«ماجد» أول الأفلام المغربية التي تم عرضها ضمن المسابقة الرسمية لجائزة المهر العربي ضمن جوائز الدورة السابعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي. وأول الغيث هذا كان أشبه بمقدمة تسخينية لما سيأتي من أفلام مغربية مشاركة في ذات المسابقة، خاصة إذا ما قورن بالمعروض حتى الآن من الأفلام العربية. كان الحضور كبيرا من قبل الجمهور المحلي، الذي جزء منه كان من الجالية المغربية المقيمة بدبي، خاصة في الصفوف الخلفية من قاعة سينما «مول الإمارات» والتي كانت تتفاعل بصوت مسموع مع مشاهد الشريط. أول الأفلام المغربية هذا، هو أيضا أول عمل سينمائي طويل للمخرج المغربي الشاب نسيم عباسي، خريج قسم السينما التابع لمعهد الفن والتصميم في فارنهايم ببريطانيا. وكأي بداية شئ طبيعي أن تكون هناك أخطاء البدايات التي لا تسقط من قيمة الفيلم الفنية. بل إنه من الآن يستطيع المرء الجزم أن «ماجد» سوف ينجح جماهيريا إذا ما عرض في القاعات السينمائية المغربية، كون قوة الشريط آتية من فكرته البسيطة والنافذة، التي تتأسس على بحث طفل يتيم عن ملامح وجه أبويه اللذين ماتا حرقا في حادث مؤسف. وكانت تيمة الشريط هي محاولة الوصول إلى صورة لهما في عنوان ما. مثلما أن قوته هي في اعتماده على طفلين كبطلين رئيسيين، نجحا في جعل الشريط يرتقي فنيا إلى مستويات محترمة، بالشكل الذي أعاد للذاكرة أنجح أفلام المخرج المغربي نبيل عيوش «علي زاوا». وهي الملاحظة التي طرحناها على المخرج نسيم عباسي، الغارق في خجله، الوجل دوما، الأشبه في تفاصيل ما ببطل شريطه، فكان جوابه أن فكرة الشريط كانت حاضرة عنده منذ سنوات، وأنه كتب القصة والسيناريو بلندن حيث كان يقيم، وأجل حلمه بسبب خروج شريط «علي زاوا» حتى لا يقال إنه يكرر التجربة الناجحة لفيلم عيوش. الحقيقة أن الإكتشاف الأهم في شريط «ماجد» هو الطفل لطفي صابر، البطل الثاني في الفيلم، فقد كان قصة لوحده. بل إن نجاح المخرج في عمله يعود في تفاصيل كبيرة منه إلى شخصية هذا الطفل، الذي أبهر الحضور بعلو كعبه الفني. وإذا كانت الصدف كثيرة في بناء حبكة الفيلم، فإن أداء الممثلين الراسخين كان لا يوازي حقيقة قوة الأداء الرائع للطفل صابر، الذي لم يكن يفتعل أمام الكاميرا التي نسي تماما أنه أمامها يؤدي مشاهد فنية، فكانت النتيجة باهرة فنيا. وإذا ما قورن هذا الشريط المغربي بعدد من الأفلام العربية التي عرضت حتى الآن (خاصة المصرية منها أو السورية)، فإنه يمتلك أدوات فنية تنافسية هامة، خاصة على مستوى التصوير وأداء بطلي الشريط الطفلين إبراهيم البقالي ولطفي صابر.