وتوجيهاته في كل صغيرة وكبيرة. فإذا كانت الظروف السياسية الساخنة والضارية في الماضي، تبرر مثل هذه السطوة الرقابية المفرطة الحساسية على جريدة الحزب، كما هي حال علو «المركزية» في مثل هذه الظروف الصراعية الضارية على هياكل الحزب وكل أنشطته الأخرى، فإن هذه السطوة القيادية تفقد مبرراتها الموضوعية، أو تقل كثيرا بالأحرى، لتغير الظروف السياسية ولوجود مناخات ديمقراطية أفضل بكثير مما كان في الماضي. ولذلك، يمكن للصحافة الحزبية أن تتمتع بدرجات عالية من الاستقلالية في ممارساتها المهنية، لا تقل شأنا عن مثيلاتها في الصحف الخاصة المسماة بالمستقلة. لأن هذه الأخيرة هي الأخرى ترتبط في خط تحريرها بارتباطات مختلفة وخاصة. بمصادر تمويلها. إنه واقع الحال في كل الصحافة المسماة بالمستقلة في العالم. وفي كافة الأحوال، فهي تخدم، بالرغم من حيادها المعلن، وظيفة سياسية معينة ضمن شبكة المصالح والصراعات الاجتماعية القائمة. قصدي من كل هذا، أن الصحافة الحزبية يمكن لها أن تتمتع باستقلاليتها المهنية، كغيرها، وأن تخدم في نفس الآن الاستراتيجية الحزبية بكفاءة أعلى وأنجع. ولذلك قلت في السابق، أن حصر الإعاقة في الصفة الحزبية بحد ذاتها، نقاش شكلي ومغلوط في جوهره.
المشكل الحقيقي في نظري يكمن في نمط العلاقة الجامعة بين الحزب والجريدة، أهي علاقة هيمنة أم هي علاقة استقلالية مهنية مبنية على تعاقد سياسي ودفتر تحملات تتم المحاسبة على أساسهما.
وبدون الدخول في تفاصيل نقدية لما هو قائم في التجارب الإعلامية الحزبية الحالية، فإن قناعتي العامة في ذلك، أن ما من علامة مقنعة بعد، في هذه العشرية الأخيرة، تبين على مستوى الممارسة الصحفية، أن الجريدة الحزبية مضت بعيدا في بناء استقلاليتها المهنية، وأن الحزب بدوره قد رسخ تقاليد جديدة في هذا الشأن. لكني أعود فأقول، إن المعضلة الإعلامية ليست إلا فرعا من المعضلة السياسية الحزبية العامة التي وجدت القوى الديمقراطية نفسها فيها في مخاض تجربة الانتقال التي لم تتحكم في صيرورتها بعد ...
- هاته الصحافة دافعت عن المهنية، لكن المهنية كانت تسقط دوما أمام «الحزبية»... هل مازال في المستطاع تدارك ما يمكن تداركه، وهل برأيك ما يزال للصحافة الحزبية أدوار يتوجب إنجازها في هذا البلد ... خصوصا أمام تعالي الكثير من الأصوات التي لم يفتح أصحابها أفواههم إلا عند طبيب الأسنان، والقائلة بموت هذه الصحافة وضعفها وانقراضها أيضا ...؟
- بعد كل المقدمات السابقة، أضحى من الواضح لديكم أني لست من القائلين بموت الصحافة الحزبية أو بنهاية عهدها ... مع تشديدي الدائم على أن الصفة الحزبية بحد ذاتها لا معنى لها إلا من وجهة الحمولة التي ورثتها من التجربة السابقة. أما من حيث المعنى الصحيح، فإننا نريد صحافة تخدم أهدافا استراتيجية محددة، لكن بالشروط السياسية والمهنية والثقافية لصحافة اليوم.
ومع ذلك، ولكي لا نضيع في تأويلات قد لا يستسيغها البعض، أو قد يحسبها مجرد سفطائية لا غير، فالصحافة الحزبية حتى بالمفهوم السائد عنها عند العموم، ما زالت الطريق أمامها طويلة، وما زلنا بحاجة إليها، وللأسباب التالية على الأقل:
أولا: ينبغي ألا ننسى مطلقا سواء في الإعلام أو في غيره من القضايا الأخرى، أننا في مرحلة «انتقال ديمقراطي» تحكمه شروط صراع وقوانين مغايرة بالكامل لمجتمع راسخ المؤسسات الديمقراطية. فكثيرا ما يستعجل البعض النهايات الكبرى التي وصلتها مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة مستخفا بثقل العوائق الموضوعية في مجتمعنا وبالوثيرة اللازمة لذلك.
ثانيا: إن فضاءنا الإعلامي، وخاصة منه الإعلام البصري الذي يقود في هذا العصر باقي الوسائل الإعلامية الأخرى، ما زال بعيدا عن التعددية وتتحكم في توجيهاته خيارات أخرى. ولذلك، تبقى الحاجة قائمة للإعلام المكتوب وغيره بالنسبة للقوى الديمقراطية للتعبير عن خياراتها البديلة.
