تستعرض القوى الحقوقية ببلادنا اليوم، شأنها شأن المسؤولين الرسميين، ملف حقوق الإنسان في ذكراها العالمية السنوية التي تصادف العاشر دجنبر من كل سنة، ويرسم الطرفان صورة هذه الحقوق واقعا ومطالب، منجزات وانتهاكات، كل من النافذة التي اعتاد أن يخلد منها هذا اليوم الذي تم خلاله سنة 1948 المصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. عموما هناك مستويان متداخلان لهذه الحقوق في كل المجتمعات، هما الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهما معا متفرعان عن الإعلان العالمي الذي يحتوي على عشر مواد، وقد تولدت عن ذلك ترسانة من المواثيق والاتفاقيات والبروتوكولات.. شكل مطلب المصادقة عليها في هذه الدولة أو تلك، قاعدة نضال نشطاء حقوق الإنسان الذين انتظموا في منظمات وجمعيات وائتلافات ... وأسسوا مراصد وأصدروا تقارير تقييمية تضع أصبع الحقيقة في مواطن الخلل وتكشف عن تضاريس جغرافيا الانتهاكات، وأيضا مناطقها المضيئة التي جاءت كمكاسب انتزعت بفعل تكاثف جهود ودينامية المجتمع المدني المحلي أو العالمي. في المغرب الذي يصادف ذكرى اليوم مرور عشرين سنة على صدور الميثاق الوطني لحقوق الإنسان، الذي صاغته وصادقت عليه أبرز مكونات الحركة الحقوقية ببلادنا، توجد هناك مطالب تشكل أولوية في أجندة الملف، كما أن هناك واقعا يؤكد استمرار تردي حقوق الإنسان في هذا المستوى أو ذاك. من أبرز الأولويات هناك ضرورة الإصلاحات السياسية والدستورية التي أصبحت مطلبا مستعجلا، كي تتمتع الانتخابات بنزاهتها والمؤسسات بمصداقيتها، أن تكون لحرية التعبير قدسيتها التي تتأسس على الاختيار الحر المتحرر من كل تلاعب أو تزوير. ومن القضايا الحقوقية، هناك إصلاح القضاء والذي شدد عليه جلالة الملك في أكثر من خطاب سامي، وخاصة خطابي 20 غشت وافتتاح السنة التشريعية الحالية. فالقضاء أحد آليات العدالة لإنصاف المواطنين وضمان حقوقهم، وهو من مقومات التنمية، وما يعرفه من فساد يعيق دون شك تحقيق العدالة التي هي اليوم بحاجة الى مفهوم جديد كما أعلن عن ذلك جلالة الملك، ويشكل حجر عثرة في وجه التنمية البشرية والمجتمعية والاقتصادية وغيرها... إن مساواة المتقاضين من شأنه القطع مع استغلال النفوذ الذي يمارسه أشخاص ومؤسسات تستغل القرابة من دوائر القرار في هذا الإقليم أو ذاك، أو هذا القطاع أو غيره لسلب الناس حقوقهم والدوس على كرامتهم . هناك حق عرت واقعه وبشكل جلي الأمطار الأخيرة التي عرفتها بلادنا، يتعلق الأمر بالحق في السكن اللائق. آلاف العائلات غمرت بيوتها (أو مايشبه البيوت) المياه وقدمت لنا حقيقة مرة: واقع سكني مر وهش ولايتوفر على أبسط مقومات الكرامة. بخصوص المطالب التي تضعها الهيآت الحقوقية في صدارة ملفاتها، نذكر مطلب المصادقة على البروتكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، والبروتوكول الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام، والمصادقة على المحكمة الجنائية الدولية... بالإضافة إلى تحسين أوضاع السجناء والمحاكمة العادلة واحترام حرية الصحافة ... إن مغربا ديمقراطيا قويا متماسكا صلبا في مواجهة خصوم وحدته الترابية ومناوراتهم وحملاتهم المغرضة، لن يتأتى إلا بتعزيز حقوق الإنسان، والاحتفاء بذكرى 10 دجنبر هو مجرد محطة للتأكيد على هذه المتطلبات.