المتعة الكبرى هنا، في الأفلام المعروضة ضمن مسابقات مهرجان دبي السينمائي الدولي، هي في اكتشاف قارات فنية خبيئة، كامنة في إفريقيا وآسيا (خاصة السينما الإفريقية الأنغلوساكسونية والسينما الإيرانية والكورية الجنوبية فأفلام مثل فيلم «مرهم» و«الرجاء عدم الإزعاج» الإيرانيين والفيلم الكوري «نهاية حيوان»، هي تحف فنية كاملة، تعلم الكثيرين منا معنى التواضع الفني والإنساني الذي يصنع سينما عالمية. بل إنها سينما تندرج في باب «سينما القضية» التي تعرض لقضايا إنسانية تعني كل كائن حي عاقل. مثلما أن متعة الإكتشاف الأخرى هي في نوعية الأفلام الوثائقية المعروضة، وقيمتها العالية. ولعل أقواها حتى الآن، هو الشريط الوثائقي «هذه صورتي وأنا ميت» للمخرج الأردني المتألق محمود المساد، الذي اشتغل بالصوت والصورة وباللغة الأنجليزية والعربية، وبتقنيات غاية في الإحترافية من أجل تقديم قصة نضال الفلسطينيين من أجل الحرية. القصة التي تتأسس على تجربة الشاب الفلسطيني «بشير» رسام الكاريكاتير العامل بالصحافة الأردنية، والذي هو ابن أحد شهداء المقاومة الفلسطينيية الذي تم اغتياله بأثينا سنة 1983 . وحين نفذت الموساد العملية بإشراف من عميلته تسيبي ليفني (التي ستصبح في ما بعد وزيرة خارجية إسرائيل أثناء جريمة الإبادة الجماعية ضد أطفال غزة)، كان الطفل بشير في حضن والده بالسيارة يداعبه حين أمطره ركاب دراجة نارية بالرصاص فاستشهد الأب والسائق وأصيب الصغير ابن الأربع سنوات في رأسه واعتقد حينها أنه قتل، بينما الحقيقة أنه بقي في غيبوبة أربع سنوات كاملة وعاش. عاش ليكبر ويقدم اليوم شهادة هائلة عن معنى النضال الإنساني من أجل الحق في الحياة، بتقنيات فنية رفيعة وبلغة إنسانية نفاذة لا مجال فيها للخطابة أو التمجيد أو الإدعاء، بل هي تجربة حياة. إن قوة منجز المخرج محمود المساد أنه باعتماده على قوة الصورة يمنح للقضية الفلسطينية، ولأبناء القضية الرازحين فعليا تحت سطوة الإحتلال والعنصرية أكبر أشكال الدعم لأنه أولا يخاطب ضمير العالم بلغة كونية هي السينما والصورة. وثانيا لأنه يبني خطابه بمنطق الشهادة التي تعلي من إنسانية الإنسان ويحول القضية من خلال قصة نضال قائد فلسطيني كبير هو مهندس العملية الشهيرة للبطلة دلال المغربي بقلب تل أبيب، إلى وثيقة مصورة منذورة للخلود. المثير هنا، في دبي، ليس فقط الإحتفالية الرسمية بالسينما، من خلال اللوجيستيك التنظيمي الهائل والإحترافي، بل أساسا الإحتفالية الشعبية بالسينما. فالناس هنا تقف بالطوابير الطويلة من أجل شراء تذكرة سينما ويقفون بالطوابير من أجل دخول القاعات الكبرى المتعددة المنتشرة في كامل أرجاء المدينة. وقد يفاجئ الكثيرون عندنا أن مداخيل القاعات السينمائية هنا تقدر بملايين الدولارات، وأن ثمة أفلام تعرض بشابيك مغلقة لأزيد من شهر. هذا هو حب السينما، وهذا هو المأمول أن يلعبه في مكان ما المركز السينمائي المغربي، أي أن ينجح في حماية حق الفرجة بكامل التراب المغربي من خلال الدفاع عن إطار قانوني يحمي القاعات السينمائية ويمنع تهديمها ويدعم العاملين والمستثمرين فيها كقطاع حيوي يربي على الجمال. فالأمن الإجتماعي لا يتحقق فقط ببطن شبعانة بل أيضا بروح فرحة متصالحة مع المعنى الجميل للحياة الذي تربينا عليه الصورة السينمائية المبدعة التي تخصب الدواخل فينا.