ثالثا: وإذا نظرنا للإعلام الورقي، فالسائد فيه، بكل أسف، يغدي في الباطن الفرداوية الانعزالية والعدمية السياسية. ويجري هذا في مرحلة نكوص وتفكك للكتلة الشعبية الديمقراطية العريضة. وفي هذا الوسط الإعلامي السائد، نحن بأشد الحاجة إلى إعلام حزبي يحافظ على القيم النضالية الحزبية كخيار لابد منه لتسييس الجماهير وللدفع بكل مكوناتها نحو التكتل والعمل الإيجابي العقلاني والفاعل. وأكاد أقول، إنها معركة للدفاع عن النفس أمام هذا الهجوم الكاسح للفرداوية الانعزالية ضد التحزب بوجه عام، والذي لا يضر في الواقع إلا بالقوى الديمقراطية أساسا وحصرا.
أما غيرها، فله وسائله الخاصة من قدرات مالية وتوزيع مصالح نفعية واستثمار العلاقات التقليدية ألما قبل الحزبية السياسية.
فهل ما زال في المستطاع تدارك ما يمكن تداركه؟ بكل تأكيد ! لأن الوضعية التراجعية ليست إلا وضعية مؤقتة، ستحتاج إلى صراعات وإجراءات جديدة، ومراجعات نقدية جريئة لكل أوضاعنا الحزبية الذاتية، ومنها الإعلام الحزبي، ولكنها في نهاية المطاف وضعية عابرة، ريثما تستعيد الكتلة الشعبية العريضة نهوضها وتماسكها من جديد. فالإعلام الحزبي والحركة الشعبية توأمان لا يفترقان !
- مفهوم المناضل الإعلامي ... وأمامه مفهوم الصحافي المهني؟
- لا أريد أن أطيل في هذه القضية، لأني لا أرى تناقضا بين الصفتين، إذ يكفي أن أذكركم بأن أفضل وأرقى الإعلاميين الصحفيين المغاربة هم من خريجي الممارسة النضالية الإعلامية والحزبية. فهل أنتجنا إلى اليوم أفضل وأرقى من الصحافي الكبير المناضل الراحل الباهي محمد والعشرات من الذين مارسوا الصحافة في معمعان النضال، منهم «من رحل» و»من ينتظر» !
بطبيعة الحال، هذا لا ينفي بروز جيل جديد من المهنيين الصحافيين الشباب المرموقين، ولا ينفي أن هذه المهنة هي في طور التشكل والتوسع الاجتماعيين كقوة قائمة الذات، وأنها آخذة في كسب هبتها الاجتماعية المتميزة لما صار لها من مكانة في تقسيم العمل الاجتماعي ومن مكانة في هذا العصر الإعلامي بامتياز. وأن ذلك كله سيؤدي، وينبغي أن يؤدي بالنتيجة إلى سيادة الاحترافية في المشهد الإعلامي الوطني.
{ في تقديرك أيضا ... ما السبيل للخروج من وضعية التأزيم التي توجد عليها جل المنابر الحزبية ... هل إعادة الهيكلة ...؟ ... هل القيام بعملية كلينيكية صارمة لاستعادة المهنية والمعايير المهنية للاشتغال والإنتاج ...؟ أم ترك بعض المؤسسات الإعلامية الحزبية غارقة في تفاصيل «الريع الحزبي» ومفهوم «الخيرية الإعلامية» ...؟
ربما لمحت في كل أجوبتي السابقة بما يكفي جوابا على هذا الموضوع. وإن كان لي أن أخص سؤالكم بناحية ما، فتخصيصي سيذهب إلى الإلحاح على مراجعة الخط التحريري لجهة توسيع الاستقلالية المهنية إلى أقصى حد، كي يجد القارئ في الجريدة كل الحركية المجتمعية في جميع جوانبها وتناقضاتها، بلا قيد أو خشية حزبية ضيقة، بل وأن يجد فيها أيضا أخبار وتناقضات الحزب واستثمارا جيدا وذكيا لكل مؤهلات وإمكانيات الحزب العاملة في شتى الميادين، وهذا مورد قوة لا نجده لدى الجرائد المستقلة.
أليس مدهشا ألا تشبع الجريدة الحزبية قراءها عن صورة الحزب نفسه؟ !
بعد هذا، ينبغي تنظيم التحول التدريجي، ولكن السريع أيضا، إلى مؤسسة عصرية احترافية، تنبني على تخصصات مهنية صحفية مختلفة، وعلى علاقة مع الحزب تعتمد التعاقد ودفتر التحملات، وعلى ضمان كل الحقوق الخاصة بالعاملين فيها.
وقبل هذا وذاك، ينبغي أن يمتلك الحزب القرار النهائي والوعي الجماعي بكل مستلزمات هذا التحول النوعي. وأن يضع في اهتماماته العاجلة «الجبهة الإعلامية» بمختلف أدواتها، وعلى جميع الصعد الحزبية، كأولوية الأولويات في بناء حزب عصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.