يقول الكاتب الاسباني الشهير الذي عشق مراكش وفضاءاتها حتى النخاع: «هناك جذور لقاعات سينمائية أو لشاشات العرض في طور الانقراض تسير بمنحى الأفلام التي تعرضها حيث عقدة الفيلم و مشاكله تؤثث لمرحلة قادمة و لا مفر منها». ويستطرد الكاتب الاسباني قوله حول عشقه اللامتناهي منذ طفولته و معاشرته اليومية للقاعات السينمائية عبر رحلاته العالمية و في عدة مدن عريقة : بباريس سينما «لوكسور» و « قصر روش شوار» ، بطنجة سينما « فوكس» ، بالصويرة « الكاروسو»، بعدن سينما « بلقيس « و بمراكش : « الريف» ، « مبروكة» ، « موريطانيا» و «ايدن». في حديثه عن سينما « مبروكة» ، يؤكد أن قربها من ساحة جامع الفنا يعد من بين العجائب المتداولة حيث» أفواج كبيرة من الشباب العاشق للفن السابع يتزاحمون بكل شكل حتى يصل أحدهم الى الشباك قصد نيل تذكرته لمشاهدة ثنائية الأفلام :» الكراطي/ الهندي «. كل هذا الهوس يؤكد ما شهادته ذات يوم حينما غمرت مياه الأمطار قاعة العرض حيث وصل منسوب المياه الى أن يغطي أقدام الجمهور الذي لم يعبأ بذلك و تابع المشاهدة.» سينما « ايدن « بحي القنارية المطل على ساحة جامع الفنا من بين الساحات التي دخلت الى مخيلة « خوان كويتيصولو» حيث فضاءها البهيج و الذي يجمع بين صالات العرض و قاعات الألعاب و مرآب الدراجات و هو ما يعتبر مركبا متكاملا منذ عهد بعيد. « فضاء ديناميكي داخل القاعة وعلى جنبات السينما حيث يسطف عدد هائل من الباعة لتصريف مستحضراتهم لجمهور سينما «ايدن» القوي. واجهات السينما هي عبارة عن لوحات من الحجم الكبير تغطي الثنائية الدائمة و التي يعرفها جمهور «ايدن» بكل دقة. كما يعرف أن صاحب القاعة يملك كذلك قاعة سينمائية أخرى في الحي الأوروبي تدعى أنذاك «سينما الريجان» و هي من الآوائل التي اجتاحها طوفان الاغلاق.» يتحدث «خوان» عن يوم أعلن خلاله أن فيلما يعد من آخر الانتاجات سوف يعرض وهو ما حذا بجمهور عريض للحضورالى القاعة ، و معلوم أن الأفلام كانت تتداول بين السينما الأولى و الثانية حيث وقت العرض قد اقتربت و الأفلام لم تحضر بعد. المكلف كان دوما صلة وصل بين القاعتين وعلى متن دراجة نارية كانت تحمل الأفلام. جمهور غفير لكن بدون عرض ليتم اخبارهم أن المكلف تعرض لحادثة سير مما أثار سخطهم ليتم إقناعهم أن عرضا أخر سيكون بدله «هندي» لتعم فوضى عارمة تساهم في خلق دينامية جديدة بدل عرض الفيلم. في نهاية العرض و عند خروج الجمهور تحلق الكثير منهم حول ملصق الفيلم في حنين الى لقطة شاهدها ليطمأن على واقعية العالم الافتراضي الذي حمل إليه والذي عايشه طيلة العرض . ويضيف «غويتيصولو» عرضه لأوفياء سينما «ايدن» و دافعهم السيكو- واقعي ونظرتهم لكل ما هو غريب و عجيب مستلهما ذلك من رجالات مراكش و كراماتهم التي زكت الذاكرة الشعبية المراكشية. سينما «ايدن» هو فضاء حيوي رغم هندستها المتقلبة وعلاقتها بالجيران. وصف هذا الفضاء من طرف الكاتب صاحبه رنين احداتيات مدققة و جد مفصلة لكل وحداتها بالإضافة الى سرد أحداث فيلم هندي الذي غالبا ما يبحث رب القاعة عن فيلم ذي نهاية سعيدة بعد أن عم صمت مطبق أرجاء القاعة في لحظة تأثر و دهشة و متابعة لعقدة الفيلم. وفي الأخير تخرج جماهير سينما «ايدن» على شكل أفواج تشبه مسيرة المظاهرات . بين كل هذا و ذاك نلاحظ حركية الباعة المجاورين لسينما «ايدن» من بائعات البيض و الحلويات و السجائر بالتقسيط اضافة الى المطابخ المتنقلة . هاته الجماهير تنتشر في صمت عميق في جنبات حي رياض الزيتون وساحة جامع الفنا ليصطدموا بقساوة الواقع المعيشي مثلما يصطدم الغارق في نومه في أول رمشة يفتح فيها عينيه.